جمع نور الدين الشاوني، ابن حي سيدي بوجيدة، بين التشكيل والمسرح والسينما والسينوغرافية والإخراج السينمائي، لكن يجد نفسه أكثر في السينما. التي يقول إنه تشبع بها منذ نعومة أظافره، ففي مرحلة طفولته كان يشخص، مع أقرانه من الأطفال في ألعابهم، بعض الأدوار السينمائية بدروب وأزقة جنان بوطاعة بحي سيدي بوجيدة، حيث كانوا يلهون بلعبة "أوليمان" و"الشفار والبولسي" ولعبة "طروا دينيفري"، ويقول "لي ذكريات حميمية مع السينما بدروب وأزقة سيدي بوجيدة، التي كنا نمثل فيها بعض الأدوار السينمائية ونحن أطفال، فتربت في أعماقنا، منذ الصغر، تلك النزعة للسينما والتمثيل، حيث كنا نصنع السينما باستعمال الشمعة والبلارة التي نضعها في الكارطون ثم نمرر شريط الصور، باش نفرجو الدراري ديال الحي"، هكذا يتذكر نور الدين الشاوني بداية علاقته بالسينما، وهي التي أدمن عليها وهو ابن الست سنوات حينما كان يذهب رفقة جده، الذي يقيم في المدينة القديمة، إلى سينما العشابين، وكذا مع عمه إلى سينما الملكية، ومع والده، أحيانا، إلى سينما بوجلود، "كما أنني كنت أمارس الرسم بالقلم والحبر وبعد ذلك استعملت الريشة، وأتذكر أن والدي قام بتكسير عدد من الريشات كنت أستعملها في الرسم، ويقول لي اديها في قرايتك"، هكذا يبرز نور الدين الشاوني بداية شغفه منذ الطفولة، كذلك، بفن الرسم. لقد نسج نور الدين الشاوني الخيوط الأولى لتعلقه بالسينما، على الخصوص، بأزقة وحارات حي سيدي بوجيدة، ولما تقوى عوده واشتد عضده وجد نفسه ممثلا حقيقيا، حيث شارك في تشخيص العديد من المسرحيات والأفلام السينمائية، فسطع معها نجمه ليتعدى حدود جنانات سيدي بوجيدة ومدينة فاس ككل، لقد قام نور الدين الشاوني بإخراج عدد من الأفلام القصيرة مثل فيلم "صرفلو" الذي نال عدة جوائز في مهرجانات الأفلام القصيرة، من ضمنها الجائزة الأولى لمهرجان سيدي قاسم للفيلم القصير سنة 2009، وجائزة التشخيص بمهرجان الناظور، وهو عمل فني من بطولة إدريس الفيلالي شوكة، أحد رواد المسرح الشعبي بفاس، الذي ينتسب بدوره لحي سيدي بوجيدة. كما أخرج نور الدين الشاوني مسرحية "زغاريد شاحبة" للأستاذ المعناوي، وشارك في السينوغرافية والديكور لعدد من المسرحيات الأخرى، منها مسرحية "دار الضمانة"، فضلا عن تشخيصه لعدد من الأدوار في مجموعة من الأفلام السينمائية المغربية، ك"الصافية والحسين"، و"جارات أبي موسى" الذي لعب فيه دور البراح، و"قلوب محترقة" الذي لعب فيه دور ضابط شرطة، وهو من قام، أيضا، بإخراج الشريط المطول "الهروب إلى الجحيم". "أقيم في حي سيدي بوجيدة منذ أزيد من 40 سنة، التحقت به، رفقة أسرتي، قادما إليه من إفران وعمري 12 سنة، حيث كان والدي يشتغل في "المخزن" وكثير الترحال قبل أن نستقر نهائيا في هذا الحي"، هكذا يتذكر نور الدين الشاوني، في لقائه مع "المغربية"، البدايات الأولى لارتباطه بحي سيدي بوجيدة بمدينة فاس "لقد كان حي سيدي بوجيدة في أغلبيته حيا شعبيا، وكانت هناك فقط الجنانات ودور الصفيح، ولم تكن إلا دور قليلة مبنية بطريقة عصرية بجنان بوطاعة وجنان الشامي وجنان بنشريف، وهي الجنانات التي عرفت إقامة المباني والدور السكنية