تتواصل فعاليات الدورة الأولى لمعرض «رؤى...» إلى غاية 15 يونيو الجاري بفضاء منتدى الثقافة بالدارالبيضاء (كاتدرائية القلب المقدس سابقا) وذلك بمبادرة من جمعية بصمات للفنون الجميلة التي راهنت على إتاحة الفرصة لصفوة نموذجية من المبدعين التشكيليين الذين يشتغلون في الظل خارج إكراهات منطق العرض والطلب وبعيدا عن ثقافة المزايدات والمضاربات الواهية التي أصبحت تنخر جسد الإبداع التشكيلي المعاصر بالمغرب، وتنتصر لقيمه المادية على حساب قيمه الثقافية. يشكل معرض «رؤى...»، حسب الفنان أحمد بويدي رئيس الجمعية المنظمة، تجربة إبداعية حرة ومستقلة، نشأت من تفكير طويل وناضج حول الفنون البصرية خصوصا والفنون التشكيلية عموما. حدث مهدى إلى الإبداع بالمعنى التام للكلمة، الذي لا يقدم حكم قيمة حول مشهدنا التشكيلي، من حيث منعطفاته ومفارقاته. فهذا المعرض الجماعي يدعو عشاق الفن لتقاسم حب استطلاعهم إزاء الأشكال التعبيرية المختلفة والفريدة، وذلك بالانفتاح على فنانين باحثين يساهمون، بخشوع وتواضع، في تنمية الفنون التشكيلية بالمغرب، وهم على التوالي: توفة الهراح، مبارك عمان، غيثة الصالح، عبد السلام أزدم، حسن بحمان، باطومي عبد المالك، خالد بيي، سعيد بيي، رقية بايلة، صوفية بزيز، سعد بوحمالة، أحمد بويدي، فؤاد الشردودي، حسن شبوغ، حسن الشيخ، أحمد أمين الشرادي، بشرى دردار، محمد كريم العافية، بشرى الأزهر، محمد الفراقشي، بهيجة فراوسي، هدى حناني، إدريس حلمي، فاطمة إيجو، بلحاج محمد جاكي، عبد السلام القباج، فؤاد خيور، بشرى خنافو، عبد العزيز قطبان، سعيد لعزيز، يوسف لبدغ، سعد لحسيني، نجاة مفيد، خديجة مفيد، حسن منعزل، كريم ثابت، إسماعيل ترسي، مصطفى الوراق. حول البعد الثقافي لهذا المعرض، يضيف أحمد بويدي:» تأتي هذه المبادرة التي اتخذتها جمعية بصمات لإبراز قيمة الأعمال الإبداعية بكل حماس فاعليها، كما تشي بتجليات تنم عن اهتمام خاص بالتجديد، وتسهم في إطار ترويجي يراهن على تعزيز الوساطة الثقافية، باعتبارها شرطا حتميا لكل تنمية فنية مستدامة. بكل تأكيد، إن إنجاز هذا المعرض الجماعي في دورته الأولى أمر طموح وغني، لأنه بمثابة أرضية عامة تتيح لنا نسج علاقات مع نقاد الفن، وهواة التعابير الفنية الجديدة التي تخرج عن الدروب المطروقة. الجدير بالتذكير أن هذا الفضاء الحميمي يتوق، بالمناسبة، إلى الاحتفاء بالفنانين المبدعين الذين أثثوا ويؤثثون دائما محيطهم بعوالم تخييلية من وحي حاجتهم الداخلية، ورغبتهم الملحة في الذهاب بعيدا على مستوى بحثهم الفني. نحن سعداء، إذن، لخوض هذه التجربة التي تتخذ من قولة أناطول فرانس مسلكها العام:»على الفنان أن يحب الحياة، وأن يبين لنا مدى جمالها. فبدونه، سنقع في الشك.». إن معرض «رؤى...» تظاهرة تفاعلية من تنشيط فنانين يتمتعون بنظرة وبفكر فريدين، وهو حدث يدعو كل الفاعلين في الحياة الفنية لتوطين فضاءات الحرية، والجمال، والحقيقة. رهاننا الإستراتيجي هو إقامة علاقات وروابط مع الفنانين المبدعين باختلاف أساليبهم، بدون أي تمييز أو انحياز». في ضوء