بين الثابت والمتحول في التجربة الجماعية، التي تنظمها جمعية بصمات للفنون الجميلة بالمركب الثقافي سيدي بليوط، بالدارالبيضاء، ينهض معرض"مسار مستمر"، الذي يمتد إلى غاية 14 يونيو الجاري، بأفق ممتد في المكان والزمان عبد السلام القباج أمام إحدى لوحاته ( أسعد) إذ الأمر يتعلق باتجاهات تعبيرية مختلفة، وبمدارس تشكيلية متشعبة، توحدت في أكثر من 50 لوحة، رابطها الناظم، وخيطها الفني الرفيع، أنها راهنت على الاختلاف، وقوة الأثر الصباغي. فبين عمل وآخر يقف الرائي مندهشا أمام وحدات مشهدية، اجترحت معالم صباغية متعددة الأصوات، وإن اختلفت فإنها توحدت في الزمن الميتافيزيقي للتشكيليين، فالحديث هنا عن مغامرات صباغية في عتبتها الستين أو تجاوزتها بقليل. شيوخ تشكيليون وحدهم هم الفن، وجمعتهم فتنة الريشة والألوان. في هذا السياق، قال أحمد بويدي، رئيس جمعية بصمات للفنون الجميلة، إن المعرض الذي ينظم تحت شعار "مسار مستمر"، يندرج ضمن المعارض، التي تنظمها الجمعية قصد التعريف بتجارب مجموعة من الفنانين، الذين يشتغلون في صمت بعيدا عن الأضواء، موضحا في تصريح ل"المغربية" أن المعرض اعتراف رمزي بالعطاء المتواصل لسبعة فنانين، يجمعهم العشق اللامتناهي للألوان والأشكال والرموز، وهم عبد السلام القباج، ضيف الشرف، الذي بدأ تجربته الصباغية منذ الخمسينيات من القرن الماضي، وزهراء عقيل الفنانة العصامية، التي استهوتها الألوان في سن الستين، والحروفية المتميزة نادية الصقلي المفتونة بالحرف العربي والفسيفساء والزجاج المعشق، والفنان الحسين هيوب المتشبث بجذوره الأمازيغية من خلال توظيف الحرف الأمازيغي "تيفيناغ" والألوان الحارة التي تعبر عن الأجواء الاحتفالية التي تميز مناطق الأطلس، فضلا عن مشاركة رشيد الحمداني، ومحمد الباهي الإدريسي، وحسن شبوخ المتميزة. ما يثير في معرض "مسار مستمر"، منجز فني خاص، والأمر يتعلق بالفن الساذج أو العفوي، إذ راهنت الفنانة التشكيلية العصامية، زهراء عقيل، على هذا المعرض لإبراز مواهبها التشكيلية، خصوصا أن مفرداتها الصباغية تستلهم مواضيعها من الطبيعة، وتعود قصة ممارستها التشكيل، كما رواها ابنها الفنان التشكيلي أحمد بويدي ل"المغربية" إلى الفراغ الذي تعيشه في البيت، حيث كان يرسم لوحاته في حضورها، وكانت تقتنص لحظات الفرح المختلطة بالدهشة الأولى، لمناوشة الريشة والقماشة. وبدأ الحلم يكبر لديها، ورفعت التحدي، وانخرطت بكل جوارحها في الفعل الصباغي، مسترشدة بأسلوب الشعيبية طلال، وألوان فاطنة كبوري، وإيقاع راضية بنت الحسين. يقول قيدوم الفنانين التشكيليين، عبدالسلام القباج، في تصريح ل"المغربية" إن "معرض مسار مستمر، فعل إبداعي بحساسيات خاصة، تتوحد في الزمان وتنشد الاختلاف"، مضيفا أن المعرض عودة إلى الأصول، إذ يحتفي بشيوخ الفن، فمن إيجابياته أنه لم فنانين تفرقت بهم السبل، وجمعهم "مسار مستمر"، في إشارة إلى لقائه بصديق طفولته الفنان الحسين هيوب، فكل لوحة تحكي قصة ميلادها، فروح الأثر الصباغي تتبدى في عمر هذا المعرض، الذي نجحت جمعية "بصمات للفنون الجميلة" في استثمار تجارب هؤلاء الشيوخ، للتعريف بهم، لأنهم يشتغلون في صمت بعيدا عن دائرة الأضواء. وبخصوص مقتربه الصباغي يوضح القباج أنه يشتغل على البيئة، والأثر الأزلي، وأنه يوظف الأسود في إشارة إلى الهشاشة والمحو. وأبرز في السياق ذاته، أنه يؤثث فضاء لوحاته بالألوان الرمادية، باعتباره يرى الأشياء بمنظور مختلف وبرؤية صوفية، تسكنها مدارج الألفة والتوحد. من جانبه قال الفنان التشكيلي، الحسين هيوب، إن الفعل الصباغي ناوشه منذ زمن طويل، وكل المواضيع، التي وجدت طريقها إلى لوحاته تنبع من فيض داخلي وجداني، موضحا في تصريح مماثل ل"المغربية" أنه خاض مغامرة تشكيلية جديدة وهي الاشتغلال على الرمز والحلي الأمازيغية، باعتبارها مكونا من مكونات الثقافة المغربية، ويرى هيوب أن المعرض فتح آفاقا رحبة لفنانين يعيشون خريف العمر، آمنوا بأن الفن يجمع كل الحساسيات، وأن فضاء المركب الثقافي تحول، بهذه التجارب، إلى نوع من الممارسة المشتركة للصباغة، وإلى فضاء يحكي عبر الريشة والألوان قصة فنانين فرقتهم مشاغل الحياة، ووحدهم مسار الفن المستمر.