مساهمة في إغناء النقاش المفتوح حول مشروع الجهوية الموسعة والمتقدمة ببلادنا، والذي أعلن عنه صاحب الجلالة في خطابه السامي يوم 3 يناير 2010، أجرت جريدة «الاتحاد الاشتراكي» لقاءا مع الأخ محمد عامر عضو المجلس الوطني لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، تمحور حول موضوع الجهوية ورهانات إعداد التراب الوطني، حيث تناول الأخ عامر في هذا اللقاء بالتحليل والاقتراح أوراشاً إصلاحية مفتوحة ببلادنا ذات بعد ترابي وتتقاطع الى حد كبير مع مجالات تدبير التنمية وتنظيم المجال. موضوع الجهوية هو موضوع الساعة وتناوله في الحقيقة يجر للحديث عن سياسة إعداد التراب، وبالذات عن المبادرة الفريدة التي أطلقها المغرب خلال حكومة التناوب بتنظيم الحوار الوطني حول إعداد التراب، حيث سبق وأن اشتغلتم وظيفياً على هذا الورش الكبير. ثالثا: من أجل إقلاع مشروع جهوي فاعل، هناك أوراش اساسية يقتضيها الاصلاح الجهوي ويتعين الاشتغال عليها بهدف تفعيل هياكل وآليات التنمية الجهوية، منها أربعة اساسية: 1- مراجعة جذرية لأدوار المؤسسات الترابية (المجالس الجهوية والاقليمية، الولايات والعمالات...) في اتجاه تدقيق مهامها والحرص على التكامل فيما بينها وتلافي تشتيت الموارد والامكانيات. ويشترط هذا من جهة، تقوية المجالس المنتخبة في مجال وضع السياسات واقتراح البرامج ومتابعة تنفيذ وتقييم نتائجها، ومن جهة ثانية، تقوية دور مؤسسة الوالي كجهاز تنفيذي يمثل الحكومة ويشرف على إدارات الدولة ويحرص على تنفيذ البرامج وترجمة توجهات المجالس المنتخبة على أرض الواقع. إن إجراء مثل هذه الاصلاح يؤدي لا محالة الى إصلاح مؤسساتي على المستوى الوطني وعلى المستويات التحتية الاخرى. 2- مراجعة التقطيع الجهوي في اتجاه تشكيل جهات حقيقية تأخذ بعين الاعتبار الديناميكية الفاعلة في التراب الوطني والمعطيات البشرية والتاريخية والطبيعية الخاصة بكل جهة. وهذا يقتضي تجاوز وتصحيح ما يلاحظ من تعسف واختلالات في الخريطة الحالية. إن المغرب، على عكس دول أخرى، يتوفر على إمكانية وضع خريطة جهوية نموذجية متحررة من اعتبارات اثنية او قبلية او نزعات انفصالية، تأخذ بعين الاعتبار الوظائف الاقتصادية للجهة وتحرص على إقامة اطارات تسمح بتعبئة السكان وإقامة مشاريع التنمية. 3- يتطلب تفعيل دور المؤسسة الجهوية ايضا تغييرات عميقة في تجاه اللامركزية واللاتركيز والتي يجب ان تفضي الى إقرار نمط جديد للتدبير يقوم على اساس تعاقدي بين الدولة والجماعات المحلية. وفي هذا الاطار يتعين إعادة النظر في دور مؤسسة الوالي وتوضيح اختصاصاتها في تجاه يجعلها مؤسسة ذات طابع تنموي واضح ولها إمكانية تنشيط وتقوية التعاون والتنسيق الافقي بين مصالح الدولة على المستوى الجهوي. 4- إن تفعيل دور الجهة يستلزم تطوير الموارد المالية، فإذا كان من حق الجماعات ان تحصل على جزء من موارد خزينة الدولة لتمويل ما تحتاجه من بنيات تحتية، فإنها مطالبة كذلك من خلال توسيع سياسة اللاتركيز، بأن تساهم في توجيه الاستثمارات العمومية وجلبها نحو مجالها الترابي. ويتطلب هذا مساعدة الجهة على تطوير أنشطة ومداخيل ضريبية خاصة بها، وذلك بهدف تحويلها الى شريك قادر على الدخول في مشاريع مهمة، يتمتع بمصداقية عند المانحين للقروض والفاعلين الاقتصاديين. إن