تعد معركة لهري، بإقليمخنيفرة، من المعارك الكبرى في تاريخ المغرب إبان الاحتلال الأجنبي، إذ بعد أشهر من بسط الجيوش الفرنسية لنفوذها على مدينة خنيفرة، وتحت الهجومات والضربات الموجهة إليها من طرف المقاومين، لم تتوقع أن تتكبد كل تلك الخسائر في الأرواح والعتاد بمعركة لهري، حيث سقط أكثر من 680 قتيلا، بينهم 33 ضابطا، وقائدهم الكولونيل لافيردور، علاوة على أزيد من 170 جريح، بينما غنم المقاومون أسلحة وذخائر حية كثيرة، وهي الهزيمة التي لم تستطع السلطات الفرنسية إذاعتها عبر وسائل الإعلام خوفا من تقهقر في معنويات الجيوش الفرنسية المشاركة آنذاك في الحرب العالمية ومن غضب الشارع الفرنسي. خلد قدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير بخنيفرة، يوم الجمعة 13 نونبر 2009، الذكرى 95 لمعركة لهري، وحضر الاحتفال المندوب السامي الدكتور مصطفى الكثيري، وعدد كبير من قدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير، وشخصيات عسكرية ومدنية ورؤساء مصالح إدارية ومنتخبون وفعاليات من المجتمع المدني وحشد من المواطنين، وقد تميزت المناسبة هذا العام بتقديم مشروع بناء فضاء المقاوم والمتحف الإقليمي للمقاومة وجيش التحرير بخنيفرة، وإعطاء انطلاقة أشغال بناء نصب تذكاري بساحة الشهداء والاطلاع على سير أشغال حديقة 20 غشت، ثم إطلاق اسم 13 نونبر على الإعدادية الجديدة بمركز لهري، قبل القيام بزيارة جماعية للمعلمة التذكارية التي تخلد لمعركة لهري، حيث تم الترحم على أرواح شهداء المعركة والاستقلال، لينتقل الجميع إلى المهرجان الخطابي الذي افتتح بكلمة النيابة الإقليمية للمندوبية السامية لقدماء المقاومين وجيش التحرير، ورئيسي المجلس القروي للهري والمجلس الإقليمي، وبكلمة لعضو من المجلس الوطني لقدماء المقاومين، حيث استحضر جميعهم ما حققته المقاومة في معركة لهري من ملاحم تحريرية وما ساهمت به المنطقة والقبائل الزيانية من انخراطات في جميع المحطات التاريخية الكبرى، ومن مقاومين وشهداء فضلوا الاستشهاد على الاستعباد. الدكتور مصطفى لكثيري، المندوب السامي لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير، اعتبر في التجمع الخطابي «أن إحياء الذكرى يظل وفاء حقيقيا لرجال ونساء المقاومة الذين جسدوا أبهى صور الصمود في وجه المحتل الأجنبي، كما أنها تؤرخ لصفحات من النضال الوطني الذي خاضه أبطال أشداء تصدوا بأنفة وشجاعة لجيوش غازية معززة بأسلحة متطورة»، وقال «رغم اختلال التوازن استطاع المجاهدون بإمكانياتهم البسيطة دحر القوات الاستعمارية وتكبيدها أفدح الخسائر»، مستعرضا «يوم هبت قبائل زيان للدفاع عن حرمة وحوزة هذه الربوع المجاهدة وعزة الوطن وكرامته»، ومن هنا لم يفت المندوب السامي التذكير بالمكانة التاريخية التي تحتلها ملحمة معركة لهري ضمن سجل تاريخنا المغربي، وما حققته من بطولة خالدة في مواجهة التوسع الأجنبي ومخططاته الاستعمارية، مضيفا، المندوب السامي، أن تخليد هذه الذكرى يعتبر أيضا محطة تتعرف من خلالها الأجيال على ملاحم السلف وتتزود بقيم المواطنة الإيجابية وروح الاعتزاز بالانتماء للوطن، ليستدل المندوب السامي بشهادات اعترف فيها بعض القادة الفرنسيين بالهزيمة الثقيلة التي تكبدتها جيوشهم الاستعمارية في هذه المعركة، وبشجاعة المقاتل الزياني الذي قالوا في حقه، ومنهم الجنرال جيوم، بأنه محارب لا نظير له على خلفية شجاعته النادرة واستخفافه بالموت وهيامه الفطري للاستقلال وكراهته الغريزية لكل توغل أجنبي، وجيوم هو واحد من الفرنسيين الذين شاركوا في الحملة على قبائل الأطلس المتوسط في مؤلفه: «البربر المغاربة وتهدئة الأطلس المتوسط (1912 / 1939) والذي اعترف فيه قائلا «لم تمن قواتنا قط في شمال إفريقيا بمثل الهزيمة المفجعة بمعركة لهري». إلى جانب ذلك توقف الدكتور مصطفى لكثيري للحديث عن البطل الشهيد موحى وحمو الزياني الذي تمكن بفطرته وحكمته توحيد صفوف المجاهدين والرفع من معنوياتهم إلى أن استطاعوا كسب المعركة وإرباك حسابات المستعمر ورهاناته الرامية للسيطرة على هذه الربوع من الوطن، مشيرا لما كانت تشكله خنيفرة لدى السلطات الاستعمارية بوصفها القلعة والحصن العنيد باعتراف المارشال ليوطي نفسه، وفي هذا السياق أشار المندوب السامي إلى ظروف معركة