ضمن سلسلة القوافل التي نجح نائب البرلمان البريطاني جورج غالاوي في قيادتها إلى قطاع غزة، بهدف كسر الحصار وإيصال المساعدات الإنسانية الأوربية والعالمية إليها، انطلقت قافلة شريان الحياة الثالثة Viva Falastina 3 من مدينة لندن في السادس من شهر دجنبر الجاري، سعيا لدخول غزة في ال27 من نفس الشهر، بمناسبة الذكرى السنوية الأولى للعدوان الإسرائيلي. متخذة مسارا يشمل بلجيكا، ألمانيا، النمسا، إيطاليا، اليونان، تركيا، سوريا، الأردن ومصر، التي تعلق الآمال على تعاونها من أجل السماح للقافلة بالمرور من معبر رفح الحدودي. رغم البرد القارس وجو الصقيع الذي كان يلف منطقة «إدرنة» التركية عند نقطة العبور الحدودية مع اليونان، أصرت الوفود التي قدمت من إسطنبول وغيرها من المدن في مقاطعة مرمرة على انتظار ظهور قافلة شريان الحياة، التي ما إن بدت لهم حتى تعالت صيحات الفرح ورفرفت الأعلام الفلسطينية معانقة الأعلام التركية، مع ترديد شعارات ضد إسرائيل وأخرى تدعم الفلسطينيين. ومنذ انطلاق القافلة من لندن، كانت هيئة الإغاثة والمساعدات الإنسانية IHH - وهي منظمة غير حكومية تعنى بتقديم المساعدات لكل المحتاجين من المسلمين وغير المسلمين في كل أنحاء العالم- تحضر برنامج استقبال القافلة على قدم وساق في عدة مدن تركية، برنامج حافل امتد إلى يوم السبت 19 من الشهر الجاري, حيث غادرت القافلة إلى سوريا، كما وفرت الهيئة كل ما يحتاجه المتطوعون في القافلة من أماكن نوم ومأكل وكل المساعدات التي احتاجوا إليها خلال إقامتهم في تركيا. حرارة المشاعر تهزم برودة دم القتلة نظم مؤتمر صحافي في إسطنبول يوم الأربعاء عند وصول القافلة إليها، حضره العديد من الشخصيات التركية الرسمية وممثلون عن المنظمات المدنية التركية، وقامت القافلة بجولة في أرجاء المدينة، ملاقية ترحيبا حارا في كل مكان مرت به. وفي مساء اليوم نفسه تجمع المئات من المدنيين الأتراك في ساحة «تقسيم» التي تعتبر القلب النابض لمدينة إسطنبول، لتوديع القافلة التي ستنطلق إلى باقي المدن التركية الأخرى. كانت الأمطار غزيرة، والبرد قارسا، وعند دخول القافلة الساحة تعالت التصفيقات والتكبيرات والشعارات مثل «الحرية لفلسطين» «اللعنة على إسرائيل»، كما شاركت السيارات والحافلات التي تصادف مرور القافلة مع زماميرها والتلويح بإشارات النصر للمشاركين في القافلة، كما رددت أناشيد باللغة التركية من أجل القضية الفلسطينية تصدح في أرجاء الساحة، والأعلام الفلسطينية ترفرف جنبا إلى جنب مع الأعلام التركية. كما شارك أطفال حضروا مع أهاليهم في التجمع، فالعديد من الأتراك يصرون على غرس حب فلسطين ودعم القضية في نفوس أطفالهم منذ الصغر، وهم فخورون بذلك. المغرب يشارك في قافلة شريان الحياة بينما كنت أجري حديثا مع صحافية من إفريقيا الجنوبية، سمعت بالصدفة خبر قدوم القافلة وقررت المشاركة في التجمع هذا المساء، مر بقربنا رجل في حوالي الستين من عمره وحياها باللغة الإنجليزية –كنا قد التقيا صباحا في إحدى المناطق في إسطنبول- سألته إن كان مشاركا مع القافلة فأجابني «نعم، أنا مغربي..»