يشترك المغرب وإسبانيا في قواسم ذات أهمية بالغة. ولعل أبرز تلك القواسم، بعد الجغرافية والتاريخية منها، معاناة الدولتين من النزعة الانفصالية، أولا، ومن بقايا الاحتلال الاستعماري، ثانيا. وبدل أن تشكل القواسم المشتركة بين المغرب وإسبانيا أرضية للتفاهم المتبادل، والتعاون القوي بينهما، فإنها كانت، في الكثير من الحالات، مصدرا لتجهمات وابتزازات إسبانية ضد المغرب. وإذا أخذنا قاسم النزعة الانفصالية، التي تعانيها إسبانيا في أقاليم عدة، وفي مقدمتها إقليم الباسك، ويعانيها المغرب في أقاليمه الصحراوية الجنوبية، فإننا سنجد أنفسنا أمام ممارسات إسبانية فاضحة. وهكذا تتصرف مدريد، سواء قادها الحزب الشعبي أو قادها الحزب الاشتراكي العمالي، بحساسية مفرطة، ليس فقط ضد حركة "إيتا" الممارسة للعنف، بل، كذلك، ضد التيارات السياسية، التي تؤيد تلك الحركة. ولعل الزوبعة، التي أطلقتها مدريد في نهاية العقد الماضي، عندما تحدثت جريدة "العلم" المغربية عن إمكانية معاملة المغاربة للإسبان بالمثل، من خلال استقبال ممثلي "إيتا"، ردا على الاحتضان، الذي تتمتع به "البوليساريو" فوق التراب الإسباني، هي تجسيد قوي للقولة الشهيرة "حلال علينا، حرام عليكم". وعندما أشار وزير الاتصال، الناطق الرسمي باسم الحكومة، في العاشر من الشهر الجاري، إلى أن الفرق بين المغرب و إسبانيا، اللذين يعانيان معا النزعة الانفصالية، أن مدريد، لحسن حظها، لا توجد إلى جوارها دولة تؤيد الانفصال لوجيستيكيا، كما هو حال المغرب، فقد فاته، أولا، أن يشير إلى أن الحركة الباسكية تستند إلى مقومات المطالبة بالاستقلال، المتمثلة، أساسا، في وجود شعب، هو الشعب الباسكي، في حين، تفتقد بوليساريو لذلك، وتستند، بدلا عنه، إلى خدمة المصالح الضيقة لحكام الجزائر. وفات وزير الاتصال، ثانيا، أن يشير إلى أن مدريد، في حربها ضد "إيتا"، لا تستفيد فقط من عدم وجود دولة محركة وداعمة للانفصال إلى جوارها، بل تستفيد من وجود دولة إلى جوارها مشاركة، إلى جانبها، في الحرب ضد الحركة الباسكية المسلحة. وكما يعلم الجميع، إن الهزائم المتكررة، التي تكبدتها تلك الحركة، والتراجعات، التي تسجلها في السنوات الأخيرة، والارتباكات الحاصلة في صفوفها تعود، في جانب منها، إلى الدور النشيط، الذي أصبحت تلعبه الأجهزة الأمنية الفرنسية ضد عناصر الحركة سالفة الذكر، التي كانت، في فترة سابقة، تستخدم المنطقة الباسكية الفرنسية بمثابة قاعدة خلفية، وتتمتع بغض بصر تلك الأجهزة عن تحركاتها. بقي أن نضيف أن الإسبان، الذين يواجهون حركة انفصالية راسخة المقومات، لا يكتفون بدعم نزعة انفصالية مصطنعة في أقاليمنا الجنوبية، بل يعود إليهم الفضل الأول في اصطناع تلك النزعة، إبان احتلالهم لتلك الأقاليم.