لهري وما سبق ذلك من إجراءات استعمارية كإسناد مهمة التكلف بالمنطقة إلى الجنيرال هنريس الذي نهج في البداية سياسة الإغراء والمجاملة تجاه موحى وحمو الزياني الذي فطن لهذه المؤامرة، وبعدها اختار الجبال هو ورجاله حيث تحين الفرصة لمباغتة الجيوش الفرنسية بقرية لهري، ثم بمواقع مختلفة حيث ظل مقاوما صامدا إلى يوم استشهاده بمعركة تاوجكالت في مارس من عام 1921 أثناء مواجهة مع فيلق عسكري يقوده بول بويميرو. المندوب السامي أشار بالمناسبة لمقاومة المرأة الزيانية التي قدمت بدورها الكثير من الخدمات للمقاومة، سواء بالمشاركة في الجهاد أو الإسعاف وإعداد الطعام والماء للمقاومين ونقل الأسلحة خفية لهم، وأي شخص هرب من المعركة كن يقمن بتلطيخ ثيابه بالحناء لتمييزه عن الشجعان والتقليل من رجولته بين الناس، ذلك قبل توقف المندوب السامي عند أوراش الحداثة والديمقراطية والتنمية التي يراهن عليها المغرب الجديد، ليتحدث عن الوحدة الترابية ومناورات الخصوم، وعن الثوابت والمكتسبات التي حققها الشعب المغربي، مذكرا في هذا الصدد بما ورد بمضامين الخطاب الملكي الملقى بمناسبة ذكرى المسيرة الخضراء. وفي معرض حديثه عن الاتفاقية التي جرت بين مندوبيته ووزارة فرنسية تعنى بشؤون قدماء المحاربين من أجل استنساخ الوثائق التي تؤرخ لتاريخ المغرب إبان الحماية، أشار الدكتور مصطفى الكثيري إلى وجود عشرات الآلاف من هذه الوثائق الهامة التي تهم مناطق كثيرة من بلادنا ومنها منطقة خنيفرة أساسا، وفي هذا الإطار تحدث عن اكتشاف وثيقة من 16 صفحة كان الماريشال ليوطي قد رفعها للإدارة العسكرية الفرنسية آنذاك بخصوص ظروف معركة لهري، حيث حمل فيها مسؤولية هزيمة جيوشه للقائد العسكري لافيردير، قائلا لو لم يتوفى هذا القائد في المعركة لكان يستحق المثول أمام المحكمة العسكرية ومعاقبته بقوة على مغامرته المتمثلة في زجه بالجيوش الفرنسية في معركة خاسرة. وقد تخللت المهرجان مراسيم تكريم ستة مقاومين (المرحوم عبدالقادر خطير، أحمد منشي، امحمد أعراب، امحمد سحامي، بابوت شي، ويوسف وابا) ألقيت في حقهم كلمة مؤثرة تمت الإشادة فيها ببطولاتهم على طريق التحرير، وبينما سلمت لهؤلاء المكرمين لوحات تقديرية تم توزيع إعانات ومساعدات مالية على أفراد من قدماء المقاومين وجيش التحرير وأراملهم بالإقليم. مشروع بناء المتحف الإقليمي للمقاومة يشار إلى أن الدكتور مصطفى الكثيري كان قد أشرف بمقر عمالة إقليمخنيفرة، خلال الأسبوع الأول من مارس الماضي، على حفل اتفاقية الشراكة لبناء هذا المتحف، واعتبر المشروع بالرسالة النبيلة الحاملة للمبادئ والوطنية الصادقة وهدفها تعريف الأجيال بإرثها التاريخي وذكرياتها الوطنية، ومن هنا جاءت اتفاقية الشراكة والتعاون بين المندوبية السامية وعمالة الإقليم والمجلس الجهوي والمجلس الإقليمي والمجلس البلدي وجماعات قروية أخرى (أم الربيع، أكلمام أزكزا، تغسالين، موحى وحمو، وأجلموس) لبناء المشروع. والفضاء المتحفي ذات غلاف مالي يناهز 200 مليون سنتيم، يرمي، حسب نص الاتفاقية، إلى صيانة الذاكرة الوطنية، وعرض الوثائق التاريخية والمخطوطات والتحف والصور والأدوات والمعدات من الأسلحة والألبسة والأشياء التي جرى استخدامها إبان فترة الكفاح الوطني والمقاومة، ومن المقرر أن يحتوي المتحف على قاعات للمطالعة وخزانة للكتب والمؤلفات تاريخية، وفضاء للتواصل وللاجتماعات والتكوين والتأهيل ومرافق إدارية وصحية، وقد أعطيت للمندوب السامي وعامل الإقليم، والوفد المرافق لهما، شروحات حول المشروع الذي سيبنى على مساحة حوالي 280 متر، وسَيُزين مدخله بثلاثة أعمدة ترمز للملوك الثلاثة وهلال يرمز للقمر الذي كان المقاومون يرون فيه محمد الخامس، أما بساحة الشهداء الواقعة بقلب المدينة فسيتم بناء نصب تذكاري يعطي للساحة هوية الاسم الذي ظلت تحمله منذ سنوات، وقد اطلع الحاضرون على شكل هذا النصب، ووضعت حجر أساسه بحديقة مقابلة للساحة، والتي أطلق عليها اسم 20 غشت، حيث لم يفت عامل الإقليم أن يقول للمندوب السامي في حديث خاص بأن المغزى وراء اختيار هذا المكان هو أنه الفضاء الذي كان المظليون الفرنسيون ينزلون فيه قبل أن يأخذ المقاومون في التصدي لهم، كما أنه كان من بين الساحات التي اختارها الوطنيون ليوم انتفاضة 20 غشت المجيدة.