قال محمد عامر، عضو المجلس الوطني للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، أن المغرب يفتقر إلى سياسة وطنية للمدينة تنبني على رؤية شمولية، متكاملة وبعيدة المدى، بالإضافة إلى أن المدن المغربية تعاني من غياب مقاربة مندمجة في التسيير والتدبير الحضري تمكنها من الخروج من المأزق الذي توجد عليه حاليا. وأكد عامر في لقاء مفتوح، نظمته الكتابة الجهوية بمقر الحزب بالرباط يوم الجمعة الماضي، حول المشروع الحضري والتكثل العمراني المندمج بالعاصمة، أن الاتحاد يعي جيدا معضلة الحكامة الجيدة بالمدن المغربية وخاصة الإشكاليات المتعددة المطروحة بالعاصمة، وما تنظيم الحزب ندوة وطنية سابقا في المدرسة الوطنية للمعادن بمشاركة ثلة من الخبراء والمختصين في مجال التنمية، إلا دلالة كبيرة على أننا في الاتحاد نولي أهمية قصوى لمشروع التنمية الحضرية المندمج للعاصمة، وما يطرح علينا من تحديات وطنية ومغاربية ودولية، فضلا على الوثائق الذي يتضمنها كتيب تم إعداده بمناسبة انعقاد المؤتمر الجهوي لجهة الرباطسلا زمور زعير. وأشار عضو المجلس الوطني، إلى أن الدولة بدأت تعي جيدا معضلة الحكامة بالمدن المغربية، وخاصة وزارة الداخلية التي نظمت مؤخرا لقاء بقصر المؤتمرات بالصخيرات الذي يمكن أن تشكل نتائج وخلاصات أشغاله وتداولاته، نقلة نوعية للتنمية وإشكالية الحكامة داخل المدن الكبرى، مؤكدا في هذا الإطار على أن الغرض الأساسي الذي نسعى إليه في الاتحاد الاشتراكي من خلال المجال العاصمي ليس هو التفكير الأكاديمي والعلمي، وإنما البحث عن برامج مندمجة وبدائل عملية تترجم رؤية متكاملة وشاملة للتكثل العمراني للعاصمة، ويرى عامر، أن هناك شبه إجماع من طرف الفاعلين والمسؤولين الحضريين والدولة على أن هناك أزمة في التدبير والحكامة وهذا ليس جديدا، لكن المفارقة الكبيرة الواضحة للعيان هي بقدر الوعي بهذه الأزمة، هناك إعادة نفس الشروط التي تنتج نفس هذه الأزمة حتى بلغ التدبير والتسيير حدوده القصوى. وشدد عامر على أن الواقع المأزوم في التدبير والتسيير البلدي بالعاصمة يفرض علينا القطيعة مع نظام التدبير العتيق وأسلوب التسيير التقليدي المتبع لسنوات، فالعاصمة نبتغيها أن تكون في مصاف العواصم الكبرى الدولية، ونتطلع كي تلعب دورها الإشعاعي على أكمل وجه، وليكون لها حضور وازن مغاربيا ودوليا، فالعاصمة يجب أن تكون قاطرة التنمية بالمغرب وذلك بواسطة مشروع حضري مندمج للتكثل العمراني المشكل لها، لكي تكون نموذجا للإصلاحات والطريق الحسن للمدن المغربية الأخرى، فالعاصمة مدينة استثنائية وتتطلب مقاربة غير عادية. وأوضح عضو المجلس الوطني، أن تطبيق الميثاق الجماعي بالمغرب لمدة ثلث قرن، راكم تطورا ملموسا في الاستثمارات والبنيات التحتية لكن المفارقة الكبيرة المسجلة هنا هو التراجع إلى الوراء على مستوى الحكامة ونظام تدبير المدن وتقهقر التسيير والتدبير، والتراجع الممنهج في النخب، والمفارقة الثانية تتجلى في تراجع المشاركة في الاستحقاقات الانتخابية، فكلما تقدمنا في تحسين المدن، كلما نلاحظ انخفاضا وتراجعا في مشاركة المواطنين، مستطردا