كان الجو ضبابيا وباردا مع قطرات المطر خلال توديع سفينة الركاب «مرمرة الزرقاء»، التي انطلقت يوم السبت من إسطنبول في طريقها إلى مدينة «أنطاليا» التركية الساحلية، حيث سينضم إليها المشاركون في «أسطول الحرية»، والذين ينحدرون من مختلف الدول العربية والغربية، حيث من المتوقع أن يصل عددهم إلى 750 مشاركا، منهم ناشطون، صحفيون، برلمانيون، شيوخ، شباب ونساء. كان مقر هيئة الإغاثة والمساعدات الإنسانية بمثابة السقف الذي لجأ إليه كل المشاركين الذين وصلوا مدينة إسطنبول، فبشاشة وحفاوة العاملين به، خلقت نسيجا إنسانيا متناغما تجاوز الفوارق الدينية والعرقية واللغوية، ففي كل مكان حول مقر الهيئة يمكن أن نرى الأندونيسيين، الإسبان، الإنجليز، الكويتيين، الفلسطينيين والعديد من الجنسيات الأخرى في جو من التسامح والتعاطف. وقد عاشت الهيئة، الأسبوع الماضي، على وقع العديد من المواقف التي امتزج فيها الفرح بالحزن، فقد تزامنت وفاة اثنين من موظفيها , هما فاروق أكتاش وبهاء الدين يلدز، اللذان كانا يستقلان الطائرة الأفغانية التي تحطمت على الجبال بالقرب من كابول، واللذان كانا يشرفان على أعمال بناء دار أيتام في أفغانستان، مع وصول ممثل هيئة الإغاثة والمساعدات الإنسانية عزت شاهين إلى إسطنبول، بعد 22 يوما من الاعتقال في زنزانة بالسجون الإسرائيلية. التي ألقت مخابراتها الداخلية القبض عليه دون تهمة محددة، وحاولت استخدامه كورقة للضغط على منظمي أسطول الحرية الأتراك ليتراجعوا عن موقفهم، لكن المظاهرات الحاشدة التي خرجت في تركيا مساندة لشاهين وتدخل الحكومة التركية ممثلة في خارجيتها, أجبر إسرائيل على إطلاق سراحه مع حجز جواز سفره. وبالرغم من كل هذا، فقد تابع المنظمون الأتراك تحضيراتهم واستقبال المشاركين الذين تعاطفوا مع المنظمين وقدموا تعازيهم الحارة لفقدان الموظفين اللذين كانا مشهودا لهما بالطيبة وحسن السيرة، وقد حملت سفينة «مرمرة الزرقاء» لافتات باسم الشهيدين تخليدا لذكراهما. مساء الأحد، كان موعد انطلاق المشاركين بالباصات نحو مدينة أنطاليا الساحلية التي سيستقلون منها السفينة للانطلاق إلى منطقة قريبة من قبرص ولقاء باقي السفن التسع المشاركة في الأسطول، وهي سفينة شحن بتمويل كويتي ترفع علم تركيا والكويت، سفينة شحن بتمويل جزائري، سفينة شحن بتمويل أوربي من السويد واليونان، وست سفن لنقل الركاب تسمى إحداها «القارب 8000» نسبة إلى عدد الأسرى في سجون الاحتلال. وقد كان هناك العديد من المودعين للمشاركين ينتظرون خارج مقر الهيئة، كما أن ناشطا إنجليزيا يبلغ من العمر 64 عاما أعلن اعتناقه الإسلام قبل انطلاق الباصات بلحظات، ما زاد من حماس المشاركين الذين باركوا له قراره، المسلمون منهم وغير المسلمين، وهو دليل على التسامح الذي يعم المجموعة التي يحركها الضمير الإنساني لنجدة الفلسطينيين والدفاع عنهم. في حوار أجرته «المساء» مع بيتر الذي قرر أن يسمي نفسه بعد إسلامه «محمد الفاتح» تيمنا بفاتح إسطنبول، أكد أن مشاركته في قافلة المساعدات « شريان الحياة 3 » جعلته يلتقي مع العديد من الأفراد المسلمين الذين أثروا في حياته، كما أن عمله في الغابات وفي أحضان الطبيعة جعله يطرح العديد من الأسئلة التي وجد أجوبة منطقية لها في الديانة الإسلامية، وكان لصديقين مسلمين له أثر كبير في إعلانه هذا القرار تزامنا مع مشاركته في هذه الحركة الإنسانية وقال : «أحس براحة كبيرة داخلي، وأنا مستعد لمواجهة كل ما يمكن أن يعترضنا من قبل الإسرائيليين، فتهديداتهم لا تعني لي شيئا، فهم لا يعترفون بالسلام، فمنذ أن أقحموا أنفسهم في المنطقة انعدم السلام، إن شاء الله سندخل غزة ونوصل المساعدات الإنسانية التي نحملها للمحاصرين هناك.» الشيخ أحمد فؤاد الدهشان وزوجته وفاء جلال الدهشان فلسطينيان من غزة، خرجا من غزة لأن وفاء مصابة بالسرطان ولعدم وجود المعدات والأدوية لعلاجها، فقامت جمعية قطر الخيرية بإرسالها إلى تركيا لتلقي العلاج، وقد سافرا إلى السعودية للعمرة لكنهما منعا من العودة، فقررا العودة إلى غزة عبر معبر رفح، لكن السلطات المصرية منعتهما، فاضطرا إلى العودة إلى تركيا، من جديد وعندما سمعا بخبر تنظيم الأسطول توجها إلى هيئة IHH، التي قبلت أن تعيدهما على متن سفينتها إلى غزة، لأن هدفها ليس فقط المساعدات الإنسانية بل أن تكون أيضا بداية مشروع إعادة اللاجئين الفلسطينيين إلى أراضيهم. كين أوكيف من الولاياتالمتحدةالأمريكية، 44 سنة، تخلى عن جنسيته الأمريكية، ويحمل الجنسية الإيرلندية ويعيش في بريطانيا، سمع عن حركة «غزة الحرة» في 2006، وكان قد طرد من إسرائيل لأنه كان يحاول تمرير مراقبين دوليين للمنطقة في الضفة الغربية. ويقول عن مشاركته : «شاركت ككابتن في السفينة التي ذهبت إلى غزة مع حركة «غزة الحرة»، ومع أن العديد كانوا لا يؤمنون بنجاحنا, لكنني شخصيا أؤمن بأننا كأفراد لدينا قوة كبيرة إذا عرفنا وأحسنا استخدامها فيمكننا أن نصنع المعجزات..فلما انطلقنا على متن سفينتنا لم يكن أحد يعتقد أن العشرات من الأفراد يمكنهم النجاح ودخول غزة لكننا حققنا هدفنا، ومع هذا الأسطول المكون من 9 سفن أنا على يقين أننا سندخل القطاع وسنوصل المساعدات المادية والمعنوية إلى الشعب الفلسطيني.». إسرائيل تهدد بمهاجمة الأسطول والمشاركون مصممون على الذهاب : أعلن جيش الاحتلال الإسرائيلي عن إطلاق عملية أسماها “رياح السماء” لاعتراض “أسطول الحرية” في إشارة إلى مهاجمته المتضامنين الأجانب والعرب الذين يرافقون الأسطول. فحسب خبر نشره موقع الخليج، فإن صحيفة “يديعوت أحرونوت” قالت إن الحديث يدور عن “عملية عسكرية مركبة” ستنفذها قوات كبيرة من جنود البحرية بإشراف مباشر من قائد سلاح البحرية الجنرال اليعيزر مروم، لمنع «أسطول الحرية« من الوصول إلى غزة، بعد فشل الجهود