يعرض رواق 38 بالدارالبيضاء من 27 أبريل الجاري، إلى27 ماي المقبل، 60 لوحة تشكيلية من إبداع الفنان التشكيلي المغربي، عمر بوركبة، في معرض استعادي، يحمل عنوان"عمر بوركبة 50 سنة من الصباغة". من أعمال بوركبة (خاص) يتميز المعرض، الذي يفتتح يومه الثلاثاء، ويمتد على مدى شهر كامل، بتقديم لوحات فنية تتمحور موضوعاتها حول التجربة الصوفية للشاعر والفنان بوركبة، الذي يعد حسب العديد من النقاد الجماليين، من المتشبعين بقطب الصوفية الروحية، ابن عربي. أعمال بوركبة تتوزع على ثلاثة اتجاهات تعبيرية، وتصب كلها في التجريد لتؤسس تجربة فنية شاهدة على عالم بوركبة الشعري، الذي يجمع بين الرموز والعجائبي، فضلا عن أن المعرض يحتفي برؤية روحية خالصة لفنان طبع مع فنانين آخرين من قبيل جيلالي الغرباوي، وأحمد اليعقوبي، وميلود لبيض المسار الأولي للفن التجريدي في المغرب. عن المقترب الصباغي للتشكيلي، عمر بوركبة، تقول الناقدة الجمالية، أليسيا سيليريي"إنه شاعر وتشكيلي، وصوفي متشبع بروحانية ابن عربي، وجد بوركبة نفسه في مقام الهدوء الداخلي، الذي تجلى في أعماله. أعمال تقبض على ضوء هارب يظهر جمالية حتى اللوحة التي رسمت بألوان قاتمة. في فضاء صاف وشفاف تتجلى أشكال هندسية، مثل المثلث والهرم، تبدو خاضعة لمقياس حركي مضبوط، عبر ألوان قاتمة صامتة تبرز علامات كاليغرافية، توحي بما يخالج نفسية الفنان من مقامات صوفية. منحنيات وقطع غير مكتملة، وألوان فاتحة وقاتمة، كلها من منجز بصري لفنان يسرد حكايات شديدة التعقيد". الإيقاع في أعمال التشكيلي بوركبة تمظهر تجريدي للفكرة والحلم معا، فهذه الخصوصية تضفي على تجربته قوة بلاغية، إذ الإيقاع حكيم مثل الصورة في القول المأثور. تجربته معادل موضوعي لكل ما هو جميل، لأنها تتأسس على مبدأ اكتناه كل ما هو باطني في الأشياء والكائنات، فالإيقاع أبجدية متعددة الأشكال والوحدات البصرية، إذ يعلمنا أن الإحساس التلويني لا مرادف له. عالم بوركبة الصباغي، شبيه بفعل الكتابة، لأنه يفصح عن إيقاع متعدد الأصوات ينبني على الحياة الدينامية للأشكال والألوان، فأعماله تختزل لغة بصرية تنساب في تناغم موسيقي روحي، لتمنح روحا لأعماله الإيحائية، التي تعبر عن طبيعتها الداخلية، وتحتفي بحالات كينونتها بفيض صوفي متدفق. لكل لوحة من لوحات بوركبة، شهادة ميلاد فنية، وحالة شعورية وروحية وتصوير نوعي لأبحاثه المستمرة، لأن عالمه الفني التصويري يتسم بتوالي وتتابع الارتجالات والأصداء، ما يعزز استمرارية وديمومة أعماله التشكيلية، ويعمق بنياتها الموسيقية الداخلية وإيقاعاتها الشعرية الصامتة. يتميز بوركبة بالدقة في تناول السند وانسجام في الألوان، ويشتغل على الأشكال الهندسية، وكأنه يذكرنا حسب الناقد الجمالي ألان كروسيي بتصور ابن عربي للوجود، من خلال عالم خاص به، يرتكز على مقولة النفري" إذا ضاقت العبارة اتسعت الإشارة". يقود بوركبة لوحاته بيقينية العارف إلى ماهية الوجود، لأن الفعل الصباغي لديه ينبني على تصور شامل للكون، كما ذكر ابن عربي في فتوحاته المكية. وحسب قراءات بعض النقاد الجماليين، فإن التجربة الصباغية لبوركبة تجربة خاصة ومتميزة في المشهد التشكيلي المغربي، لأنها تستند إلى الجرأة في التعبير واستخدام الألوان، التي تتميز بالحرارة والدفء الإنساني النابض بالحيوية والحياة، والنزعة الصوفية، لأن أعمال بوركبة دعوة إلى التأمل، قوامها تواصل روحي شفاف مفتوح الأفق. فبوركبة يشتغل على اللغة الصامتة للإيقاع بكل تنويعاته، ما يجعل مقتربه البصري يحيل في عمقه على الجوهر الإنساني للوجود. إنه يرسم الإيقاع المتعدد بدل أن يكتب أو يتكلم، لكن ما يبرزه يحدثنا ويمنحنا متعة التعبير عن أبجدياتنا الأولى. يقتحم بوركبة بأعماله، العالم بألوان تعبر عن نزعة صوفية اكتسبها، من خلال بحثه المتعمق في الفن والتشكيل واللون، إذ استطاع أن يرسم ملامح شخصيته الفنية، بإبداعات تجمع بين جرأة اللون وسحره، وهذا يأتي من فهم عميق وخاص، ويتجلى في أعماله من خلال مساحات غير محدودة الشكل وقوية التكوين، تعكس المخزون الثري من الفهم لطاقات اللون، ما يجعل تجريدات بوركبة تجعل المتلقي العادي مفتونا بالتجريد، لأنها تدفعه ليقيم علاقة حوار وتأمل وجداني بينه وبين اللوحات، القادرة على التسلل إلى روحه. للإشارة، يرجع اكتشاف عالم التشكيل من طرف بوركبة، الذي ولد في مراكش عام 1945، إلى الرائدين جيلالي الغرباوي، وأحمد اليعقوبي، ولم يكن عمره وقتها يتجاوز عشرين عاما، وما زال يحتفظ في مرسمه بلوحات تعود إلى تلك المرحلة. نظم له الرسام "مكي مغارة" أول معرض في حياته عام 1965. كما كان محظوظا أيضا، حين التقى جامع اللوحات عبد الرحمن السرغيني، الذي اقتنى لوحتين من أعماله، ثم أهداه مرسما إيمانا منه بموهبة "بوركبة". ليعود إلى مدينة اللون والضوء مراكش عام 1971 ويستقر بها نهائيا.