أشرنا في عدد سابق ("المغربية"، ليومي السبت والأحد 19 – 20 دجنبر المنصرم)، إلى ما يجمع بين المغرب وإسبانيا من قواسم التاريخ والجغرافيا، وشددنا على معاناتهما معا من النزعة الانفصالية، والاحتلال الأجنبي. وإذا كانت إسبانيا تعاني الأمرين من النزعة الانفصالية، خاصة منها الباسكية، التي تعتمد العنف والإرهاب، منذ حوالي 40 عاما، والتي تستند إلى شعب وافرة مقوماته الوطنية، فإن هذه الدولة الجارة لا تكتفي بالاعتراف بالظاهرة الانفصالية في الصحراء المغربية فقط، بل شكلت المفرخة الرئيسية لها، زمن استعمارها لهذه الأقاليم المغربية، وشكلت، بمعظم أحزابها، وجمعياتها، ووسائل إعلامها، الحاضن الأساس لتلك النزعة، بعد استرجاع المغرب لأقاليمه الجنوبية. لكن مدريد، التي تكتوي، مثل المغرب، بالاحتلال الأجنبي لجزء من ترابها الوطني، تمثله صخرة جبل طارق، ترفض أن تعترف للمغرب بما يشاركها فيه من معاناة الاحتلال الأجنبي، الذي تخضع له مدينتا سبتة ومليلية، والجزر التابعة لهما، وترفض، تبعا لذلك، أن تعترف بحقوق المغرب الشرعية، ونضاله الوطني، من أجل وضع حد للاحتلال. وإذا كانت إسبانيا لجأت إلى فرض حصار خانق على صخرة جبل طارق، الخاضعة للسيادة البريطانية، في الفترة الأخيرة من حكم الجنرال فرانكو، فإن المغرب ما يزال يتجنب، حتى اليوم، ممارسة مثل هذه الضغوط على الوجود الأجنبي في مدينتيه المحتلتين. والمثير للاستغراب، أن انتقال إسبانيا إلى الديمقراطية، والتقدم الكبير، الذي حققته على مختلف المستويات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، لم يقترنا، كما كان مأمولا، بأي تفهم للحقوق المغربية المشروعة، بل، على العكس من ذلك، عشنا ورأينا كيف تراجع العديد من المعترفين بتلك الحقوق، وكيف فضل آخرون صمت القبور. وتبين للجميع أن الكثير من السياسيين لا يؤيدون هذه القضية أو تلك، انطلاقا من طبيعتها المشروعة والعادلة، لكنهم يستخدمونها في مآربهم الخاصة. وهكذا، أيد ساسة إسبانيا مطالب المغرب، ذات زمن، نكاية في الدكتاتورية الفرانكوية، ثم عادوا، بعد ذلك، إلى التنكر لهذه المطالب، طمعا في الأصوات الانتخابية. ووصل أمر هذا الاستخدام لدى الاشتراكيين العماليين، الحاكمين اليوم، إلى تحويل العاهل الإسباني إلى دمية يطوفون بها في المدينتين المغربيتين المحتلتين، عشية الانتخابات التشريعية الأخيرة في إسبانيا، من أجل بضع حفنات من الأصوات. في مقابل هذا التصرف الإسباني ضد الحق المغربي، هل يكون المواطنون المغاربة مذنبين، إذا ما تفرجوا على الإهانات، التي تلحق بإسبانيا على مشارف جبل طارق، وهي تقدم الاعتذار تلو الاعتذار للمحتلين؟