لأول مرة بحي سيدي بوجيدة"، يضيف نور الدين الشاوني، الذي أكد أن حي سيدي بوجيدة، رغم أنه لم يكن يتوفر آنذاك على دور للشباب، فإن الثقافة كانت مزدهرة داخل الحي، مذكرا بكون طاقات كثيرة تخرجت من سيدي بوجيدة في مختلف المجالات، منها محمد المريني والفيلالي وتوفيق المعلم والفنان العلمي، وعدد من الفنانين والمبدعين والرياضيين الآخرين، الذين تجاوزت شهرتهم ونجوميتهم حدود الحي ومدينة فاس بصفة عامة. ويذكر الفنان محمد الشاوني بأن حي سيدي بوجيدة، حاليا، لم يعد كما كان من قبل بمثابة مدرسة لتخريج المبدعين والفنانين والنجوم في كل الميادين، "رغم أن هناك تحضرا وبناء في الوقت الحاضر، فالحي تنقصه البنيات التحتية التي تهتم بالثقافة، لا توجد دار للشباب وهي التي تم تحويلها لفائدة إدارة التعاون الوطني، كما أن الحي يفتقر لمركز ثقافي، مثل هذه المؤسسات من شأنها أن تساهم في خلق الخلف، لقد كنا في مرحلة الشباب نتنقل إلى دار الشباب البطحاء أو السياج لصقل مواهبنا، أبناء اليوم ليس لهم هذه القابلية، فهم يرغبون في أن يكون كل شيء قريبا منهم"، بحسب ضيف "المغربية"، الفنان المخضرم نور الدين الشاوني، كما يحلو له أن ينعت نفسه. وسألت "المغربية" ضيفها عن أسماء الأزقة والدروب التي كانت معروفة في مرحلة طفولته بحي سيدي بوجيدة، فقال إن الأزقة والدروب كانت تعطى لها أرقام معينة ولا يطلق عليها أسماء، "فمثلا الزنقة 6 التي كنت أقيم بها بجنان بوطاعة أصبحت تسمى زنقة آيت سغروشن"، يوضح الشاوني، الذي يؤكد أن الحي الأصل هو الموجود داخل الأسوار، أو ما يعرف بدرب التويزي، "الآن ينقسم حي سيدي بوجيدة إلى قسمين، قديما كان الحي في معظمه عبارة عن جنانات، فكان هناك، مثلا، جنان بوطاعة وجنان الشامي وعين بوفاوس وجنان بنشريف وجنان التازي وجنان مكوار وجنان الصقلية"، يستطرد الفنان الشاوني، الذي لم يفوت الفرصة دون أن يتحدث عن ذكرياته مع الجنانات قبل زحف التعمير والبناء، "لقد كان هناك بجنان الصقلية القريب من جنان بوطاعة حقل فلاحي معروف بجنان الحاجة وكان مسيجا بأسلاك شوكية، وأتذكر أنني ذات يوم ذهبت رفقة أقراني لنسرق منه الفول والجلبانة، وبينما تمكن رفاقي من القفز عن السياج والتسلل إلى الحقل فشلت أنا في ذلك، حيث أصبت بجرح غائر بعد تمزق سروالي ودخول الشوك في فخذي، الذي ما زال به ندب إلى يومنا هذا يذكرني بهذه الواقعة"، هكذا يتذكر نور الدين الشاوني هذه الحكاية من شغف الطفولة، مؤكدا أن جنان بوطاعة، حيث منزل أسرته، لم يكن مبنيا بالكامل، فلا زالت في ذهنه صورة ذلك الفلاح الذي كان يحرث الفول والشعير بقطعة أرض توجد وسط المباني، كما ما زال يتذكر لما كان يقف في جنان النخلة يظهر له قصر السعودي المقام بطريق سيدي حرازم. "لقد وقع تحول كبير في العلاقات الاجتماعية بين الأسر، قديما كانت الأسر بمثابة عائلة واحدة، وكان رب الأسرة الواحدة يعتبر أبناء الحي بمثابة أبنائه جميعا، كانت العائلات متكافلة اجتماعيا في ما بينها، اليوم، إذا نهرت أحد أبناء الحي، يُسمعك أبوه ما لا ترضاه"، هكذا يقارن الفنان نور الدين الشاوني طبيعة العلاقات الاجتماعية بين الأمس واليوم بحي سيدي بوجيدة.