لم يكن هناك إجماع من قبل على مجموعة فنية بالمغرب، كما حدث مع مجموعة "ناس الغيوان"، التي تجاوزت المحلية وحققت العالمية جانب من الندوة الصحفية (سوري) وأصبحت توصف ب"رولينغ ستون إفريقيا"، المجموعة/ الظاهرة الفنية الفريدة، التي استطاعت على امتداد أربعين سنة أن تشد انتباه جميع المغاربة، وأن تصبح صوت الجماهير المحبطة، والمعبر عن آلامها وأحلامها، وأن تصمد أمام محن الموت والانفصال وإعادة التشكيل، كما لو كانت طائر الفنيق، الذي يحيى باستمرار من رماده. واحتفاء بهذه المجموعة وبالذاكرة الفنية الشعبية المغربية، التي غذتها أغاني "ناس الغيوان"، وفي سابقة نوعية للتعريف بمجموعة فنية مغربية، وبدعم من مؤسسة البنك المغربي للتجارة والصناعة، أصدرت دار نشر "سينسو أونيكو"، ودار نشر "سيروكو"، كتابا فنيا جميلا حول المجموعة يحمل عنوان "ناس الغيوان"، طبع في إيطاليا بورق جيد، ويقع في 400 صفحة من الحجم الكبير، معزز بالعديد من الصور النادرة، ومكتوب بثلاث لغات: الفرنسية، والإنجليزية، والعربية. ويتضمن كتاب "ناس الغيوان" - الصادر بشكلين مختلفين: الأول كتاب فني أنيق مغلف بعناية، خاص بمؤسسة البنك المغربي للتجارة والصناعة، داعمة هذا المشروع، والثاني كتاب فني بغلاف جميل، أيضا، يضم مجموعة ناس الغيوان، موجه للتوزيع والبيع بسعر 350 درهما- تقديما للمخرج الأمريكي مارتان سكورسيز، الذي رمم فيلم "الحال" الذي أعده المخرج المغربي أحمد المعنوني، وأنقده من الضياع، اعترف فيه بأهمية موسيقى ناس الغيوان، التي جعلته يكتشف العمق الإنساني، وسردا للفنان عمر السيد لقصة ناس الغيوان بعنوان "كنا خمسة"، إضافة إلى مجموعة من المواد حول "الحال"، أو جذبة ناس الغيوان السحرية، واولاد الحي، والحي المحمدي، وبحال الواد، والجذبة، وديما غيوان من سنة 1997 إلى الآن، وكلام الغيوان، ونايضة أو أبناء الغيوان. في مدخل هذا الكتاب الفني، الذي تتبرع المجموعة بحقوق تأليفه لمؤسسة خيرية مغربية، والذي ستعمل مؤسسة البنك المغربي للتجارة والصناعة على توزيعه بالمكتبات الجامعية، والمكتبة الوطنية للمملكة المغربية، أن "اسم "ناس الغيوان" أحال في ذاكرة عشاق المجموعة والمولعين بها، وما زال يحيل في الوقت الراهن أيضا، على هذا الخماسي المتشكل من بوجميع أحكور، الملقب ببوجميع، والعربي باطما، وعمر السيد، وعلال يعلا، وباكو، رغم أن التركيبة الأولى للمجموعة ضمت طوال ثلاث سنوات، بين 1970 و1973 عازف الكنبري المتخصص في الملحون، مولاي عبد العزيز الطاهري، الذي جرى تعويضه بباكو، ومحمود السعدي، عازف "البوزق"، الذي قضى مع الغيوان بضعة أشهر فقط، قبل أن يقرر تأسيس مجموعة جيل جيلالة". وتقلص عدد أعضاء مجموعة ناس الغيوان إلى أربعة فقط، بعد وفاة بوجميع سنة 1974، لكن روح هذا الفنان المبدع لم تغادر المجموعة، إذ ظل رفاقه يرددون اسمه على الدوام، كما حدث مع العربي باطما، الذي توفي سنة 1997، بعد صراع طويل مع المرض، والذي ما زال باقي أعضاء المجموعة يتحسرون على رحيله، لأنه مبدع كلمات وأشعار أغاني المجموعة، المستلهمة من الموروث الشعري العربي. ورغم انضمام أخوي الراحل العربي باطما، رشيد وحميد باطما، ومساهمتهما في ضخ دماء جديدة في المجموعة منذ سنة 2001، فإن أثر رحيل العربي وبوجميع ما زال جاثما على المجموعة، التي بدأت قصتها في سنوات الستينيات من القرن الماضي بالحي المحمدي بالدارالبيضاء، مسرح العديد من عمليات المقاومة ضد المستعمر الفرنسي، والمواجهات العنيفة بين السكان وقوات حفظ النظام. وفي سرده الحكائي لقصة "ناس الغيوان"، ذكر الفنان عمر السيد، الذي حضر بمفرده حفل توقيع الكتاب وتقديمه يوم 22 مارس بالدارالبيضاء، في غياب أعضاء المجموعة الآخرين، الذين ما زالوا على قيد الحياة، أن العلاقات توطدت بين أعضاء مجموعة "ناس الغيوان" منذ سن المراهقة، لأنهم كانوا جيرانا، وكان يجمعهم حب المسرح والموسيقى، كما كان ولعهم بالأنشطة الفنية، التي تقدمها دار الشباب أكبر من ولعهم بالمدرسة، التي غادروها جميعا في سن مبكرة، موضحا "لم نفكر أبدا في ما كنا نريد فعله. فقد كانت مجموعة ناس الغيوان على الدوام مرادفا لفوضى، وسارت أمورها من تلقاء نفسها. ما يهم هو الصراحة والتجارب التي عشناها. لم نتعلم العزف على الآلات أبدا، ولم ندخل المعاهد الموسيقية إطلاقا، لقد تعلمنا في مدرسة الحياة بفضل ما كنا نواظب على سماعه: الأمثال والجمل المأثورة، والأغاني الوطنية المحتفية بالاستقلال، بما في ذلك استقلال الجزائر". وأضاف السيد أن قوة "ناس الغيوان" تكمن في أن المجموعة لم تكن تابعة لأي حزب، بل نابعة من رحم الجمهور، وحاملة لهمومه وآماله وأحلامه، عبر أغان محملة برسائل اجتماعية وسياسية، فيها الكثير من الأحاسيس والصور الشعرية، التي برعت المجموعة في تجسيدها على خشبة المسرح. وكشف السيد في هذا اللقاء عن الكثير من التفاصيل، واعترف بأن التفاهم لم يكن سائدا بين أعضاء المجموعة طوال الوقت، وكانوا فوضويين حتى النخاع، ولذلك، كما قال، كان يضطلع منذ البداية بدور الوسيط، وكان يشرف بنفسه على تنظيم الأمور الخاصة بسهرات المجموعة، التي غالبا ما ينسى بعض أعضاء المجموعة مواعيدها. وخلص عمر السيد، حارس استمرارية مجموعة "ناس الغيوان"، في اللقاء الذي جمعه بالناشرتين إيليان وكارين، بين ماي وشتنبر من سنة 2010، إلى أن الأشخاص الذين يحبون المجموعة، يحبون أغانيها والحوار، الذي يدور بينها، فليست ، كما يقول "لحياتنا الشخصية الكثير من الأهمية، إلا بالنسبة لنا بطبيعة الحال. رغم ذلك أؤكد أن كل واحد من أعضاء المجموعة كان يحيى حياته لوحده، باستثناء الموسيقى، وكنت الوحيد، الذي يزور أعضاء المجموعة واحدا واحدا".