تدارس جمعويون ومهتمون بالشأن المحلي بمدينة سلا، الجمعة الماضي، في لقاء نظمته جمعية سلا المستقبل، التحديات المطروحة على المدن العتيقة ببلادنا، "مدينة سلا نموذجا"، وكيف يمكن إعادة الاعتبار للتراث الوطني، ومواجهة المشاكل، التي تتخبط فيها المدن العتيقة، حتى تكون أداة تطور مستدام. واعتبر عبد الإله برادة، مهندس معماري، عضو باللجنة الموسعة لتتبع مشاكل المدينة العتيقة بسلا، أنه من العار أن مدنا عتيقة تحمل تراث بلادنا أضحت تتلاشى، مشيرا إلى أنه، مع انطلاق مشروع تهيئة ضفتي أبي رقراق، تبين أن مدينة سلا أصبحت تعرف سرعتين متباينتين، الأولى تهم تقدم المشروع، والثانية تراجع المدينة العتيقة، مؤكدا أنه لا يمكن أن يكتمل نجاح هذا المشروع دون تقدم المدينة العتيقة. وأشار المهندس المعماري إلى أن هناك دورا تهدم وتبنى مكانها دور عصرية لا علاقة لها بمعمار المدينة القديمة، فضلا عن تدهور الصناعة التقليدية وبعض الصناعات الحرفية، مبرزا أنه لإنقاذ المدينة لابد من خلق ورشة تحسيسية للسكان، ومد يد المساعدة للذين يريدون بناء دور جديدة حتى تتماشى مع الهندسة المعمارية للمدينة العتيقة. وأفاد برادة أنه جرى عقد مجموعة من الاتفاقيات مع الجهات المعنية لرفع التحديات، التي تتخبط فيها المدينة العتيقة، والحفاظ على المآثر التاريخية الموجودة بها. وذكر أن الاتفاقية الأولى تهم ميدان الثقافة، وتهدف إلى ترميم أسوار المدينة بطريقة علمية وليس كما كان يحدث في السابق، والثانية تهم السياحة والصناعة التقليدية، والتركيز على الباعة المتجولين، أما الثالثة فتهم الدور المهددة بالسقوط، وتهدف إلى إنقاذ بعض المعالم التاريخية. وقال المهندس المعماري إن "المدينة العتيقة تزخر بالعديد من المآثر التاريخية المهمة، إلا أنها كلها في حال يرثى له، إذ أن هناك (فنادق) قديمة يعيش بها أناس معوزون في حاجة إلى المساعدة". وأضاف برادة "يجب أخذ حالة هؤلاء بعين الاعتبار في اتفاقات تأهيل المدينة العتيقة، خاصة منها، فندق (لاركو)، الذي لعب دورا مهما في تاريخ المغرب، وقاعة التريبعة، وقاعة بنعاشر، اللتان يجب إعادة تأهيلهما واستخدامهما كمعرضين للصناعة التقليدية للتعريف بالمدينة وجلب السياح إليها. وأوضح برادة أن كلا من وزارة الداخلية، ووزارة السياحة، والصناعة التقليدية، والمجلس الإقليمي، ومجلس الجهة، ساهمت في هذه الاتفاقية بغلاف مالي يقدر ب 36 مليون درهم لتطوير المشروع السياحي بالمدينة. وأوضح أن وزارة السياحة كلفت بدراسة الدليل السياحي، وستقوم كتابة الدولة المكلفة بالصناعة التقليدية بدراسة مشروع قاعتي تريبعة وبنعاشر للصناعة التقليدية، فيما ستساهم وكالة تهيئة ضفتي أبي رقراق في تهيئة هذا المشروع بشراكة مع الجهة، مشيرا إلى أن وزارة الداخلية ستساهم في هذه الاتفاقية بمبلغ 17 مليون درهم ، ووزارة السياحة بمبلغ مليون درهم، وكتابة الدولة المكلفة بالصناعة التقليدية بمليوني درهم لإنجاز الدراسة، فيما ستساهم الجهة بمبلغ 5 ملايين درهم، في مشروع إعادة تهيئة قاعة تريبعة وباب الخميس، وستشارك الجماعة الحضرية في إعادة تهيئة فندقين بالمدينة العتيقة. أما وزارة الثقافة فتعهدت، يبرز برادة، ب "إنجاز متحف للطرز في عهد الوزير السابق محمد الأشعري، وترميم سورين وإعادة تهيئ باب سبتة، إلا أنها لم تتمكن من ذلك لكونها تواجه صعوبات مادية، لكنها ما زالت تعاهدنا بالمساعدة، في حين سيساهم مجلس العمالة بمبلغ 8 ملايين درهم لتهيئة بعض أسوار المدينة العتيقة، فيما التزمت وكالة تهيئة ضفتي أبي رقراق، أيضا، بتهيئة الأسوار بشراكة مع وزارة الداخلية". وبالنسبة للاتفاقية المتعلقة بإعادة ترميم الدور الآيلة للسقوط، ذكر برادة أنها تطلبت 148 مليون درهم لإعادة تهيئة 29 فندقا قديما بالمدينة العتيقة، 65 مليون درهم منها لإعادة إسكان قاطني الفنادق والدور الآيلة للسقوط وعددهم 900 أسرة، مشيرا إلى أن وزارة الإسكان فتحت طلب عروض لإنجاز مشروع الإسكان. وأبرز أن هذه المشاريع تتطلب تصاميم تهيئة ذات طابع معماري، تتماشى مع المدينة العتيقة، وأن وكالة تهيئة ضفتي أبي رقراق لم تستطع إخراج هذه التصميم حتى الآن. من جهته، قدم محمد فتحة، مفتش المآثر التاريخية، نبذة تاريخية عن المدينة العتيقة، وعن المآثر التاريخية المصنفة، ووقف عند بعض المحطات التاريخية، التي طبعت المدينة منذ مطلع القرن ال 11، والمآثر العمرانية التي تزخر بها، من بينها المسجد الأعظم، الذي أنشئ سنة 1196م، ودار الصناعة ، والمدرسة العجيبة، وسور الأقواس، مشيرا إلى أن الشكل العمراني لسلا اكتمل بإضافة أحياء أخرى، من بينها حي باب شعفة، وباب سبتة، وبورمادة، والملاح الجديد.