مثل هذه الإجراءات هي الكفيلة بتحويل المؤسسة الجهوية إلى جماعة ترابية تتمتع بالمقومات الضرورية وبالشخصية المتميزة وتساهم في ترسيخ دعائم البناء الديمقراطي، وتتحول إلى إطار يسمح ببلورة مشاريع تنموية مندمجة ضمن نهج إداري ومتناسق لإعداد التراب وتخطيط عقلاني للتنمية الاقتصادية والاجتماعية وتدبير فعال للشأن العام الجهوي. وستصبح بذلك الجهة قادرة على تفعيل هدفين كبيرين للسياسة الوطنية لإعداد التراب وهما: الاندماج الوطني وتنمية وإنعاش الشغل. علاقة بالتدبير الحضري، كيف يمكن تصور مستقبل المدينة المغربية كبعد ترابي في تدبير التنمية؟ مما لا شك فيه أن موضوع المدينة يعتبر إحدى القضايا الكبرى التي توجد في قلب التنمية الاقتصادية والاجتماعية ومن الأوراش الاستراتيجية التي يجب أن تدرج ضمن الأولويات الوطنية بالنسبة للسنوات والعقود المقبلة، انطلاقا من كونها ستشكل لا محالة الكلمة الفصل في رسم معالم مغرب الغد وتحديد مكانته ضمن المنتظم الدولي، وهي بالتالي تختزل ثلاثة رهانات حاسمة بالنسبة للتنمية ولبناء المجتمع الديمقراطي الحداثي: رهان التنمية الاقتصادية باعتبار أن المدينة قاطرة للتنمية الاقتصادية ومركز رفع تحدي التنافسية والاندماج الإيجابي في سياق العولمة. رهانات التنمية السياسية بالنظر إلى المساهمة الحاسمة للمدينة في إرسال الديمقراطية وبناء دولة المؤسسات. رهان التنمية الاجتماعي والحضارية باعتبار أن بناء المجتمع الحداثي ببلادنا يتوقف إلى حد كبير على إيجاد أحسن الصيغ لمعالجة التناقضات الاجتماعية والثقافية التي تخترق المجتمع الحضري. يضاف إلى هذه الرهانات المصيرية الثلاثة، التغيرات العميقة التي تمس البنيات الديمغرافية و الترابية وانتقال مركز الثقل من البادية إلى المدينة، بحيث تبين التقديرات أن نسبة السكان الحضريين ستصل 75% في آفاق العشرين سنة المقبلة بدل 55% حاليا (أي المرور من 16 مليون حاليا إلى 28 مليون سنة 2025) فسيضاف إلى سكان المدن الحاليين 12 مليونا بدون أن يؤثر ذلك على انخفاض عدد السكان القرويين. وبالنظر إلى ضخامة هذه الظاهرة أضحت قضايا حسن التدبير والنجاعة الاقتصادية والتوازن الاجتماعي وإنتاج الثروات وتحسين محيط الحياة داخل المدينة تحديا كبيرا بالنسبة لبلادنا. كيف تقيمون حصيلة تدبير المدن المغربية إلى الآن؟ بدون الدخول في تفاصيل حصيلة تدبير المدن خلال العقود الأخيرة، يكفي الإشارة إلى خمسة جوانب، نعتقد أن هناك اجتماعا وطنيا حولها: 1- تراكم الخصاص في المجالات الحيوية وتعاظم الحاجيات بسبب التحضير السريع والعنيف، معنى ذلك أن المدن تواجه وستواجه تحديا مزدوجا، تحدي امتصاص العجز في التجهيزات والمرافق الأساسية الذي تراكم خلال سنوات طويلة، وتحدي تحضير المستقبل وإقامة هياكل الاستقبال لملايين الحضريين الجدد الذين سيتدفقون على المدن في السنوات والعقود المقبلة. 2- تعدد المتدخلين والفاعلين وتنافر السياسات وتضارب الاختيارات وتشتت الإمكانيات مع الخصاص المهول في التنسيق الأفقي وفي اندماج البرامج و الخطط. 3- محدودية التدبير الجماعي والذي رغم مكتسباته العديدة لم يفلح في الرفع من مستوى الأداء وبناء نموذج تدبيري مغربي ناجع وفعال، بل على العكس من ذلك أصبحت الاختلالات العديدة التي يعانيها من العوامل الأساسية التي تكبح نمو المدن وتطورها. 