أصبحت دولة مالي ثقبا أسود حقيقيا، ثقبا لا منتهيا، قد يعصف بكل محيطه الساحلي. إن تقسيم الجزء الشمالي من مالي والسيطرة عليه من قبل تنظيم القاعدة بالمغرب الإسلامي، ومن قبل الطوارق الانفصاليين المتطرفين، ينذر بنهاية دولة ضعيفة في مالي، منهكة بسبب انقلاب عسكري، غامر به ضباط من الصف الثاني. لقد أصبح البلد يحتضر تحت ضربات تلاحم ظلامي بين تنظييم القاعدة ونزعة انفصالية واقعة تحت تأثير الإرهاب السلفي، وهو التقاء بمثابة تحالف بين الضفدع والأرنب، ليس مؤكدا أنه سيكون في صالح الطوارق. لقد فرض الوضع في مالي بسرعة موقفا ورفضا مزدوجا، رفض للاضطراب الدستوري الذي تسبب فيه القائد سانوغو، ورفض لتقسيم مالي. وبما أن إعادة إرساء القانون لا يمكن أن تحدث فقط عن طريق البلاغات الساخنة، فقد جاء رد فعل المجتمع الدولي سريعا. في مرحلة أولى، وضع الأفارقة دولة مالي تحت الحصار، لتسريع عودة النظام الدستوري، وأظهرت فرنسا والولايات المتحدة، القائدتان لهذا التوجه داخل الأممالمتحدة، موقفا حازما لصد أي تقسيم يمكنه أن يتسبب، الآن، في تكريس سيطرة تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي على تراب بلاد الأزواد الوهمية، وغدا، السيطرة كليا على دولة سلفية في مالي. وسوف تتعقد الأمور بوتيرة أكبر على المستوى الجهوي، فبما أن مالي دولة عازلة بين شمال وغرب إفريقيا، سوف تتحرك الأمور بكثافة. فهذا البلد يتوفر على حدود مشتركة مع موريتانيا والجزائر في الشمال، ومع النيجر في الشرق، ومع بوركينا فاصو والكوت ديفوار جنوبا، ثم مع غينيا في الجنوب الغربي، والسينغال من جهة الغرب، وفي ظل هذه المعطيات، سيكون لأزمة مالي وقع آني. أمام هذا الأفق الاستراتيجي الغامض، وفي حال تحمل كل دولة مسؤولياتها، نلاحظ أن المبادرة الوحيدة لتهدئة الوضع وإقرار الأمن، لا يمكن أن تأتي إلا من إفريقيا الشمالية، بتنسيق مع المجتمع الدولي. وفي نهاية التحليل، فإن مسؤولية هذه المبادرة من أجل استقرار المنطقة تبقى على عاتق الجزائر والمغرب، اللذين سيكون عليهما القيام بدورهما الاستراتيجي، وتجاوز خلافات الماضي، التي لم تعد مبررة نهائيا، خاصة أمام جسامة أزمة منطقة الساحل. إن الوضع الحالي يفرض أن تكون مهمة الجزائر والمغرب بمثابة قاطرة إقليمية لإيجاد حل دائم للأزمة في مالي، التي إذا لم يقع احتواؤها، يمكنها أن تدخل المنطقة بأسرها في دوامة من العنف الجامح، غير القابل للسيطرة. من جهة أخرى، فإن الخلافات بين البلدين، المغرب والجزائر، وجدت، بطبيعة الحال، منهجية لتسريع وتيرة تجاوزها. إن خيار التعاون بات يفرض نفسه عوض منطق المواجهة، كما أن تدهور الأوضاع الأمنية في المنطقة بات يسرع مسلسل التقارب. بهذا المعنى، وفي هذا السياق، يجب أن تفهم صيحات العقبان، الصادرة عن بعض المسؤولين في البوليساريو، وقد باتوا يحسون أن التاريخ بدأ يعيد ترتيب الأوراق، لكن ليس في الاتجاه المساير لأطروحتهم، التي باتت متقادمة.