في إطار الاهتمام بالمواهب والكفاءات الفنية، ينظم مصرف المغرب بتعاون وتنسيق مع رواق لوفت في الدارالبيضاء، معرضا جماعيا لثلاثة فنانين يتحدرون من مدينة الصويرة ويتعلق الأمر بمحمد الطبال، وعبد الله الاطرش، وعبد الرحيم التريفس. يمتد المعرض من 16 ماي إلى غاية 16 يوليوز المقبل. ويندرج في إطار الاحتفاء بالفن "الأفرو-بربري"، فالمجموعة تحتفي في أعمالها بالغرائبي، وتمارس طقسا فنيا أثبت النقاد الجماليون مدى تناسقه وسفر في العوالم المسكونة ب"الحال". تتبدى أعمال الفنان التشكيلي محمد الطبال، العصامي مواليد 1959 بمنطقة الصويرة، كأنها طقس ليلي صاخب. ويعد الطبال واحدا من الذين أرخوا بالريشة والألوان لعالم "كناوة" بأدق التفاصيل كأنه عالم اجتماع، يفك شفرات الليالي السبع بكل أحلامها الصغيرة والكبيرة. في سياق جمالي يبني هذا الفنان صورا غرائبية تنتقل من حدود الانفعال والتلقي أحادي المعنى إلى المشاركة والفعل، متجاوزا مفهوم اللوحة الكلاسيكية. تنسجم أعماله التشكيلية مع روح المتخيل الشعبي في عالم معقد وقلق، دون السقوط في نزعات العدمية واللاموضوعية. يشيد محمد الطبال عالما بصريا خاصا به متمسكا بالجذور، خالقا واقعا جديدا بعمله التشكيلي، حسب تعبير وورنغر. لقد غرف هذا المبدع من سحر المحكي البصري واتخذ من العجائبي ملاذا مشهديا لتأكيد قيمة المتخيل الجماعي والاستغراب الموضوعي. على هذه الخطا، يقول الناقد الجمالي عبد الرحمان بنحمزة في نص تصدر دليل المعرض، إن أعمال عبد الله الأطرش، (مواليد 1972 بالحنشان) فضاء لمسرحة الحساسية الانفعالية التي يعبر من خلالها عن دلالة الأشياء الجوهرية الثابتة، مستعملا الأشكال الممتلئة، وفق هندسة ذهنية بليغة وهيكلة بنائية، دون تحطيم الشكل المألوف والواقع. يحلل الفنان موضوعاته ويحاول المتلقي الجمالي تركيبها حسب زاوية مواقفه وقراءاته وتصوراته. يجعل الأطرش من اللون أساسا للشكل والمضمون، وكأن به يعيد دراسة كيمياء النور وإشراقات الألوان في ضوء حركة داخلية، تعطي الانطباع على الزمن القديم، هروبا من «البربرية الجديدة» للتكنولوجيا الحديثة التي تحدث عنها سينسر. ويضيف أن الأطرش يستلهم كائناته من عالم خاص إذ يجد المتلقي لأعمال الأطرش نفسه حائرا أمام فيض من الوحدات الرمزية (الحية، السمك، الشمعة، العين...الخ) التي تحيل في مدلولها العام على الممارسات الطقوسية التي تفاعل مع أجوائها الجذبية ومقاماتها الإنتشائية، خاصة المرتبطة منها بمنظومة ڭناوة وعيساوة. يحرص الفنان على معالجة هذه الموضوعات الإيحائية بطريقة خاصة، بعيدا عن كل تقليد تناظري ومحاكاة تقريرية. في لوحات الفنان التشكيلي عبد الرحيم التريفس، مواليد 1974، يجد المتلقي نفسه أمام فيض من المشاهد التي لا تخطئها العين، أسلوب صباغي جديد يحتفي بالغرائبي، تماما كأننا أمام عالم مسكون بفتنة "الجذبة"، وأهل الحال، ويضيف الناقد بنحمزة أن أعمال التريفس استأثرت بمشاهد حلمية، فكانت، بالقوة والفعل، عتبة لولوج أعمال المشهد الخفي في حياتنا اليومية بكل قيمه الذاتية والانطباعية، إذ يصبح الشكل الشاذ هو المنظور الحقيقي للعمل الفني ويغدو معه اللون هو "البناء والأداة معا". على خطا موريس دوني، زعيم الرمزيين، يدشن المبدع التريفس عالمه الصباغي الخاص، الذي تخلى عن كل ماهو مادي، وكل ماهو نظري وجبري في عالم الجمال، نستعيد مع هذا الفنان مقولة موريس دوني "إن على التصوير أن يوحي دون أن يعرف، فالطبيعة ليست إلا مجرد صدفة".