بعد أن عرضت الجزيرة الوثائقية قبل ثلاثة أسابيع الفيلم الوثائقي «شفشاون، الوجه الأزرق»، الفيلم الأول من باقة مكونة من أربعة أفلام وثائقية أخرجتها المخرجة المغربية بشرى إيجورك، ستعرض القناة القطرية يومي 30 و31 ماي الجاري، الفيلم الثاني الذي يحمل عنوان « الثوار الجدد، ثورة الراب بالمغرب»، على أن يتم لاحقا عرض فيلمي بشرى إيجورك الآخرين. عن بداية هذا التعاون مع شبكة الجزيرة، تقول بشرى إيجورك: «اتصلت بي صحفية مغربية تدعى خديجة العامودي تتعامل مع شركة هوت سبوت لصاحبها الصحفي والمنتج أسعد طه، المعروف بتقديمه برنامجي «نقطة ساخنة» و برنامج « يحكى أن» على قناة الجزيرة الإخبارية، وأخبرتني بأنه ينوي إنتاج أفلام وثائقية عن المغرب. ولما رأى أسعد طه أفلامي السابقة، أعجبته طريقتي في العمل، وهكذا بدأ التعاون بيننا». بموجب هذا الاتفاق، اختارت بشرى من بين عدد من الاقتراحات إنجاز أربعة أفلام وثائقية طويلة، مدة الواحد منها 52 دقيقة، ثلاثة منها للجزيرة الوثائقية وهم «شفشاون، الوجه الأزرق» و«الثوار الجدد، ثورة الراب بالمغرب» و«الحي المحمدي كاريان سنطرال، الحي المنسي»، ورابع للجزيرة الإخبارية يحمل اسم «أدب المقاومة، فارس الركح عبد الحق الزروالي». والملاحظ في هذه المواضيع، إلى جانب كونها جميعا مواضيع تمس صميم الواقع المغربي، أنها تمس أيضا وبالذات الفن والثقافة المغربيين، وهذا يبدو أمرا منطقيا إذا ما استحضرنا طبيعة تكوين المخرجة وميولاتها الثقافية والجمالية. صورت بشرى إيجورك أفلامها الأربعة، بعد مرحلة الكتابة والإعداد، في مدة لا تتجاوز أربعين يوما، حملت فيها بشرى، برفقة فريقها الصغير، كاميراها وتجولت بها في مدن مغربية مختلفة، مثل الدارالبيضاء وفاس ومراكش وشفشاون. وما لا يعرفه المشاهدون حتى وهم يشاهدون هذه الأفلام أن تصويرها صادف شهر الصيام. فيلم شفشاون، الذي عرض إلى حد الآن، اعتبره الكثيرون التفاتة جميلة إلى مدينة أجمل، مدينة زرقاء خجولة قابعة في هدوء بين أحضان قمم جبال الريف. تقول إيجورك: «اخترت مدينة شفشاون من بين عدد من المدن لكي أصور حولها فيلمي، لأني أحمل تقديرا خاصا لمدينة شفشاون المتميزة بغناها التاريخي والمعماري، كما أنها مادة دسمة لفيلم من 52 دقيقة. من جهة أخرى، أردت أن أبين وجها آخر من الوجوه الجميلة للمغرب التي لا يعرفها العرب»، وتضيف بشرى: «للأسف، نحن كمغاربة لا نجيد بعد تسويق المعطيات الجمالية والحضارية لبلادنا، لهذا أنجزت هذا الفيلم لكي أشوق مشاهدي الجزيرة إلى زيارة مدينة شفشاون الجميلة». نفس هذه الرؤية اعتمدتها بشرى في أفلامها الأخرى، حيث تعمدت في فيلمها عن الراب في المغرب الذي سيعرض نهاية الشهر الجاري، إلى إبراز جمال مدينة مراكش التي أنجبت مجموعة لفناير ومكناس التي أفرزت «أش كاين» والدارالبيضاء مدينة «كازا كرو» وغيرها، لأنه في النهاية توجد في المغرب أشياء كثيرة جميلة وليس فقط الفقر والإرهاب والرشوة والغلاء... «لم أحاول أن أدخل رتوشا على بلدي لكي يبدو أجمل مما هو عليه، لكنني بحثت عن الجمال الذي هو موجود فيه أصلا وحاولت تسليط الضوء عليه»، هكذا تقول بشرى. ترى كيف ظلت بشرى وفية لبحثها عن الجمال في فيلمها عن الحي المحمدي كاريان سنطرال؟ هذا الحي المعروف ببساطته وصعوبة ظروف العيش فيه مقارنة بباقي أحياء الدارالبيضاء، تجيب بشرى: «في فيلم الحي المحمدي قد يجد المخرج صعوبة في الحصول على الصورة التي يريد، كما أنه لا يمكننا أن ندخل رتوشا على الحي حتى لا يفقد خصوصيته، لكن الحي المحمدي ثري بأهله الذين تميزوا بين أهل الدارالبيضاء والمغرب في عدة مجالات فنية ورياضية وسياسية». الفن والفنان، هما الكلمتان السحريتان في أفلام بشرى الأربعة التي كونت تجربتها الجديدة مع شبكة الجزيرة، لهذا تجدهما حاضرتين في فيلميها الآخرين عن الراب وعن المسرحي عبد الحق الزروالي. وعن الرؤية التي اعتمدتها المخرجة في تناول ظاهرة الراب في المغرب التي بدأت مؤخرا تتناولها بعض الأفلام المغربية والأجنبية، تقول بشرى: «إن وجهة نظر المخرج ورؤيته هي التي تحرك الكاميرا، ولأنني كنت دائما متأكدة من أن هناك أفكارا مسبقة كثيرة خاطئة في حق الشباب الذين يقفون وراء الثورة الموسيقية التي تحدث في المغرب، قررت أن أعطي هؤلاء الشباب فرصة لكي يعبروا عن وجهة نظرهم. في فيلمي، سترون البيغ يتحدث وآش كاين وفناير وكازا كرو ودي دجي كاي، لأنه في النهاية علينا أن نتساءل: لماذا يوجد كل هذا الإقبال على هذه الموسيقى؟». ويبدو أن بشرى تعطي اهتماما خاصا لهذا الفيلم بالذات الذي صاحبته بترجمة مكتوبة باللغة الفرنسية وأخرى باللغة العربية، كما أنها تنوي المشاركة به في عدد من المهرجانات المغربية مثل مهرجان العيون ومهرجان البولفار ومهرجان مارتيل، وفي أخرى دولية. «إذا شاهدتم الفيلم، وهو فيلم شخصياته كلها حقيقية، ستكتشفون أن هؤلاء الشباب ذوو مستوى تعليمي عال ولهم وعي عميق بالواقع المغربي السياسي والاقتصادي والاجتماعي. كما ستفاجؤون بأن الشباب الذين تحدثنا إليهم يرفضون، مثلا، تسمية نايضة، ويعتبرون أنهم غير معنيين بها». وبعد الاهتمام بالجيل الجديد من الفنانين، تلتفت بشرى التفاتة وفاء إلى الجيل الذي سبقها من خلال فيلمها الرابع والذي يدور حول تجربة المسرحي المغربي عبد الحق الزروالي: «للأسف، في المغرب، لا نعطي لمبدعينا الاهتمام الذي يستحقونه. في فيلم عبد الحق الزروالي، نعاين مسيرته المتميزة عربيا في المسرح الفردي والكتابة والشعر والأدب وتجربته النضالية المسرحية التي اتخذت أشكالا مغايرة عن المسرح السائد هنا. تجربة الزروالي كانت الوحيدة التي صمدت كل هذه السنوات على الخشبة. أنتج فيها أكثر من 23 مسرحية وسافر بمسرحه إلى عدد من المناطق النائية في المغرب». وتضيف بشرى بفخر واضح: «لقد اعتمدت في أفلامي الأربعة لشبكة الجزيرة على موسيقى مغربية مائة في المائة، سواء موسيقى ناس الغيوان أو موسيقى الراب أو أغنية الفنان المغربي نعمان لحلو الذي مكنني من أغنيته الجميلة «شفشاون يا النوارة» بدون أي مقابل. تصوروا أن زملائي المصريين واللبنانيين الذين كانوا يعملون معي وأنا أقوم بالمونتاج في مقر الشركة في دبي، كانوا يلتحقون بي في المكتب الذي أعمل به كلما سمعوا موسيقانا المغربية، ويستغربون قائلين «هل لديكم كل هذه الموسيقى الجميلة في المغرب؟ ولم لا نعرفها نحن في المشرق؟». ليس التميز أن يكون الإنسان موهوبا في مجال من المجالات، لأن الموهبة نعمة من الله لا فضل لنا فيها، لكن التميز أن يكون الفرد منا موهوبا ويعرف كيف ينمي موهبته ويستثمرها ويفيد بها من حوله. بشرى إيجورك، بينت الفرق، حين طورت موهبتها الفنية من ممثلة مسرحية إلى كاتبة ومخرجة للأفلام القصيرة والطويلة، الدرامية منها والوثائقية. صقلتها بالدراسة في المعهد العالي للفن المسرحي والتنشيط الثقافي سنة 1998، حيث جعلت مشروع التخرج هو إخراج مسرحية عن رواية الخبز الحافي لمحمد شكري، لتلتحق بعدها بالمدرسة العليا لمهن الصوت والصورة بباريس حيث أخرجت أول شريط وثائقي قصير «كروان» سنة 2003، وهو الفيلم الذي حصل على الجائزة الكبرى للدورة الـ11 للمهرجان الدولي لفن الفيديو بالبيضاء وجائزة لجنة التحكيم الدولية بتونس. لبشرى فيلم تلفزيوني من إنتاج القناة الثانية حمل عنوان البرتقالة المرة، وحقق نسبة مشاهدة مهمة، كما حصل على جائزة الجمهور في مسابقة نجوم بلادي 2007 التي تكرم أفضل الأعمال التلفزيونية المغربية خلال السنة. وقد تلقت بشرى عرضا من شبكة الجزيرة لإخراج سلسلة أفلام وثائقية، أخرى غير أنها أجلت الأمر لأنها تنكب حاليا على كتابة فيلم تلفزيوني جديد.