أعلن الجيش السريلانكي أن فيلوبيلاي براباكاران مؤسس وقائد حركة «نمور تحرير تاميل أيلام» قد لقي مصرعه رميا بالرصاص، وهذا يمكن أن يمثل ضربة قاصمة ونهائية لهذه الحركة المتمردة، بعد يوم واحد من اعترافها بالهزيمة في حربها ضد الحكومة، التي تعتبر واحدة من أطول الحروب التي شهدتها القارة الآسيوية. لعقود طويلة لعب «براباكاران» القائد الكاريزمي، دوراً محورياً في المطالبة بوطن قومي مستقل لأقلية التاميل العرقية في الجزيرة، وفي بناء قدرات جناحها العسكري «نمور التاميل». «براباكاران» كان القائد الأعلى لحركة نمور التاميل، ومعبودها، وأيقونتها. ومن دونه فإن الحركة لن تكون أبداً مثلما كانت عليه من قبل، هذا ما قاله «ناريان سوامي» المقيم في العاصمة الهندية، وكاتب السيرة الذاتية غير الرسمية ل«براباكاران» والمعنونة :«برابا كاران : عقل مراوغ». ويُعتقد أن «براباكاران» واثنين من كبار مساعديه هما «بوتو أمان» رئيس استخبارات الحركة و«سوساي» قائد جناح نمور البحر، وابن براباكاران الأكبر «تشارلز أنتوني» قد لقوا حتفهم في كمين نصبته قوة من الجيش الحكومي، وذلك أثناء محاولتهم الفرار في سيارة أسعاف من منطقة الحرب الواقعة في شمال شرقي الجزيرة. ويشار إلى أن «براباكاران» كان قد أنشأ الحركة عام 1970 كرد فعل على التمييز الذي كانت تتعرض له أقلية التاميل على أيدي السنهاليين الذين يشكلون أغلبية سكان الجزيرة. وعلى مدى ثلاثة عقود تقريباً، خاضت الحركة قتالا ضارياً ضد قوات الجيش السريلانكي من أجل إنشاء وطن قومي مستقل للتاميل - أو تاميل إيلام، في شمال وشرق الجزيرة. من أجل تحقيق هذا الهدف طور «براباكاران» كوادر مقاتلة حسنة التدريب، وجناحا بحريا، وقوة جوية تتكون من عدد محدود من الطائرات الخفيفة لتكون حركة نمور التاميل بذلك القوة المتمردة الوحيدة في العالم التي تضم الأفرع العسكرية الثلاثة. وشنت الحركة التي صُنِفتْ ب «الإرهابية» من قبل 32 دولة من دول العالم المئات من الهجمات الانتحارية، كما نفذت عمليات اغتيال لأي شخصية سياسية تعترض طريقها كان من أهمها الرئيس الأسبق «راناسينجي بريماداسا» عام 1993، ورئيس وزراء الهند الأسبق «راجيف غاندي»، الذي استهدفته الحركة لإرساله جنود هنود للمشاركة في جهود السلام عام 1987 قبل أن ينتهي بهم الأمر في النهاية إلى الانخراط في صراع مفتوح ضد المتمردين. ومساعدو «براباكاران» يثنون على إخلاصه للقضية، الذي تبدى كما يقولون إنه في محادثات السلام التي تمت في التسعينيات، وفي عام 2002 قد رفض التنازل أبدا عن حق التاميل في وطن قومي. بيد أن «براباكاران» تعرض لاتهام من قبل الحكومة السريلانكية بأنه قد استغل فترة الهدوء التي أتاحتها مباحثات السلام في تعزيز قدراته العسكرية، وهو اتهام أيده مساعده السابق «فيناياجامورثي ميوراليثاران» المعروف باسم العقيد «كارونا أمان»، والذي فر من الحركة وانضم لصفوف الحكومة. بعد انهيار مفاوضات السلام مع نمور التاميل عام 2006، جعل الرئيس «ماهيندا راجاباكسي» من القضاء التام على حركة نمور التاميل أولويته الأولى؛ وعمل من أجل ذلك على رفع الميزانية العسكرية لسريلانكا إلى 1.7 مليار دولار للعام المالي 2009، أي ما يعادل خمسة بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي، كما كثف من عمليات التجنيد في مختلف أنحاء الجزيرة ، وأعاد للخدمة العسكرية جميع الهاربين من الحرب بعد أن عفا عنهم إذا ما هم عادوا إلى الخطوط الأمامية للقتال. بعد مصرع «براباكاران»، فإن التحدي الرئيسي الآن، كما يقول المحللون، هو العمل من أجل التوصل إلى تسوية متفاوض عليها لأقلية التاميل في سريلانكا التي تشكل 18 في المئة من إجمالي السكان، والتي يزعم نمور التاميل أنهم يحاربون من أجلها. يشرح «بايكياسوثي سارافاناموتو» المدير التنفيذي ل«مركز البدائل السياسية» ومقره كولومبو ذلك