تعيش تركيا، منذ يوم الاثنين 10 ماي الجاري، على وقع ما وصفته العديد من وسائل الإعلام ب«الزلزال» السياسي، بعد إعلان «دنيز بايكال» زعيم حزب الشعب الجمهوري المعارض استقالته من منصبه، إثر نشر صحيفة «وقت» التركية المعروفة بقربها من الحركات الإسلامية التركية، شريط فيديو على موقعها الإلكتروني، الجمعة الماضي 7 ماي 2010، يبين لقطات له مع عضو لحزبه في البرلمان التركي تدعى نسرين بايتورك، صورت بكاميرا خفية، وهما في وضع غير لائق في غرفة النوم. وذكرت مصادر صحفية تركية أن الادعاء العام التركي بدأ بإجراء التحقيق حول الموضوع، في حين وجه بايكال أصابع الاتهام – كعادته – إلى غريمه السياسي زعيم الحزب الحاكم رجب طيب أردوغان بتدبير ما يسميه ب«المؤامرة»، إلا أن بعض المحللين السياسيين يرون أن بايكال تمت الإطاحة به من قبل رفقائه من نفس الحزب لأهداف سياسية، كما يقول البعض إن زوج نسرين بايتورك استغل زوجته وسمح لها بالاقتراب من زعيم الحزب من أجل ضمان مستقبلها السياسي وتطويره. الفضيحة خلال الأسبوع الماضي، أعلن دنيز بايكال عن تلقيه تهديدا باغتياله، حيث بعث مجهول برسالة إلكترونية إلى مديرية الأمن تقول إنه سيتم اغتيال دنيز بايكال شهر ماي الجاري. لكن التحقيقات كشفت أن المرسل هو طفل في ال13 من عمره، معروف بالشغب وإلحاق الأذى. بعد تتبع IP الذي أوصل الشرطة إلى مقهى للأنترنت في منطقة كوجايلي التي تقع في القسم الآسيوي من إسطنبول. وبعد استجواب صاحب المقهى تم التوصل إلى الصبي الذي أطلق سراحه هو الآخر بعد اعترافه بما قام به، حيث قال : لقد بعثت رسالة إلكترونية إلى مديرية الشرطة في أنقرة تقول: «سيتعرض دينيز بايكال في 20 من ماي لاغتيال» وبعد نشر الخبر على شاشات التلفزون، تذكرت ما فعلت. ومعروف عن الصبي الذي يدعى «أرجان» قيامه بأعمال الشغب وإلحاق الأذى، كما قام بتهديدهم في العديد من المرات بالسلاح الأبيض. ويقولون إنه عندما وصل الخبر إلى سكان المنطقة التي يسكن فيها أرجان، تبادر إلى ذهنهم فورا. و قد أثار هذا الحادث مشاحنات بين الزعيم المعارض وزعماء الأحزاب الأخرى التي يصر بايكال على اتهامها بالوقوف وراء هذه العملية، إلا أن نشر شريط الفيديو، جاء ليعري كل مزاعم زعيم المعارضة وينهي مشواره السياسي الذي دام 37 سنة. و فور نشر الشريط، لم يصدر أي تكذيب من جانب بايكال ونسرين، إلا أن بايكال انتظر ثلاثة أيام ليعلن عن استقالته، وشدد أن استقالته ليست استسلاما ل«المؤامرة» بل تحد لها. وقال: «استقالتي لا تعني الهرب أو الاستسلام». كما أن وسائل الإعلام تناقلت أن هذه «مؤامرة أحيكت ضده»، معتبرة الأمر «انتهاكا للحقوق والحريات الشخصية». ونقلت المصادر عن بايكال قوله إن «بعض المسؤولين أعربوا عن أسفهم إزاء نشر مقاطع الفيديو»، موضحا أنه «لا يصدق هذه التصريحات» متهما إياهم ب«حياكة مؤامرة ضده». وأضاف أنه «لن يشارك في المؤتمر القادم للحزب». وطبعا، كعادته، وجه بايكال أصابع الاتهام إلى الحزب الحاكم بقيادة غريمه السياسي اللدود رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان، حيث أفاد بأن الحزب الحاكم هو الذي دبر هذه المؤامرة، خاصة أن توقيت خروج الشريط يسبق الاستفتاء على التعديلات الدستورية، من أجل تشويه سمعته وسمعة حزبه، فلا يعقل أن يتم تصوير مثل هذا الشريط بدون علم الحكومة وقال: «هذه ليست مسألة شريط... هذه مؤامرة.. مؤامرة غير قانونية وغير أخلاقية مرتبة.. وعند ترتيب مؤامرة تنتهك أعراض أسر أحيانا...