تعتبر وفاة الرضع الخدج ثاني وفيات الأطفال، لأقل من 5 سنوات، على الصعيد الوطني، بعد أمراض الاختناق التنفسي لدى الرضع، علما أن المغرب يشهد وفاة 27 طفلا في كل 100 ألف ولادة، من بين ما يزيد على 650 ألف ولادة سنويا، ما يحول فرحة الأسر باحتضان وليد جديد إلى نكبة. يعود سبب كثرة وفيات الخدج إلى افتقار المؤسسات الصحية العمومية إلى أقسام طب وإنعاش المواليد الجدد، وإلى ضعف عدد الحاضنات، وإلى معدات لمراقبة التنفس والضغط الدموي والأوكسجين، إلى جانب ندرة المواد الطبية الضرورية، لإنقاذ الخدج والمواليد الجدد. عدد من هذه الوفيات يمكن تفاديها إن توفرت الحاضنات وأسرة الإنعاش الكافية لأعداد المواليد الجدد في وضعية صحية صعبة في المستشفيات. أسباب إسكات صوت الحياة المبكر عدد من أسر المواليد الخدج يجرون وراءهم الخيبة والحسرة بسبب رفض طلبات استشفاء فلذات أكبادهم داخل المستشفيات العمومية، بسبب غياب حاضنات كافية، تستوعب أعداد الرضع المتوافدين عليها، سواء داخل الحواضر الكبرى أو في مدن وقرى بعيدة. ويعود الأمر إلى عدم توفر المستشفيات العمومية على الوسائل اللوجستيكية المخصصة لمستشفيات طب المواليد الجدد، وهو ما يعتبره عدد من الأطباء الاختصاصيين في المجال أنه خطأ كبير في ظل عدم كفاية الخدمات المقدمة في القطاع الخاص، وغلاء الأسعار فيه، موازاة مع عدم إحاطة جميع المواطنين بتغطية صحية عن المرض. ويطرح هذا الواقع إشكالية كبيرة، تتجلى في جهل الجهات المسؤولة بمصير الرضع المرفوضين، إذ لا تتوفر السجلات الرسمية على معلومات حول وفاتهم أو حياتهم. يأتي ذلك في الوقت الذي أضحى المغاربة يحرصون على حياة مواليدهم الجدد، ويبذلون قصارى جهودهم لتسخير العلم والإمكانات الطبية لإنقاذهم، موازاة مع تعدد مشاكل العقم، عكس ما كان عليه الأمر في وقت سابق، إذ كانت الأسر تستسلم لقدر وفاة الرضيع، موازاة مع تعدد أفرادها والعيش في الأسرة الواسعة. واقع يحرج الاستراتيجيات مر وقت طويل على مناداة الأطباء الاختصاصيين في المجال بتحسين جودة الخدمات الصحية، عبر إحداث قسم للمواليد الجدد، داخل أجنحة طب التوليد، على الصعيد الوطني، على أساس أن تتوفر فيه الإمكانات التقنية واللوجستيكية، لمنح الإسعافات الأولية للرضع في وضعية صحية حرجة، في انتظار نقلهم إلى قسم المواليد داخل مستشفى الأطفال المختص. إلى حدود اليوم، ما تزال الدولة عاجزة عن توفير أقسام خاصة بطب المواليد، بمعزل عن طب الأطفال، المعمول بها حاليا، تبعا لخصوصية المشاكل الصحية للمواليد الجدد والخدج. ويتمظهر العجز في تأخر شروع وزارة الصحة في تكوين الموارد البشرية المتخصصة في المجال، من أطباء وممرضين، قادرين على التكفل الطبي ورعاية المواليد الجدد في وضعية صحية صعبة، تماشيا مع ما تعلنه وزارة الصحة من مخططات واستراتيجيات لخفض وفيات المواليد من 19 إلى 12 وفاة لكل ألف ولادة حية، في أفق 2016، وفق أهداف الألفية للتنمية. ويأتي ذلك بالموازاة مع ذلك، تسجل وفاة 54 طفلا، تقل أعمارهم عن 5 سنوات، ضمنهم 51 طفلا، يموتون قبل سنتهم الأولى، و38، قبل تخطيهم الشهر الأول من الولادة، وهو ما يمثل نسبة 71 في المائة، حسب المعطيات الرسمية لوزارة الصحة. في ظل هذه المعطيات، يصعب إظهار الجهود، التي يبذلها المغرب لإنقاذ المواليد الجدد، وتتزايد ممارسة الضغط المعنوي والمهني على العاملين في المجال. حان الوقت للمغرب لإتمام مهمته، كما كان الشأن بالنسبة إلى اعتماد سياسة تلقيح الأطفال، التي مكن تعميمها على 90 في المائة من الأطفال، من محو الجذري والدفتيريا وشلل الأطفال. أمام هذه الوضعية، يصبح انشغال الأطباء وهاجسهم الوحيد هو تفريغ أسرة الإنعاش والحاضنات لاستقبال مواليد جدد، عبر الاتصال بالأسر لأخذ رضعهم، عوض التركيز على جودة التدخلات الطبية المقدمة، وإجراء أبحاث علمية وتكوين الأطباء. الحاجيات الملحة تحتاج أقسام طب الأطفال العمومية إلى قسم للمواليد الجدد، مجهز بحاضنات للخدج وإلى تقنيات لوجستيكية مصاحبة لها، وإلى أسرة طبية لإنعاش الرضع، ولآلات التنفس، التي تساعد الوليد على تنفس "الحياة"، سواء كان مكتمل الشهور أو خديجا. وتبعا لذلك، فإنه تغيب معدات مراقبة التنفس والضغط الدموي والأوكسجين عند الوليد، في جميع المستشفيات الإقليمية