يلتئم 38 فنانا تشكيليا ونحاتا في الدورة الأولى لمعرض"رؤى"، الذي تنظمه جمعية بصمات للفنون الجميلة، من 1 إلى 15 يونيو الجاري، بفضاء منتدى الثقافات بكاتدرائية القلب المقدس بالبيضاء.يقدم التشكيليون في هذا المحترف الكبير، تجاربهم الفنية وتعبيراتهم البصرية، مسنودين إلى الرغبة في التلقائية، وفي الحرية بالنظر إلى فعلهم البصري، الذي لا يكف عن انتهاك الشفرة المتعارف عليها. فهم يرجعون، حسب بيان توصلت" المغربية" بنسخة منه، فضل ميولاتهم إلى تأمل الطبيعة، وإلى البحث المعمق، بعيدا عن التعارض المدرسي للأجيال والاتجاهات. تتأكد الأعمال المعروضة مثل عالم إيكونوغرافي، إذ تتجلى الصورة تابعة لمحاورها التشكيلية (التركيبة، والأشكال، والألوان والنسيج): عالم لا يدعي تمثيل أي مظهر من العالم الخارجي. فهذه الأعمال، بوصفها نافذة على فضائنا المدرك والمعتقد فيه، تنهض حول سيرورة البعد الجوهري والبعد الصباغي. وفي هذا السياق قال أحمد بويدي، رئيس جمعية بصمات للفنون الجميلة، إن معرض "رؤى" يشكل "تجربة إبداعية حرة ومستقلة، نشأت من تفكير طويل وناضج حول الفنون البصرية خصوصا والفنون التشكيلية عموما. حدث مهدى إلى الإبداع بالمعنى الكامل للكلمة، الذي لا يقدم حكم قيمة حول مشهدنا التشكيلي، من حيث منعطفاته ومفارقاته". وأضاف في ورقة حول المعرض، الذي يوثق لذاكرة الدارالبيضاء في بعدها الجمالي، أن الحدث الفني يدعو عشاق الفن لتقاسم حب استطلاعهم إزاء الأشكال التعبيرية المختلفة والفريدة، بالانفتاح على فنانين باحثين يساهمون، بخشوع وتواضع، في تنمية الفنون التشكيلية بالمغرب. وأوضح بويدي أن هذه المبادرة، التي اتخذتها جمعية بصمات تبرز قيمة الأعمال الإبداعية بكل حماس فاعليها، كما تشي بتجليات تنم عن اهتمام خاص بالتجديد، وتسهم في إطار ترويجي يراهن على تعزيز الوساطة الثقافية، باعتبارها شرطا حتميا لكل تنمية فنية مستدامة، مؤكدا أن إنجاز هذا المعرض الجماعي في دورته الأولى أمر طموح وغني، لأنه بمثابة أرضية عامة تتيح نسج علاقات مع نقاد الفن، وهواة التعابير الفنية الجديدة، التي تخرج عن الدروب المطروقة. كما أن الدورة الأولى لمعرض"رؤى" تحتفي بالفنانين المبدعين، الذين أثثوا ويؤثثون دائما محيطهم بعوالم تخييلية من وحي حاجتهم الداخلية، ورغبتهم الملحة في الذهاب بعيدا على مستوى بحثهم الفني. وأبدى رئيس جمعية بصمات للفنون الجميلة تفاؤله بنجاح هذا الملتقى الجمالي، الذي يستلهم تجربته من قولة أناطول فرانس:"على الفنان أن يحب الحياة، وأن يبين لنا مدى جمالها. فمن دونه، سنقع في الشك". من جهته، اعتبر الناقد الفني، الناقد عمر العسري أن المعرض يضم تجارب تشكيلية مختلفة من زاوية الرؤية الفنية، وأيضا من جانب التقنيات الموظفة، غير أنها تلتقي على مستوى الحس الجمالي الذي بدت عليه وترجمته للعيان، فتمة تصادي يؤلف بين الأعمال التشكيلية، ويضع المتلقي أمام فسيفساء بصري، فتتعدد الاختيارات وتتداخل بل وتتماس. وأضاف العسري أن تجربة رؤى تروم تمديد التلاقي بين الحساسيات التشكيلية الحديثة على نحو فني عالم، فهذا التجاور العرضي المتحقق يضعنا حيال وضعية قلما انتبهنا إليها؛ هي تأريخ الفن التشكيلي المغربي الحديث، ومنحه قيمة متحفية التي غابت عن وعي الفنان والجمهور معا، وأيضا الارتقاء به فنيا، ولم لا مفاخرة به الأمم، مشيرا إلى أن تجربة هذا العرض الجماعي تكشف عن تعدد مداخل الفن التشكيلي وتنوع رؤاه، ولعل الرائي سيلحظ كون كل تجربة هي وحدة فنية وجمالية قائمة الذات لها خصوصياتها المائزة والفارزة، ولا مجال إلى تحقيق التفاضل أو الريادة بينها وبين مجاوراتها، لأن كل فنان قد عرض عمله باقتناع فني وجمالي بليغين، هو اقتناع موسوم ،حسب جاك غودي، بالأثر الفني الذي تخلفه حضارة ما. وسوف لن يكون إلا رسالة فنية انخرطت في رؤية كلية جامعة. وتساهم الدورة الأولى لهذا المعرض، بشكل فعال، في إنعاش وتنمية الفنون التشكيلية بالمغرب بروح الانفتاح والتنوع. كما تخترق، عبر أعمالها الغنية والمتنوعة، الحدود بكل أبعادها الواقعية والافتراضية داخل فضاء مقدس سيظل موقعا تراثيا ورمزيا. كما يندرج معرض"رؤى" في إطار التفاعلية، والولع، والمعرفة واللذة، وقد حقق تماما رهانه العام، ألا وهو استثمار الفضاء بالمعنى الفني للكلمة بفضل تواطؤ الفنانين العارضين، وانخراط الشركاء والفاعلين الثقافيين، الذين يؤمنون بالعمل الفني.