و تثبت كاميرات خفية في الجدران..هذا انتهاك للخصوصية التي تحترمها كل الأنظمة في كل مناطق العالم. وما حدث هو لهدف سياسي، ومن قام بهذا لا يعرف معنى الخجل أو الحياء...المؤامرة لا تستهدفني كفرد، بل هي ضد نضال حزب الشعب الجمهوري من أجل الديمقراطية.. وأنا مستعد لتقبل مسؤولية هذا من أجل الحزب...». وتأتي الاستقالة فيما تستعد حكومة أردوغان لإجراء استفتاء عام على حزمة من التعديلات الدستورية رفضها الزعيم المعارض، وتعهد سابقا بإفشالها عبر اللجوء إلى المحكمة الدستورية بدعوى أن حزب العدالة والتنمية يسعى إلى تقويض أسس الدولة العلمانية. كما يعتبر بايكال من أشد المنتقدين لسياسات حزب العدالة والتنمية الحاكم. رد أردوغان خلال مؤتمر صحفي عقده رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان معلقا على اتهامات بايكال قال: «أنا أيضا تابعت باستغراب خطاب زعيم حزب الشعب الديمقراطي دينيز بايكال كما شاهده المواطنون على شاشات التلفزيون..». و تابع : «عندما علمت بمسألة الشريط، وبدون حتى مشاهدته شخصيا، قمت فورا بالاتصال بوزير المواصلات والاتصال ليقوم بما يمكن القيام به من أجل إيقاف تداول الشريط على شبكة الأنترنت، فنحن كحكومة لا يمكننا الجلوس ومشاهدة تداول مثل هذه الأشرطة التي تتعارض مع الآداب العامة. التصوير الخفي لمثل هذه الصور القبيحة ونشرها على الأنترنت لتتم مشاهدتها هو ضد الأخلاق والقانون وضد المبادئ الإنسانية، ونحن لا يمكننا قبول أو التسامح مع مثل هذا التصرف. لهذا قمنا بكل ما في وسعنا في سبيل إيقاف هذا الشريط. كما أنني تكلمت مع أعضاء حكومتي وقلت لهم أن يواجهوا ويتقبلوا كل الأسئلة التي يمكن أن توجه إليهم بشأن الحادث، وطلبت منهم أن يتركوا الفرصة والوقت لأي تكهنات، حتى لو كان حزب الشعب الجمهوري منافسنا السياسي وبالرغم من مجادلاتنا الدائمة معه في مختلف الجوانب المتعلقة بالسياسة، لا يمكننا أن نحكم على مثل هذه التصرفات الشخصية. والمسألة لا يجب أن تحول إلى جدل سياسي، وبما أن المسألة تتعلق بزعيم حزب الشعب الجمهوري أعطتها وسائل الإعلام هذا الاهتمام الكبير، ونحن لا نؤيد هذا. لكن وعكس كل نوايانا الحسنة والدعم الذي قدمناه، جاءت تعليقات زعيم حزب المعارضة قبيحة وشنيعة مثل الحادث، وذات مستوى منحط، محولا الحادث إلى افتراء سياسي. لا أحد له الحق لإقحامي أو إقحام أصدقاء أو إقحام حكومتي أو إقحام حزبي في سلوكياتهم القبيحة ولا يمكنهم أن يجرونا إلى مستواهم الدنيء. و بدلا من أخذ تصرفاتنا الحسنة، يحاول أن يرمي بمشاكله الشخصية علينا وعلى سياستنا، يجب على بايكال أن يظهر بعض النضج الذي نتوقعه منه خاصة في مثل هذه الأيام المهمة. إلى جانب هذا، إذا كان بايكال لديه أية معلومات أو بيانات بشأن هذا الحادث، عليه أن يتشاركها مع وسائل الإعلام، مع الهيئات الحكومية والشرطة. مواطنونا يشاهدون الحادث بعين غير مصدقة وبدهشة». و قد علم أن أردوغان قد وجه تعليماته إلى ثلاثة من الوزراء للتحقيق في الموضوع، وزير الداخلية، بشير أتالاي، وزير العدل سعد الله أرجين، وزير المواصلات والاتصالات بنالي يلدرم، بتسليم كل المعلومات والبيانات والنتائج الخاصة بالتحقيقات مباشرة ليد دنيز بايكال. وقال مساعد رئيس الوزراء جميل تشيشيك: «المسألة انتقلت إلى القضاء، ولن يكون من الصواب أن نقول إن هذه مسألة رجال السياسة. نعم نحن ننتقد بايكال وسياسته، وهو ينتقد سياستنا، وأفكارنا، إلا أن هذا منفصل، وأنا شخصيا أجد أنه ليس من الصواب استعمال سياسة الضرب تحت الحزام ضد الخصوم السياسيين. وردا على سؤال هل التقى مع بايكال؟ قال : اتصلت به لمواساته من باب اللياقة الدبلوماسية. دينيز بايكال في سطور زعيم حزب الشعب الجمهوري التركي المعارض ، والغريم السياسي اللدود لرئيس الوزراء رجب طيب أردوغان - أو كان بعد تقديم استقالته على خلفية فضيحة أخلاقية-. ولد في 20 يوليوز 1938 في محافظة أنطاليا لأسرة فقيرة تنتمي سياسيا إلى حزب الشعب الجمهوري، كان والده موظفا في دائرة حكومية، تخرج من كلية الحقوق بجامعة أنقرة عام 1959، وحصل على الدكتوراه في كلية العلوم السياسية من جامعة أنقرة. عمل أستاذا محاضرا في الولاياتالمتحدة بجامعتي كولومبيا وبركلي مدة سنتين، وهو أستاذ في العلوم السياسية. عمل في الحركات اليسارية منذ شبابه، رشحه بولنت أجاويد، زعيم حزب الشعب الجمهوري آنذاك في انتخابات 1973 لعضوية البرلمان من محافظة أنطاليا، دخل البرلمان وعين وزيرا للمالية عام 1974، كما شغل منصب وزير شؤون الطاقة عام 1978، وتمكن من دخول البرلمان في انتخابات 1987 بين صفوف حزب الشعب الديمقراطي الاشتراكي، قبل أن يتركه ويشكل حزب الشعب الجمهوري عام 1992 وانتخب زعيما له، كما انتخب عضوا للبرلمان في انتخابات 1995 وعمل نائبا لرئيس الوزراء ووزيرا للشؤون الخارجية في حكومة ائتلافية. فشل حزب الشعب الجمهوري في انتخابات 1999 ولم يتمكن من تجاوز الحاجز المطلوب لدخول البرلمان، فاستقال دنيز بايكال من زعامته، لكنه عاد في عام 2000 ليقود الحزب في انتخابات 3 نونبر 2002. تميز بايكال بخطاباته القوية وبراعته السياسية التي ظهرت عبر نجاحه في جذب كمال درويش الذي كان على وشك الانضمام إلى حزب تركيا الجديدة، واستغل التشتت الذي تعاني منه الأحزاب اليسارية الأخرى، والحاجة الملحة إلى بديل يقف في مواجهة حزب العدالة والتنمية، ويعرف عن بايكال لهجته الحادة التي يستخدمها في مناقشاته. نسرين بايتوك في سطور من مواليد 20 أبريل 1960، تخرجت من جامعة الشرق الأوسط التقنية من قسم هندسة التعدين وعملت في القطاع الخاص. شغلت منصب سكرتيرة خاصة لمدة 18 عاما في مكتب حزب الشعب الجمهوري. دخلت البرلمان التركي كنائبة بعد انتخابات 22 يوليوز 2007، متزوجة وأم لطفل. حزب الشعب الجمهوري حزب يساري الاتجاه، ويعتبر في الوقت الراهن الحزب المنافس الوحيد للإسلاميين، تأسس حزب الشعب الجمهوري في 9 شتنبر 1923 على يد مصطفى كمال أتاتورك، وكان زعيمه الأول. ولم يكن على الساحة السياسية سوى حزب الشعب الجمهوري حتى عام 1946، حيث انتقلت تركيا إلى نظام الأحزاب المتعددة وتم إجراء أول انتخابات نيابية عامة في تاريخ البلاد، وفاز الحزب بالسلطة بأغلبية ساحقة. لكنه خسر الانتخابات أمام الحزب الديمقراطي الذي كان يتزعمه عدنان مندرس سنة 1950، فبقي في المعارضة من عام 1950 حتى عام 1960. بعد الانقلاب العسكري الذي وقع في 12 شتنبر 1980 قام القادة العسكريون بإغلاق الحزب إلى جانب الأحزاب السياسية الأخرى، وأعيد فتح حزب الشعب الجمهوري بعد 12 عاما سنة 1992 بقيادة دينيز بايكال. وحصل في انتخابات 1995 على نسبة 11 % من الأصوات التي مكنته من إحراز 49 مقعدا في البرلمان. لكنه فشل في انتخابات 1999 ولم يستطع أن يتجاوز الحاجز، حيث حصل على 8.7 % فقط من الأصوات، مع أنه كان الفائز بأغلبية واسعة في بعض المحافظات، لذا فقد بقي خارج البرلمان.