الكلمة التقديمية لهذه المبادرة التشكيلية، أشار الناقد الفني عبد الله الشيخ إلى أن معرض «رؤى...» موعد جمعوي يضع الإبداع الفني في صدارة قيمه، ويضم مبدعين من عالمي النحت والتصوير الصباغي باختلاف اتجاهاتهم الذين يؤمنون بدور الفنانين في التنمية البشرية، وفي ترسيخ الحق في المستقبل وفي الحلم. كما أكد أن كل الفنانين التشكيليين العارضين تحذوهم الرغبة في التلقائية وفي الحرية بالنظر إلى فعلهم البصري الذي لا يكف عن انتهاك الشفرة المتعارف عليها. فهم يرجعون فضل ميولاتهم إلى تأمل الطبيعة، وإلى البحث المعمق، بعيدا عن التعارض المدرسي للأجيال والاتجاهات. وبشأن القيمة الفنية للأعمال المعروضة، يصرح عبد الله الشيخ:» تتأكد الأعمال المعروضة كعالم إيكونوغرافي، حيث تتجلى الصورة تابعة لمحاورها التشكيلية (التركيبة، الأشكال، الألوان و النسيج): عالم لا يدعي تمثيل أي مظهر من العالم الخارجي. فهذه الأعمال، بوصفها نافذة حول فضائنا المدرك والمعتقد فيه، تنهض حول سيرورة البعد الجوهري والبعد الصباغي. إنها مكان مقول ولامقول الصور المجازية في التصوير الصباغي والنحت. فنحن أمام متن بصري مثير ينسجم مع بعض الممارسات الصورية خارج كل التوصيفات النقدية: ألوان لازمة، تغيير معالم القوانين، تشذير، تذرية العلامات التمثيلية، مجابهة وعمق الإطارات، المظهر المادي للسند، اقتصاد السطح المستقل عن كل إحالة مرجعية على الواقع التجريبي، بلاغة المادة المشكلة. ينفلت هذا المتن التشكيلي من كل تصنيف معياري، ويطرح العديد من الأسئلة أكثر مما يقدم الأجوبة. إنه مجال رمزي يقترح علينا مقاربة جديدة للإبداع بلا حدود، تتمثل في التجديد واستبعاد الحدود بين الفن والواقع، مع الانفتاح على البعد الدولي.». وأضاف:» المعرض أرضية عامة للعبور والتبادل، حيث تنهض حساسية الزمن و جوّه الحميمي العام. يبرز هذا الحقل الدلالي المظاهر البنائية والشكلية للأعمال، إلى جانب الذاتية الإبداعية (تحدث إميل زولا عن «الطبيعة منظور إليها عبر مزاج خاص»). بإيجاز، يبقى طموح جمعية بصمات للفنون الجميلة بالدارالبيضاء هو تثمين العمل الفني الذي حدده الفنان العالمي فان داوسبورغ، مؤسس مجلة الأسلوب، بقوله « استعارة للعالم عن طريق وسائل فنية». في عصر الصورة، تعطي هذه الاستعارة المعنى للإبداع المدرك كسيرورة من القطائع والتجاوزات، وتغير علاقتنا بالفضاء والزمن. هكذا، تخلخل هذه الاستعارة البصرية أنماط فكرنا، وإدراكنا، وتمثلنا، وتفتح لنا الدروب المنيرة للجمال والحب. تساهم الدورة الأولى لهذا المعرض، بشكل فعال، في إنعاش وتنمية الفنون التشكيلية بالمغرب بروح الانفتاح والتنوع. كما تخترق، عبر أعمالها الغنية والمتنوعة، الحدود بكل أبعادها الواقعية والافتراضية داخل فضاء مقدس سيظل موقعا تراثيا ورمزيا. فمعرض «رؤى...» يندرج في إطار التفاعلية، والولع، والمعرفة واللذة، وقد حقق تماما رهانه العام، ألا وهو استثمار الفضاء بالمعنى الفني للكلمة بفضل تواطؤ الفنانين العارضين، وانخراط الشركاء والفاعلين الثقافيين الذين يؤمنون بالعمل الفني.».