4- بذلت في السنوات الأخيرة مجهودات كبيرة تمثلت في استثمارات ضخمة وفي برامج تجهيزية مهمة وفي عمليات عمرانية جديدة، من دون شك سيكون لها تأثير إيجابي كبير في اتجاه تطوير المدن وتنميتها، غير أنه يجب الإقرار أن هذه المشاريع لا تندرج ضمن تصور متكامل ومندمج للتنمية العمرانية وفي سياق مشروع يهتدي به القائمون على الشأن الحضري. 5- غياب سياسة حضرية ورؤية وطنية و اضحة لما يجب أن تكون عليه المدينة المغربية كإطار عمراني، واقتصاد ومجتمع، وما يتعين أن تلعبه من أدوار كقطب للتنمية والهيكلة الترابية على الصعيد المحلي والوطني والدولي. كيف ترون إمكانية تصحيح الاختلالات المرصودة على صعيد المدن؟ انطلاقا من هذا التشخيص المقتضب يمكن القول بأن تصحيح هذه الاختلالات وبلورة سياسة حضرية جديدة، يجب ان يرتكز على المنطلقات التالية: 1- تعزيز اللامركزية والديمقراطية المحلية، التي اصبحت اختيارا لا رجعة فيه، بل ان ماهو مقبل عليه المغرب من اقامة نظام جهوي موسع، يفتح آفاقا واعدة للديمقراطية المحلية وللتنمية الجهوية. 2 - تقوية أواصر التضامن الاجتماعي و المجالي، فالمدينة لا تختزل في مناطقها المركزية واحيائها المنظمة. ولذا، لابد من توخي الانصاف والعدالة في رصد موارد الاستثمار المخصصة للتجهيزات التحتية والمرافق الجماعية و التأثيثات الحضرية، تفاديا لتغذية الاحساس بالاقصاء والتهميش لدى ساكنة المجالات الهامشية والأحياء القديمة 3 - التنافسية الترابية يجب ان تقوم التنمية العمرانية على أساس تعبئة الموارد المميزة للمدينة والتي تتوفر فيها على امتيازات مقارنة مع مثيلاتها من المدن. ولن يتأتى جلب الاستثمار في إطار هذه التعبئة، إلا بتوفير المناخ الملائم: جودة المحيط الحضري، استقرار الوضع الاجتماعي، ملاءمة النظام الجبائي، ليونة المساطر الادارية.. الخ. 4 - المشاركة والمواطنة الحضرية. إن المشاركة ضرورية لاتفاق المواطنين حول ما تم بلورته من استراتيجيات وتقريره من اختيارات، وهي أساس بناء المواطنة الحضرية، كما ان المشاركة لا تنحصر في انتخاب المجالس، بل يتعين اقامة آلية تجعل منها ممارسة مستدامة في اطار ممأسس. 5- الحرص على شفافية التدبير ونجاعة التسيير وهو ما يقتضي اقامة آليات قارة لتقويم أداء و محاسبة القائمين عليها، تجنبا لمختلف مظاهر التسلط والشطط وتبذير المال العام. كيف ترون العلاقة بين إقرار سياسة جديدة للمدينة وإصلاح جهوي موسع؟ إن بناء نظام جهوي متطور، لا يمكن ان يتحقق مبتغاه بدون اصلاحات على المستويات الترابية الدنيا، وأهم هذه المستويات هي المدينة التي تتطلب اليوم، خاصة مع ما سيفتحه الاصلاح الجهوي المرتقب من آفاق واعدة، واصلاحات جهوية في نظام تدبيرها وحكامتها، وهكذا فإن المدخل لتأهيل مدننا واصلاح دواليب سيرها و الرفع من قدرتها التنافسية يمر في نظري عبر انجاز اربعة اصلاحات جوهرية متكاملة فيما بينها. اولا: بناء سياسة وطنية للمدينة تمكن بلادنا من امتلاك استراتيجيات وطنية للتنمية الحضرية تدمج مختلف تحديات ورهانات العصر وتندرج في الاختيارات الوطنية لإعداد التراب. ففي زمن يتميز بارتفاع وتيرة التمدين وتزايد دور المدن في مجال التنمية الجهوية والوطنية واشتداد التنافسية بين الحواضر على المستوى الوطني