أفادت مصادر رسمية داخل حزب الشعب الجمهوري - أشدِّ الأحزاب العلمانية بتركيا – أن الحزب يخطط لبناء مساجد داخل مقارِّه، في خطوة اعتبرتها صحيفة توداي زمان التركية تغييرًا جليًّا في سياسة الحزب . وأشارت الصحيفة إلى أن الشرارة الأولى لهذا التحول انطلقت بعدما قام رئيس الحزب دنيز بايكال- المعروف بعدائه للحجاب – بتقليد إحدى المحجبات وسام شرف من الحزب، الأمر الذي لم يعتبره بايكال خروجًا عن الخط العام لحزبه ، رغم أن هذه الخطوة أثارت حالة من الذهول والتساؤل في الأوساط السياسية والإعلامية حول هذا التغير في سياسات الحزب المعروف عنه أنه المتصدي الأول لوجود أيٍّ من مظاهر الإسلام في الحياة العامة. ونقلت الصحيفة عن أحد كبار المسئولين في الحزب اعتقاده أن تدشين المسجد الجديد داخل مقار الحزب في هذا الوقت بالذات يعتبر أمرًا بالغ الأهمية ، في الانتخابات المقبلة. فيما أعرب ميسوت ديغير، الأمين العام للحزب عن أمله في أن تتحوَّل قضية بناء المساجد إلى أحد بنود أجندة الحزب بعد مؤتمره القادم. وحول الأصداء الداخلية لهذه الخطوة، يؤكد نائب الأمين العام للحزب، ميهميت سيفيجين، عدم ورود أية شكاوى أو اعتراضات من فروع الحزب الذي أنشأه مؤسس العلمانية مصطفى كمال أتاتورك في التاسع من سبتمبر 1923، وكان زعيمَه الأول. ونقلت الصحيفة عن سافكي سايان، الرئيس السابق لفرع الحزب في محافظة آغري - الواقعة في شرق تركيا وتحدها إيران من الشرق - تأييده للتوجه القائل: إن هذا التغيير في سياسات الحزب أثمر انطباعًا جيدًا لدى جمهور الناخبين في شرقيّ، وجنوبيّ شرقيّ البلاد. وفي إجابة لسؤال طرحته الصحيفة حول ردود فعل رموز الحزب على هذه الخطوة الجديدة، قال سايان: إن ردود الجميع كانت جيدة جدًا ، مؤكدًا أن أعضاء حزبه يحترمون معتقدات الجميع وأسلوب لباسهم، مضيفًا: مهمة الأحزاب السياسية ليست إبداء الملاحظات على طريقة ارتداء الناس لملابسهم، لكن التفكير في كيفية توفير المأكل والوظائف لهم.. ليس لأحد الحق في التدخل في طريقة حياة الآخرين . ويرى سايان أن حظر الحجاب في الجامعات سينتهي فقط حينما تنمو الثقة بين الشعب - الذي يعتبر الحجاب رمزًا سياسيًّا - ومن يرتدين الحجاب، اللاتي يؤكدن أن لباسهن لا يتعدى كونه تقيُّدًا بتعاليم الدين. مضيفًا القول: لابد أن يُقنع كل طرف صاحبه بنظريته . أربعة أسرار ونقل موقع خبر 7 التركي عن الكاتب التركي حسين ييمان أربعة أسرار وراء هذا التقارب: 1_ مع اقتراب موعد الانتخابات المحلية التركية، والمزمع إجراؤها في التاسع والعشرين من مارس القادم، يحاول حزب الشعب الجمهوري كسب أصوات المحجبات والمنتقبات، ورما كان هو نفس الهدف وراء الكشف عن خطة تدشين المساجد. 2_ لما كانت الانتخابات القادمة هي الفرصة الأخيرة لـ بيكال للبقاء في سُدّة حكم الحزب، كان عليه استفراغُ وُسْعه، واستخدامُ كل الوسائل للفوز، بعد انخفاضٍ ملحوظٍ في شعبية الحزب منذ العام 1995 وحتى اليوم. 3_ ربما كان أحدَ الأسباب التي أدت لهذا التحول هو فهمُ الحزب لتركيا بشكلٍ صحيح، والإقرارُ بأن التركيبة السكّانية في تركيا قد تتغيّر بشكل ملحوظ خلال الأعوام الخمسين الماضية، حيث أكدت الدراسات الحديثة أن الدين أصبح الملجأ الوحيد الذي يفر إليه الأتراك للحفاظ على هُويتهم من أمراض العصر الفتّاكة، وأن اليساريين الأتراك قد ضيعوا الجزء الأكبر من شعبيتهم، بعد شهرة اكتسبوها في السبعينات والتسعينات من القرن الماضي. 4_ السر الرابع يكمن في تأثير جورسال تكين، رئيس الحزب الجديد في اسطنبول، ورغبتِه في أن يفوز حزبه بأصوات بعيدة عن معاقل الطبقة العلمانية في مدينة اسطنبول، وهو الذي كثيرًا يقول لأعضاء حزبه: علينا التفكير بنفس طريقة حزب العدالة والتنمية.. فالمشكلة ليست في الحجاب، بل في طريقة التفكير . دعم وتسويق وذكرت الصحيفة أن هذا التحول يحظى بـ دعمٍ كامل من أكثر من عمدة في تركيا، وكان أولهم عمدة مقاطعة باهسيسهير باستانبول، الذي قال: إن الذين انتقدوا الخطوة الأخيرة لـ بايكال، واصفين إياها بمحاولة لجذب الأصوات، لا يريدون خيرًا بهذا البلد . مضيفًا قوله: إن بلادنا على شفا صراع داخلي، والآن هاهو رئيس حزبنا يعلن عن مرحلة جديدة. وانتقاد ذلك سيصب فقط في صالح من لا يريدون الأفضل لبلادنا . أما عمدة أفسيلار، مصطفى ديجيرمينسي، فقال: إنه يعتقد ضرورة أن يتبني الحزب سياسة جديدة، فهذه البلاد لنا جميعًا، فمن الخطأ أن نختصر البلاد في مظهر فقط، ورئيسنا فعل الصواب . وهو نفس التوجه الذي أيده عمدة مدينة بوكوكسيكميس، حسن أكجون، حين قال بلهجة أقرب ما تكون إلى التسويق للحزب: إذا كنتم تريدون حزبًا يحترم حقوق الإنسان والحريات، فعليكم بحزب الشعب الجمهوري. وإذا ما أراد أي مواطن الانضمام لصفوف الحزب فسيلقى ترحيبًا حارًّا، سواء كان يرتدي النقاب أو البكيني .