، وكانت مفاجأته كبيرة عندما تحدثت معه بالدارجة.. لحق به مصطفى، وهو من المغرب أيضا، فأخبرني أنهم مجموعة من مغاربة وجزائريين، رجال ونساء قدموا من لندن مع القافلة. وتابع قائلا «الرحلة كانت صعبة نوعا ما، فقد مررنا بالعراء، وكانت المشاركة في أوروبا باردة، لم نجد حتى أماكن لركن السيارات. تركيا البلد الوحيد الذي لاقينا فيه هذه الحرارة عند الاستقبال...». ويوافقه الرأي الجزائري جلول لخضر الذي أضاف « أتينا من بريطانيا في مهمة إنسانية لا فتحوية ولا حماسية، لنساعد الشعب الفلسطيني، ونحن نقول إن الجالية المسلمة في بريطانيا تردد «إن السراج الذي يوقد بالزيت للأقصى قد ينطفئ، ولكن السراج الذي نتوجه به للأقصى نسرجه دما، والذي يوقد بالدم لا ينطفئ». وقد كانت الرحلة والحمد لله موفقة، لكن الجو كان بارد جدا جدا، وولم نجد مساعدة من الدول الأوربية التي مررنا بها إلا القليل القليل، وأنا شخصيا ضللت الطريق في اليونان، والتقيت ببعض الفلسطينيين، وماذا قالوا لي؟ قالوا أنتم ذاهبون لفك الحصار عن غزة، أنتم تدعمون حماس... اكتشفت أنهم من مناصري فتح... حسبي الله ونعم الوكيل.. هؤلاء القوم ليسوا على قدر تحمل المسؤولية مع الأسف... وبينما أنا أتحدث معه، قاطعني مصطفى يشير إلى شاب وفتاة في العشرينات من عمرهما قائلا: «هذان أيضا من المغرب...». تحمست أكثر لإجراء مقابلة معهما أيضا، فشعور رائع أن ترى مغاربة شبابا بمثل هذا الحس الإنساني الرائع المفعم بحب العطاء وتحدي العراقيل... الشاب كان مغربيا مقيما في بلجيكا، يدعى سعيد بنعياد، والفتاة تدعى عزيزة برايكيفيلت وهي بدورها مولودة ومقيمة في بلجيكا. استهل سعيد كلامه قائلا «نحن مجموعة شباب وشابات ننتمي إلى مجموعة العزة التي تساند القضية الفلسطينية في بلجيكا. منذ سمعنا بالقافلة الأولى أردنا المشاركة، ولكن آنذاك لم تسنح لنا الفرصة للمشاركة، وعند سماعنا بالقافلة الثانية، شعرنا بدفعة مشاعر قوية تحمسنا للتفكير جديا في طريقة ما تخولنا المشاركة في القافلة الثالثة بشكل يمكننا من توصيل مساعدات للفلسطينيين. وفعلا وبعد تخطيط وعمل شاق، تمكنا من شراء سيارتين: سيارة إسعاف وحافلة صغيرة، فقد سمعنا أن القافلة ترغب في توفير أكبر عدد من المركبات المختلفة النوع للتبرع بها لفائدة أهل غزة ليتمكنوا من استخدامها خلال تنقلاتهم اليومية، كما حملنا المركبتين بمعدات طبية وأدوية... تقاطعه عزيزة قائلة: «في الحقيقة يعود الفضل لسعيد في تحقيق مشروعنا على أرض الواقع، فهو الذي أعطانا الدافع القوي للمضي قدما نحو تحقيقه، فقد تكلم مع العديد من الناس وأقنعهم بالفكرة من أجل الحصول على المساعدات والتبرعات..». يبتسم سعيد بخجل ويردف «المشروع في الأخير هو نتيجة لاتحاد المجموعة كلها من أجل المساهمة في مساعدة إخواننا الفلسطينيين وليست فكرتي وحدي، فالكل شارك..». وتابع «قبل الوصول إلى تركيا، لم يحدث شيء يستحق الذكر من ناحية الاستقبال ماعدا قيام بعض الأفراد عند الحدود الألمانية النمساوية بالقدوم إلينا وإيوائنا عندهم أثناء توقفنا خلال الليل هناك. وفي اليونان كان الاستقبال هادئا قليلا، لكن ومنذ اجتيازنا للحدود اليونانية التركية فاجأنا الاستقبال الضخم والاهتمام الذي قوبلنا به شعبيا ورسميا، فقد تكلفت هيئة الإغاثة والمساعدات الإنسانية التركية بإيوائنا وتوفير كل ما نحتاج إليه، لقد تأثرنا كثيرا بحفاوة الشعب التركي..». و عن المشاركة العربية في القافلة قال سعيد إنها في حدود 20 %، والأغلبية هم باكستانيون، بريطانيون، إيرلنديون ومن جنسيات أخرى، كما أكدت عزيزة أنها التقت امرأة ماليزية أتت من ماليزيا خصيصا فتاة مغربية تستقيل من عملها لتشارك في القافلة للمشاركة في القافلة. و ينما كنت أتبادل الكلمات الأخيرة مع سعيد، ظهرت كنزة، وعرفت أنها مشاركة في الفريق، فشاركتنا في الحديث قائلة: «اسمي كنزة إسناسي، مغربية مقيمة في بلجيكا، إلى غاية قراري المشاركة في القافلة، كنت أعمل في مكتب محام مهتم بشؤون الأجانب والقانون الدولي في بروكسيل، وكنت مسؤولة عن