والدولي، أصبح من المفيد نهج مقاربة جديدة لقضايا العمران تفضي الى وضع تصور على المستوى البعيد يؤطر ديناميكية العمران ويحدد وظائف المدن اعتمادا على مؤهلاتها وامتيازاتها الخاصة في اطار من التآزر والتكامل والتنافس الايجابي. إن سياسة الوطنية للمدينة ستمكن من تجاوز المقاربة التي تبنتها بلادنا منذ عقود والتي تختزل قضايا العمران في بعدها المتعلق بالتعمير والذي تقتصر وظيفته على انتاج تصاميم دون ان يؤسس ذلك على رؤية متماسكة للتنمية الحضرية والترابية على المستوى الوطني والجهوي، كما أن هذه السياسة ستسمح بإدماج إشكاليات حضرية جديدة لا يمكن معالجتها إلا ضمن ر ؤية وطنية منسجمة ومندمجة. إن مدينة كالدارالبيضاء مثلا، لايمكن مقاربة قضاياها التنموية بدون وضعها في سياقها الجهوي والوطني. والجهة هنا ليست الجهة الادارية بل الجهة الحضرية التي تمتد على طول الشاطئ من القنيطرة الى اسفي. وما ينطبق على الدارالبيضاء ينسحب على كل المدن الكبرى التي لا يمكن ان تواجه متطلبات التنمية والتنافسية الا في اطار تكاملي وتضامني. إنها معطيات جديدة تبين أن التخطيط التقليدي الذي يعزل المدينة عن سياقها الترابي اضحى متجاوزا. فبالاضافة الى كل هذه الحيثيات تهدف سياسة المدينة الى وضع الآليات الضرورية لضمان التنسيق الافقي بين القطاعات والاندماج بين البرامج والسياسات. ثانيا: اقرار نظام جديد لتدبير المدن الكبرى، فلا أحد أضحى يجادل في الدور الكبير الذي تلعبه المدن الكبرى باعتبارها قاطرات النمو ومسرح معركة العولمة. ولا أ حد أصبح ينازع في كون هذه الحواضر الكبرى تعاني من اختناقات كبيرة في نمط تدبيرها وتسييرها. بل ان هناك الكثير من التقييمات والتحليلات التي تبين ان ازمة المدن الكبرى هي اولا وقبل لك شيء ازمة حكامة. لقد مكنت سياسة اللامركزية بلادنا فعلا من تحقيق منجزات هامة في ميدان التجهيزات الاساسية والمرافق الجماعية وتحسين محيط الحياة، كما شكلت اللامركزية مدرسة لتكوين النخب المحلية ونشر الوعي والاهتمام بالشأن المحلي، لكن بالمقابل، يسجل الواقع كذلك، بأن قرابة أربعة عقود من التدبير الجماعي لم تسمح بتحقيق التراكم الضروري لتطوير العمل الجماعي، وأبانت عن ضعف مهول في قدرات التدبير لدى المؤسسات المنتخبة وفقر كبير في الكفاءات البشرية. بل الأدهى من ذلك، أصبحنا نعيش مسلسلا من التدهور المستمر في أداء المجالس والتراجع المتزايد في مستوى الكفاءات رغم تعاقب الاستحقاقات الانتخابية. إن معالجة أزمة الحكامة بالمدن الكبرى، من بين ما تتطلبه استخلاص الدروس من تجربة الماضي والتفكير الجماعي بشجاعة وجرأة في الاسلوب الجديد الكفيل برفع مظاهر العجز وتمكين عواصمنا الوطنية والجهوية من نظام للتدبير والحكم، يكون قادرا على توفير الادارة الناجعة وأن يسمح بتوسيع المشاركة السياسية. ومعنى ذلك نحن مطالبون بإدخال إصلاحات جوهرية على مستويين اثنين: مستوى المنتخب ومستوى الادارة الجماعية. فبالنسبة للمنتخب لقد حان الأوان ليتحول من منتخب مسير ومدبر الى منتخب ذي مهمة تتمثل بالأساس في تحديد الاختيارات ورسم السياسات ووضع البرامج ومراقبة تنفيذها وهو ما يتطابق مع أدواره ومهامه السياسية. أما بالنسبة للإدارة، فقد أصبح من المستعجل بناء إدارة جماعية قوية تتمتع بكفاءات عالية وبتنظيم عصري