والجهوية، كما لا تتوفر فيها مواد طبية ضرورية لإنقاذ حياة الخدج، وحتى إن توفرت، فإنها تكون باهظة الثمن أو غير متوفرة، أصلا، في الصيدليات. ومن هذه الأدوية، مادة "السورفاكتو"، التي تكلف الجرعة الواحدة منها قرابة 5 آلاف درهم، تستخدم لمساعدة الخديج على التنفس، موازاة مع عدم اكتمال نمو جهازه التنفسي، علما أن الرضيع قد يحتاج إلى أكثر من جرعة لاستعادة عملية تنفسه الطبيعية. وللعلم، فإن هذه المادة متوفرة في سوق الأدوية، إلا أن غلاء سعرها يعسر وصول الأسر إليها. أما المادة الثانية، فهي "الكافيين"، وهي غير متوفرة في الصيدليات المغربية، لأن العائد منها لا يغري المختبرات الصيدلية بجلبها إلى المغرب، لضعف الطلب عليها، مع غلاء ثمنها. إسعاف الخدج بطرق تقليدية أمام هذا الواقع الصعب، تضطر عدد من الأسر المغربية، إلى اعتماد طرق تقليدية للحفاظ على حياة مولودها الخديج، من قبيل وضعه في لفافة من الصوف أو القطن أو في ثوب أبيض قطني نظيف، داخل غرفة مظلمة تقل فيها درجة الحرارة عن 37 درجة مائوية. وتحرص الأسرة على منع زيارة الرضيع، باستثناء والدته التي تمنحه رضاعة طبيعية في أجواء نظيفة تمنع تسرب أي ميكروب أو مرض تعفني إليه. مسؤولية الدولة والمواطن توصف مسؤولية هذا الواقع بالمشتركة بين جهاز الدولة والأسر المعنية، حسب ما تحدث به أطباء اختصاصيون ل"المغربية"، إذ أن الزوجة والزوج مطالبان بتتبع جميع مراحل الحمل بدقة من قبل أخصائي، والحرص على الولادة في المستشفى عوض البيت، لضمان تفادي الأمراض المصاحبة لحالة الحمل والتحكم فيها وعلاجها. إلا أن مسؤولية الدولة تتجلى في توفير ما من شأنه حفظ وصون حياة المواطنين، والحفاظ عليها، عبر إحداث أقسام للتوليد للقضاء على الاكتظاظ، الذي تشهده المراكز الصحية الجامعية، والرفع من جودة الاستقبال والعمل فيها، وتحسين معاملة الحوامل وأسرهن للتشجيع على الولادة فيها. تبعا لذلك، فإنه لا بد من وضع استراتيجية للتكفل بالمواليد الجدد، وتوفير الإمكانات البشرية للعمل داخل هذه الأقسام، تكون متخصصة ومدربة في المجال، إذ لا يكفي توفير حاضنات دون معدات لوجستيكية وطاقم طبي وتمريضي مؤهل، يتمتع بجميع التحفيزات المالية والمعنوية. الحاجيات الملحة حسب المعايير المعمول بها دوليا، فإن وزارة الصحة مطالبة بتوفير: - حاضنة لكل ألف مولود جديد، تبعا لعدد الولادات المسجلة في المغرب سنويا، والتي تفوق 600 ألف ولادة جديدة، دون احتساب الولادات التي تقع في البيوت والمصحات الخاصة. - توفير طاقم مدرب لتشغيل الحاضنات والأجهزة المرتبطة بها، وتعزيزها بتقنيات أخرى مصاحبة لها، إذ توصلت بعض المستشفيات العمومية، وهي قليلة، بحاضنات، إلا أنها ظلت مخبأة في خزاناتها لغياب عامل مؤهل لتشغيلها. - يحتاج قسم طب وإنعاش المواليد الجدد إلى معدات لمراقبة التنفس والضغط الدموي والأوكسجين، إلى جانب مواد طبية ضرورية، باهظة الثمن، لإنقاذ حياة المواليد الخدج. - توازي إحداث بنايات خاصة لطب المواليد مع توفير الإمكانات البشرية الكافية لذلك. - يفترض أن يتوفر كل قسم للمواليد على ممرضة لكل مولودين، بينما يمكن الاكتفاء بممرضة واحد لكل 4 أو 5 مواليد يوجدون خارج قسم الإنعاش. - يحتاج كل قسم المواليد ما بين 25 إلى 50 حاضنة للاستجابة إلى الطلب المتزايد، تبعا إلى أن هناك حالات لمواليد يحتاجون إلى التدخل الطبي، لمدة زمنية تتراوح ما بين 24 ساعة إلى شهر، حسب الوضع الصحي لكل رضيع، وفق معلومات مستقاة من اختصاصيين في المجال. - يتحتم توفير أقسام طبية يعمل فيها اختصاصيون في طب وتخدير المواليد، يعملون على مدار الساعة، وتوفير قسم خاص بجراحة المواليد، وليس مقتسما بين باقي الأقسام الجراحية الأخرى، مع الحرص على العمل بفريق عمل منسجم، ألف العمل في المجال، لما من شأن ذلك خفض عدد وفيات الرضع في المغرب. - توفير البنيات الصحية الاستقبالية للمواليد الجدد في أقسام التوليد، والعمل بالتقنيات التواصلية ما بين قسم التوليد وطب الأطفال. - للخروج من هذه الأزمة، من الضروري وضع استراتيجية وطنية لضمان متابعة المواليد الجدد المرضى، من يوم ولادتهم إلى حين بلوغهم سن التمدرس، لخفض احتمالات وقوعهم في الإعاقة، سيما لدى الفئات المعرضة لذلك، من الذين كانوا يشكون أمراضا بعد وضعهم.