• رمضان بنسعدون لقد طفح كيل "الديمقراطية" و عم استعمالها في الأونة الأخيرة في ما يشتملها أو يرتبط بها و أغلب أمور حياتنا الفكرية و العقائدية و كذا السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية نصلها بالديمقراطية و كأنها عصا سحرية للحال و المآل .. و الديمقراطية هي أساس ناتج عن فكر و رؤية إغريقية فشلت في تطبيق المضمون و توارثتها الأجيال و ما انفكت تتداول في وقتنا الراهن و إن ثبطت فرص استخدامها بفعل عوامل الاستغلال و الاستقواء الذي اعتمدها الاستعمار البغيض و ما فتئت تعانيه البشرية ، ليس فحسب على مستوى الشعوب بل و حتى في عقر الدار حيث أن رب الأسرة يستبد مع أفرادها كتبع يأتمرون و ينتهون برأيه.. و من خلال الاستخلاص من فهم الديمقراطية نجد أنها سياق أخلاقي ، لا يمكن أن تفسره حريتنا ، بل يلتزمه كل إنسان تجاه أخيه الإنسان بالدفاع عن حقوقه و التمكين منها لا مندوحة دون الوصول إليها و بذل السبل لتذليلها و تيسيرها لا منعها و تعسيرها .. و يبدو أن العالم عقب الحربين المدمرتين انشطر إلى قسمين أغنياء متجبرين و فقراء متذمرين ، و يرى عارفون بأن الغني و الفقير و القادر و الضعيف خليط متداخل يتعذر فصله و رسم خريطة على مقاس شمال /جنوب و شرق/غرب لأهداف سياسية و اقتصادية لفئات بعينها.. و كما هو معلوم ، فإن عالمنا العربي يعتبر من أغنى مناطق العالم و أثراها نفطيا، معدنيا ، غذائيا وطبيعيا ، لكن على النقيض من ذلك ، فإن عقولنا متحجرة بالفقر و إرادة قادتنا و مثقفينا و علمائنا يعتريها التراخي و اللاوعي و أصبحت مجتمعاتنا تتسم بالأنانية المفرطة و الشهوات النهمة .. و يبدو أن معضلتنا الأساسية تتجلى في السيطرة على مواقع السلطة و المقتصرة في مجملها على فئات بعينها و التي تحتجب بالقهر و القوة دون أن يصل إليها الآخرون .. لذلك تتبخر مضامين قواعد الديمقراطية و ينعدم الانضباط و المصداقية و المشاركة الفعلية المثمرة .. و عقب الحرب العالمية الأمريكية على ما يسمى الإرهاب على أفغانستان و العراق في بداية الألفية الثالثة كان لأزمة النفط الأثر البالغ و التي عصفت باقتصاد العالم برمته ، و الطرف الأكثر تأثيرا و تأثرا في خضم هذه الأزمة ، العالم العربي الذي يتوفر على أكبر احتياط نفطي عالمي ، فالأزمة الاقتصادية العالمية الحالية خلقتها عيون الإمبريالية الغربية الشاخصة على مقدرات العرب و تكالبها على نهب ثرواتهم و لن يجد لها كل الساسة و الفلاسفة حلولا أبدا بالرغم مما يبذلونه من مجهودات و التي تذهب كلها أدراج الرياح من وجهة نظري إلا بمخرج و منفذ الانعتاق ما للبلاد العربية من ثروات هائلة و إمكانات يشوبها التعطل بسبب الليبرالية المتوحشة ، يتعين استغلالها في التنمية و الاستثمار في العالم قاطبة لتوفير مناخ الأمن و الاستقرار و السلم العالمي في وقت أن الإيمان بالديمقراطية يستوجب احترام إرادة الشعوب في سلطتها على مقدراتها ..دون استئصال أو إقصاء لأي إنسان على وجه البسيطة بالتزام الأخلاق في التعامل مع الآخر بمرونة و تفاعل يكيف الإنسان مع من حوله بالتضامن و حسن التقدير و نبذ النظرة الضيقة و التعصب المقيت و اعتماد قيم الحرية و العدل و الاحتكام أكثر للمنطق و العقل و التحصن بالضمير .. فإذا نبشنا في بطون التاريخ نجد أن العرب كانوا في طليعة مصلحي البشرية و روادا في التحضر و التنوير و انتشل مبعوث العناية الإلهية الإنسانية (ص) من دياجير و أغلال الجهل و كان الفاروق عمر بن الخطاب أخذ شهادة تقدير من أحد سفراء كسرى للبحث في سيرته فوجده نائما تحت شجرة و العرق يتصبب من جسده و هو ملفوف في عباءة فقال له عدلت فنمت .. و بفضل التجليات الأخلاقية للديمقراطية يمكننا في وقتنا الراهن إزالة ما يثقل على كاهلنا من مثبطات و معضلات عويصة .. فإن الديمقراطية بالتزامها الأخلاقي ليس مجرد لفظ فحسب بل هي فكر و فعل يجسده التناصح و التكافل و التسامح علاوة على إيجاد أرضية مشتركة بين الجميع من المودة حتى يجد الإنسان الألفة مع أخيه الإنسان و يكون على خلق عظيم اقتداء برسولنا الكريم الذي بعث للعالمين ليتمم مكارم الأخلاق..