التفاوضية مع الجهات المنظمة التي رفضت عرضاً «إسرائيلياً» بنقل المساعدات إلى غزة بإشراف «إسرائيلي» وعودة السفن والمتضامنين. ويبدي جيش الاحتلال خشية من محاولة المتضامنين على متن السفن مواجهة جنوده الذين سيقومون بالسيطرة على السفن قبل وصولها إلى شواطئ غزة، الأمر الذي سيسبب حرجاً دولياً ل«إسرائيل» . ووفقاً للعملية العدوانية «الإسرائيلية» المقررة، أوضحت «يديعوت» أن سلاح البحرية «الإسرائيلي« سيجر السفن بعد السيطرة عليها إلى ميناء أسدود، حيث تم تخصيص مكان في الميناء لإيقاف واعتقال المتضامنين الأجانب والفلسطينيين. وذكرت الصحيفة أن «إسرائيل» فشلت في إقناع تركيا بمنع القافلة من الإبحار إلى غزة . وقالت إن تركيا رفضت اقتراحاً «إسرائيلياً» بنقل المساعدات التي تحملها السفن إلى ميناء أسدود «الإسرائيلي» على أن يتم إدخالها إلى القطاع بواسطة منظمات إغاثة دولية والأمم المتحدة، تحت رقابة «إسرائيلية» . وكشف موقع «ديبكا» الاستخباري «الإسرائيلي» نقلاً عن مصادر استخباراتية «إسرائيلية» أن تركيا أرسلت رسالة سرية إلى الحكومة «الإسرائيلية» هددتها فيها بردود فعل انتقامية، إذا ما أقدمت البحرية “الإسرائيلية” على منع الأسطول من الوصول. وزعم الموقع الاستخباري أن السفن التركية الموجودة ضمن الأسطول تُخبئ على متنها مروحية أو اثنتين من طراز هيلوكبتر ستستخدمها القوات التركية لحماية المتضامنين على متن الأسطول في حال تعرضها لعرقلة من البحرية “الإسرائيلية” . وقال موقع «ديبكا» إن رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان صادق على خطة يتم بموجبها إقلاع المروحيتين فوق سفن الأسطول لتشكل حماية للمتضامنين في حال اعتراض طريقهم من جانب البحرية «الإسرائيلية»، والعمل على ضمان وصولهم إلى غزة . وأضاف الموقع الاستخباري «الإسرائيلي» أن سلاح الجو «الإسرائيلي» لا ينوي اعتراض أو إسقاط المروحيتين، بل سيبقى يراقب تحركاتهما فقط . ولم ترد «إسرائيل» على رسائل «التهديد» التركية، لكنها هددت أنها ستمنع وصول الأسطول وستقوده إلى الموانئ وتعتقل من على متن السفن في مأوى مغلق، وتقدم حملة الجنسية «الإسرائيلية» للمحاكمة . سينطلق الأسطول التركي مساء الخميس من مدينة أنطاليا الساحلية باتجاه نقطة الالتقاء في المياه الدولية بالقرب من قبرص، للالتحام بباقي سفن الأسطول للانطلاق إلى ميناء غزة معا. المشاركون يتحدون التهديدات : في مؤتمر صحفي عقده المشاركون في أسطول الحرية، أكد بولنت يلدرم، رئيس هيئة الإغاثة والمساعدات الإنسانية IHH، تصميمهم المضي قدما في حركتهم التي أكد أنها حركة إنسانية بحتة، وليس لها أي هدف آخر، كما أكد أن الحركة دوافعها إنسانية ولا تدعم أيا من الحركات السياسية في فلسطين. وتتسم معنويات المشاركين بالتفاؤل والإيمان القاطع بنجاحهم، كما أن طفلا تركيا حمل عصفورا في قفص علق عليه علم فلسطين وطلب من منظمي