قسم الاتصالات، لكن نظرا لعدم تمكني من أخذ إجازة، فقد استقلت من عملي.. فهذه القضية الإنسانية وهذه التجربة بالنسبة إلي حدث مهم ويجب أن نعطي كل ما نستطيع من أجل دعمها... كونا أنا ومجموعة من الأصدقاء الشباب، مغاربة، جزائريين وبلجيكيين مجموعة «Viva falastina» البلجيكية، فتجمعنا حول هذه القضية جاء عفويا. أنا شخصيا خضت تجربة منذ سن مبكرة جعلتني أتعلق أكثر بالقضية وأسعى إلى نصرتها بكل ما أوتيت من قوة، فقد كنت ضمن مجموعة مراقبة أجنبية زرنا فلسطين خلال حرب لبنان منذ 3 سنوات، زرت الضفة الغربية وعاينت الواقع الفلسطيني الصعب وغير الإنساني الذي يعيشونه، صراحة صدمتني المشاهد التي رأيتها هناك، وأثرت في كثيرا. ونحن في بلجيكا ننظم العديد من الأنشطة كمدنيين لنصرة القضية مثل مظاهرات واحتجاجات ضد الممارسات الإسرائيلية في فلسطين، وفكرتنا أنه حتى ولو أن السياسيين لم يستطيعوا تغيير وضع القضية للأفضل ولو بقليل، فنحن الشعوب بإصرارنا وعزيمتنا سنستطيع ذلك إن شاء الله... والجالية المغربية في بلجيكا تدعم القضية بكل قوة، وفي رأيي فالمسألة ليست مسألة انتماء، بل قضية إنسانية. وتتابع «مصطفى ويوسف بنعياد مغربيان معنا في القافلة، وهما اللذان تكلفا بسياقة سيارة الإسعاف والحافلة الصغيرة اللتين نجحنا في شرائهما، بعد أن بدأنا منذ شهرين من المشاركة في القافلة بتنظيم سلسلة من الأنشطة لجمع التبرعات، من إرسال رسائل إلكترونية للعديد من الناس والمؤسسات، وتنظيم مؤتمرات صحافية من أجل نشر الموضوع على نطاق واسع، كما اتصلنا أيضا بالمفوضة الفلسطينية في الإتحاد الأوربي ليلى شهيد التي قدمت لنا الدعم الكبير، والحمد لله نجحنا في شراء المركبتين والحصول على المعدات الطبية والأدوية التي تبرع ببعض منها مستشفيان جامعيان. وبصراحة، طيلة الرحلة، كنت منزعجة نوعا ما لعدم تلقينا أي دعم يذكر في الدول التي مررنا بها، ماعدا استقبال خجول في اليونان، لكن انزعاجي تلاشى وحل محله شعور بالغبطة والفرح الغامر عندما وصلنا إلى الحدود التركية اليونانية والتقينا الحشود البشرية التي تجمعت وراء الشريط الحدودي مباشرة تنتظر دخولنا الأراضي التركية. كانت المفاجأة أكبر من الوصف، فقد استقبلنا استقبال الأبطال، وكان الناس يتهافتون على تقديم الفواكه لنا لنسترجع قوانا وطاقتنا، وأعلام فلسطين ترفرف عاليا. وعلى امتداد الطريق كانت القرويات والقرويون يلوحون لنا بإشارات النصر ويهتفون بشعارات دعم للفلسطينيين ويكبرون رغم الجو البارد، فالمنطقة تعرف تهاطل الثلوج في هذه الفترة، كما أن وسائل الإعلام التركية كانت حاضرة وبقوة، شكرا جزيلا للشعب التركي، إنهم فعلا رائعون»... وتختم قائلة: «كل واحد منا خصص مصروفا شخصيا لتكاليف الرحلة، ونحن نأمل إذا سمحوا لنا باجتياز معبر رفح بالعودة إن شاء الله لبلجيكا عبر الطائرة من مصر في السابع يناير. أما في حالة عدم السماح لنا بالدخول، فقد اتفقنا على أن يظل قسم منا على المعبر الحدودي في انتظار السماح للقافلة بالدخول ولن نتراجع..». يوسف بنعياد، أحد السائقين يقول بدوره: «نحن نسوق منذ عشرة أيام، و قد كانت الرحلة صعبة، فالشتاء بارد، ولكن حرارة العزيمة والرغبة في كسر الحصار على غزة والدخول إليها أذابت كل التعب، وجعلتني يقظا ومصمما أكثر على المضي قدما نحو خط النهاية. وصراحة لم تكن لدي فكرة إيجابية عن الأتراك من قبل، خاصة أنني أعرف بعضهم في بلجيكا، لكن فكرتي قد تغيرت كليا عند وصولنا إلى تركيا، فلم نقابل مثل هذا الدعم أبدا منذ انطلقنا من بروكسيل، إنهم فعلا شعب متعاون ورائع.