يسمح لها بأداء مهامها في شروط حسنة بعيدا عن صخب الحملات الانتخابية وتناوب الاغلبيات السياسية. وإن مثل هذا الاصلاح سيمكن لامحالة من معالجة المفارقة التي تميز الوضع على مستوى المدن، والمتمثلة في وجود كفاءات عالية وأجهزة إدارية وتقنية متعددة لا تشتغل دائما بكامل طاقاتها ولا توظف كل قدراتها، هذا في الوقت الذي تعاني فيه إدارة المدينة من خصاص كبير في الكفاءات التي تقتضيها مهامها الحالية والمستقبلية. ثالثا: اعتبارا لكون نظام التخطيط الحضري لم يعد يساير متطلبات التنمية العمرانية وانتظارات الفاعلين والسكان،فإن ما يقترح في هذا الاطار هو تبني التخطيط الاستراتيجي الحضري الذي يفسح المجال لتدبير المدينة في إطار مشروع حضري مندمج. والمشروع الحضري هو أولا رؤية شمولية للتنمية الحضرية على المديين المتوسط والبعيد، وهو أيضا مخطط للتنمية الحضرية وبرنامج عمل يتضمن أوليات ويحدد وسائل الإنجاز والآجال الزمنية المناسبة للتنفيذ. والمشروع الحضري هو عمل تشاركي يتم وضعه على أساس من الحوار والتشاور بين الفاعلين يفضي الى تقاسم المهام فيما بينهم والى التعاقد على إنجاز الاعمال المقررة في إطاره. فالمشروع الحضري إذن هو بمثابة لوحة للقيادة تدرج التنمية في إطار الديمومة وتحول دون عدم استقرار سياسة التدبير الناجم عن تغير النخبة القائمة على الشأن الحضري. ويمكن أن يشكل المشروع الحضري إطارا مناسبا لبناء شراكة وتعاون متينين بين المصالح اللامركزية ومصالح الدولة على المستوى المحلي تلافيا لتضارب الاختصاصات وتداخل المهام وتشتت الوسائل. ويقتضي المشروع الحضري إقرار منظور جديد لوحدة المدينة لا يختزل نفوذها الترابي في حدودها الادارية، بل يدمج الجماعات القروية الضاحوية ومنطقة إشعاعها. وبذلك يصبح المشروع الحضري مشروعا يؤطر منطقة النفوذ الفعلي للمدينة، مجال الحركية البشرية، والديناميكية الاقتصادية والترابية. ويمكن أن يشكل المشروع الحضري والبرامج العملياتية الملازمة له موضوع تعاقد بين الدولة والجماعات المحلية التي تدخل في إطار الخريطة الترابية للمشروع، ونحقق بذلك اندماجا حقيقيا للسياسات والبرامج القطاعية. رابعا: وضع سياسة عقارية جديدة، ذلك أنه في غياب هذه السياسة، حرمت المدن من امتلاك وسائل التحكم في التوسع الحضري، وتشجع كل أشكال العشوائية والفوضى وإفراز بنيات حضرية مشوهة ومختلة أصبحت مصدر قلق وإزعاج وتهديد لاستقرار المدن. لقد انتشرت المضاربات العقارية بشكل لم يسبق له مثيل وتعدد الوساطات والممارسات المشينة، وارتفعت أثمان العقار بشكل يقصي شرائح واسعة ليس فقط من السكان، ذوي الدخل المحدود، بل أيضا قسم مهم من الفئات الوسطى التي أصبحت مهددة في وضعها الاجتماعي داخل المدن،كما أن النشاط الاقتصادي يعاني من تأثيرات هذا الوضع العقاري غير العادي، الامر الذي يقلل من القدرات التنافسية للمدن.لكل ذلك يقترح إجراء إصلاح عقاري جوهري وجريء يفسح المجال للمدينة في تكوين رصيد عقاري عمومي كأداة لضبط السوق العقاري ومواكبة النشاط الاقتصادي وتلبية حاجيات الفئات الاجتماعية التي تعاني من أزمة السكن. إنه إصلاح مركزي لمواجهة الخصاص المالي، وهو استراتيجي بالنسبة لاستشراف المستقبل خاصة وأننا نعلم بأن المدن ستستقبل ضعف ساكنتها الحالية في أفق 25 سنة المقبلة.