الحركة إيصاله إلى غزة وإطلاقه ليكون حرا هناك، في رسالة منه إلى كل أطفال فلسطين على أنهم ليسوا وحدهم وأنهم سيطيرون يوما ما أحرار مثل ذلك الطائر. وأشار يلدرم أن ما تقوم به إسرائيل سيضر بها قبل أي أحد، لأنها ستشعل فتيل أزمات ديبلوماسية مع العديد من دول المشاركين في الأسطول، كما أنها ستجعل العالم يعزلها شيئا فشيئا، واستغرب كيف أن دولة بكل أجهزتها تحاول التصدي لمجموعة من المدنيين العزل الذين ينطلقون في مهمة إغاثة إنسانية بحتة. أنقرة تصف غزة ب «غيتو حديث»: و حسب مصادر إعلامية، فقد دعا وزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو «إسرائيل» ومنظمات الإغاثة الدولية إلى ضبط النفس في الخلاف بشأن أسطول الحرية المتوجه إلى قطاع غزة، وقال إن تركيا تأمل «في عدم حدوث توتر، وأن تتصرف «إسرائيل» والمنظمات المدنية بحكمة ومنطق» . وأضاف أن تركيا، التي أدانت الحصار عدة مرات، اتصلت ب«إسرائيل» لبحث الخلاف . كما أكد أوغلو أن فلسطين لا يمكن أن تبقى في حالة شبه دولة وشبه مجتمع، معتبراً أن «الوضع الحالي لا يمكن أن يستمر» . وقال إنه لا بد من ضمان مستقبل وسلامة وحرية الشعب الفلسطيني تماماً كشعب البوسنة، التي انفصلت عن يوغوسلافيا السابقة . ووصف قطاع غزة أنه «غيتو حديث، وتركيا ضد فكرة الغيتوهات، وطوال تاريخها، أحاطت تركيا بكل من عاشوا في الغيتوهات«. ماذا يحمل الأسطول : سفينة غزة : تمويل كويتي ستحمل العلم التركي والكويتي، تحمل على متنها 2140 طنا من الإسمنت، 600 طن من حديد البناء، ومعدات بناء أخرى، في حين تحمل سفينة الشحن الجزرية التي مولتها واشترتها نيابة عن الشعب الجزائري حركة مجتمع السلم الجزائرية، الحديد، المولدات، بيوت مسبقة الصنع، حدائق ألعاب، أدوات مدرسية وغيرها من مواد البناء والغذاء ولوازم البيوت من أسرة بطانيات وغيرها. إلى جانب المساعدات المادية، تحمل السفن كل أصحاب الضمير الإنساني من مختلف الديانات والجنسيات واللغات، الذين يملأهم اليقين بأنهم سيصلون إلى هدفهم، ميناء غزة.
الأسطول في أرقام : الجنسيات المشاركة : المغرب، الجزائر، تركيا، بريطانيا، الكويت، الولاياتالمتحدةالأمريكية، ماليزيا، أندونيسيا، الأردن، اليمن، بلجيكا، إسبانيا، موريطانيا، مقدونيا، ألمانيا، البحرين، أستراليا، فلسطين، السويد، كوسوفو، مصر، اليونان، أيرلندا، إيطاليا، كندا، سوريا، لبنان، عمان، باكستان، جنوب أفريقيا، فلسطينيي أراضي 48 وفرنسا. 35 من الصحفيين: المساء المغربية، ثلاثة من طواقم الجزيرة : العربية الإنجليزية والوثائقية، القدس تلفزيون، الأقصى تلفزيون، فينيزويلا تيلي سور، كونا، بريس تلفزيون الإيرانية، راديو جنوب أفريقيا 786، الحوار، غولف نيوز، 4 قنوات أندونيسية، تلفزيون باكستاني، ماليزيا، الأردن، إسبانيا. المشاركون الأتراك : 363 الأجانب: 194, منهم: 35 نائبا برلمانيا ضمنهم جزائريان ومغربي.