على أن المدن المغربية هي السلاح الوحيد لمواجهة التنافسية الكبيرة، ولها انعكاس سلبي على النمو ككل، فوضعها الحالي أصبح وضعا لا يطاق، فأزمة الحكامة في المدن الكبرى هي التي أصبحت مبرر إنتاج مؤسسات جديدة لتتكفل بمشاريعها، وهذا التوجه يمشي ضد وحدة المدينة ولا يخدم المدن على المدى المتوسط والبعيد ويتنافى مع مبادئ الديمقراطية المحلية والتنمية المستدامة، فضلا على أن التدبير البلدي أصبح في واد والجمعيات والمواطنين في واد آخر. واعتبر عضو المجلس الوطني للحزب أن العاصمة محتاجة إلى مشروع حضري مندمج للتكتلات العمرانية، هذا المشروع ليس مشروعا تقنيا فقط، بل يعتمد على رؤية مستقبلية متكاملة وشاملة تعتمد على اختيارات واضحة وسياسة رشيدة للمدينة، ناتجة عن حوار بمشاركة الجميع من مواطنين وتقنيين ومكاتب دراسات وسياسيين ومسؤولين في الدولة، تتجاوز النظرة القطاعية للمشروع وتأخد بعين الاعتبار التنسيق ما بين السياسات القطاعية وتسعى لتحقيق الاندماج مابين البرامج المتعددة التي تعرفها العاصمة، والمشروع كذلك فريق سياسي منسجم منفتح، ويجب أن يتوفر على قيادة حكيمة، وشخصية وازنة ولها قيمة اعتبارية قادرة على قيادة هذا المشروع الذي يتطلب كذلك تحالفات سياسية صلبة، ونعتقد في الاتحاد الاشتراكي على أننا نتوفر على جميع المقومات والشروط والتجربة والأطر والسياسية والتقنية لمجابهة هذا التحدي وكسب هذا الرهان، لكي نتمكن من وضع قطيعة مع أزمة الحكامة التي يوجد عليها التدبير والتسيير البلدي بالعاصمة. ومن جهته، يرى إبراهيم الزياني أستاذ جامعي في مداخلة له في نفس اللقاء، على أن إشكالية تدبير العواصم العالمية بقيت حبيسة فكرة تطرح علاقة الدولة بتدبير المدن الكبرى، والتي تقول «العاصمة هي مدينة الدولة وبما أنها عاصمة الدولة يجب أن تدبرها الدولة»، فطيلة عدة سنوات بقيت هذه الفكرة سائدة وأعطى مثالا بباريس التي بقيت سجينة هذه الفكرة لمدة 75 سنة، حينها سيقع تغيير يعتبر باريس كعاصمة لفرنسا مدينة كباقي المدن المغربية، فكذلك وضع العاصمة في المغرب، فالمسألة ليست خاصة بالمغرب أو فرنسا ولكنها عامة ويجب أخذها بعين الاعتبار، وهي مرتبطة بسلوك الدولة ونظرتها للمجال. وأشار الزياني إلى أنه إذا كان النظام الاستثنائي للعاصمة قدر لا مفر منه، وكباحث في الموضوع، فهو قدر لا مفر منه، فما هي الحدود التي يجب أن يتوقف عندها هذا النظام الأساسي، لكي لا يعصف بالمكتسبات الديمقراطية، وممارسة الديمقراطية المحلية. لذلك لابد من التوافق والاتفاق على الحدود التي يجب أن لا يتعداها النظام الاستثنائي البلدي. وحذر كذلك الزياني من الدور المتزايد للسلطة التقنوقراطية ومؤسساتها التي تخلق من أجل إدارة المشاريع الكبرى بالمدن، حيث أصبح لهذه المؤسسات دور كبير في مستقبل المدن ويدها أصبحت طويلة في التدبير والتحكم في القرارات المصيرية التي تهم المدن.والأجهزة البلدية ومنتخبوها أصبحت لها أدوار هامشية وتتفرج على ما يجري أمامها، فهذه إشكالية يجب التوقف عندها ودراستها وإيجاد مخرج لها يتماشى ومستقبل التنمية والتدبير الحكامة بالمدن ببلادنا.