الظاهر أن المشرفين على قطاع السياحة في مُراكش، مركزيا ومحليا، لا تعني لهم شيئا سنة 2012، والظاهر أيضا أنهم لم يسمعوا بالهوس والجنون الأوربي الذي يتبع هذه الأيام الرؤية السخيفة لنهاية العالم في 2012، التي تعني، ضمن ما تعنيه، نهاية جحافل السياح التي تأتي إلى جامع الفنا لتملأ جيوب القردة الراقصة بالجوع و«شاشيات» كناوة المتسخة بالبؤس ومروضي الثعابين، الفاقدة لأسنانها. اليوم فقط يعلنون، رسميا، أن مراكش ستتوفر سنة 2012، حيث سيفنى العالم في المخيلة الأوربية والأمريكية، على 72 ألف سرير، عوضا عن ال45 ألفا التي تتوفر عليها حاليا المدينة الحمراء، والتي تجد الفنادق صعوبات كبيرة في ملئها، منذ أن أسدلت البورصات العالمية والبنوك المركزية الأمريكية والأوربية الستائر وأعلنت هبوب ريح الأزمة المالية العالمية. باستطاعة مُراكش أن تملأ حتى مليون سرير دفعة واحدة، فقط لو قاموا بشفط الدهون الزائدة بكثرة على أثمان المبيت السياحي وجعلوها في منافسة متقدمة مع الفنادق والإقامات في جربة والحمامات في تونس واسطنبول في تركيا وبانكوك وباطايا في التايلاند وشرم الشيخ والغردقة في مصر وحتى مع أثمان المبيت في الجنوب الإسباني. هناك اليوم في مكاتب وعقليات من يخططون لاستراتيجية السياحة في المغرب من مازال يعتقد أن الكرم المغربي وكؤوس الشاي وحلويات «كعب غْزال» والكُسكُس ورقصات كناوة وساحة جامع الفنا وشواطئ وشمس أكادير... ستظل إلى الأبد قناع البهلوان الضاحك، الذي تلبسه السياحة المغربية، منذ عهد الحماية لما كانت فرنسا تسوق المغرب في مخيلة السائح الأوربي، كبلد غارق في عصور ما قبل اكتشاف الكهرباء. وحتى الآن ونحن في السنة العاشرة من القرن الواحد والعشرين في زمن «الجي بي إس» و«الويفي» و«البلُو ثوث»، مازال هناك سياح إلى يومنا يحطون، رجلهم لأول مرة في مُراكش ويسألون في شوارع كًيليز وساحة جامع الفنا عن الإبل والرمال وواحات النخيل وخيام أهل مراكش التي كانوا يعتقدون، قبل مجيئهم، أنهم يسكنون فيها، فقط لأن ما تم تسويقه لهم عن السياحة في مراكش لا يختلف عن السياحة في فيافي صحراء الربع الخالي، جنوب الجزيرة العربية. في مُراكش، هناك حاليا 250 رحلة جوية أسبوعية تربط المدينة بمختلف عواصم ومدن العالم، وهذا العدد الضئيل، في رأي المهنيين، عائق كبير لملء 45 ألف سرير التي تتوفر عليها المدينة اليوم، قبل أن تصل إلى 72 ألفا في أقل من سنتين، واضعين في الحسبان أن مراكش لا تتوفر على مطار بموقع جغرافي يمكن أن يرفع عدد الرحالات الأسبوعية إلى 600 أو ألف رحلة جوية، ولا على أسطول من سيارات الأجرة، حديث وعصري ونظيف، كفيل برفع هذا التحدي. تعيش المدينة الحمراء اليوم حالة تيه في استراتيجية التخطيط والتدبير السياحي وملاءمة سياسة الانفتاح ومضاعفة الأرقام مع قدراتها الذاتية في تقديم خدمات سياحية موازية لآلاف السياح المفترَضين. وفي وقت لا تتوفر فيه مُراكش على مراحيض عمومية وتقوم أسوارها التاريخية مقام ذلك، تجد بعضهم يفتخر بكون المدينة تتوفر على ملاعب الغولف والكازينوهات وبحار اصطناعية وعلب ليلية... كما لو أن أوربا تعدم ذلك.