بقوله: «المعركة العسكرية من الحرب سوف تنتهي عما قريب وسوف تدخل سريلانكا بعدها مرحلة ما بعد الصراع... ويجب علينا الآن البدء فورا في العمل من أجل منح التاميل فضاء سياسيا». ويشار في هذا السياق إلى أن الحكومة السريلانكية لم تعلن خطتها المتعلقة بتحقيق تلك التسوية المتفاوض عليها مع التاميل. ويقول «جايديفا يايانجودا» رئيس قسم العلوم السياسية بجامعة كولمبو إن «أقلية التاميل لن تتمكن من تقييم أين تقف، وطبيعة ومدى الفضاء السياسي المتاح، والشكل الذي ستأخذه العملية السياسية، إلا بعد أن ينقشع غبار المعركة التي أدت إلى الهزيمة العسكرية للحركة». في نفس الوقت لا تزال الكارثة الإنسانية في سريلانكا تثير قلق المجتمع الدولي، حيث يشار في هذا الصدد أن 250 ألف شخص قد فروا من منطقة القتال منذ يناير الماضي، 25 ألفا منهم منذ منتصف مايو الحالي فقط. ويقول السيد «سارافاناموتو» إنه لا يزال هناك الكثير من القلق بشأن ما إذا كانت سريلانكا تمتلك الإمكانات التي تتيح لها معالجة تدفق هذه الأعداد الهائلة من النازحين». ودعا الاتحاد الأوروبي يوم الاثنين الماضي إلى إجراء تحقيق مستقل في جرائم الحرب التي زُعم أنها قد ارتكبت من قبل الجانبين خلال الأشهر الأخيرة من القتال. كما لا تزال هناك تساؤلات بشأن قدرة الأعداد المتبقية من المتمردين على شن تمرد «منخفض المستوى» في سريلانكا. يعلق «سارافاناموتو» على هذا التساؤل بالقول: «حتى إذا ما كان لدى تلك القوات القدرة على شن مثل هذا النوع من التمرد، فإنني اعتقد أنها لم تعد قادرة على تشكيل تهديد واقعي بعد أن تم القضاء على القيادات العليا للحركة في المعارك الأخيرة». > عن «كريستيان ساينس مونيتور» ضمن هذا السياق المؤسف الذي نلاحظه حال متابعة أية نشرة للأخبار، يأتي الحديث عن حوار الأديان، وهو حديث طيب بقدر تعلق الأمر بأهدافه السامية التي تتبلور في رؤيا إنسان «معولم» قادر على أن يحيا مع سواه من البشر دون ملاحظة الفروقات الدينية أو المذهبية، كدافع للعداء أو للإرهاب والجريمة. ومع هذه الرؤيا السامية ينبغي أن نباشر عدداً من الأسئلة المهمة، ومنها: ما معنى حوار الأديان، وماهي الأديان التي ينبغي أن تدخل الحوار الآن؟ من يحاور من؟ ما الهدف النهائي لمثل هذا الحوار؟ أول ما يقفز إلى رأس المتأمل في مثل هذه الأسئلة هو أن مثل هذا الحوار ينبغي أن يقوده رجال الدين الذين يمثلون كل معتقد أو نظام روحي. وللمرء أن يتوقع أن مائدة حوار، إذا ما فرشت اليوم، ستكون مثالا للمحبة والتعايش والأواصر المشتركة، خاصة إذا ما عقدها كبار رجال الدين من أديان متنوعة. وقد حدث مثل هذا النشاط عبر التاريخ، كما هي عليه الحال في «برلمان الأديان» الذي عقد في مدينة شيكاغو في القرن التاسع عشر، على هامش معرض شيكاغو التجاري، إذ تمكن المضيفون الأميركان من استقدام عدد من رجال الأديان الكبرى من آسيا وأفريقيا وأوروبا للجلوس سوية وللقيام بمناظرات دينية أمام الجمهور الأميركي. كما أن حواراً آخر شبيها قد حدث في نفس القرن بين الطوائف الإسلامية، برعاية وتنظيم الوالي العثماني في بغداد، وقد سمي الاجتماع ب«مؤتمر النجف» الشهير الذي أرخ له العلامة الراحل الأستاذ علي الوردي في أحد مجلدات (لمحات اجتماعية من تاريخ العراق الحديث). ولكن يبقى السؤال قائماً: هل تمكنت هذه الأنشطة من تجاوز تفاهمات رجال الدين كي تشيع مفاهيم المحبة والتعاون بين سواد الناس من أتباع الأديان المختلفة؟ جميع الأديان تدعو إلى التسامح والمحبة والتعايش في جوهرها. إلاّ أن الاختلاف يأتي من الجهلة الذين يركبهم شبح التعصب والعصبية درجة الانجراف في تيار الكراهية والضغينة. إن عصراً ذهبياً للتنوع والتعايش الديني كان قد تحقق في بغداد العباسية عبر العصر الوسيط، إذ اجتمع في هذه المدينة الكوزموبوليتانية أتباع مختلف الأديان تحت مظلة الإسلام المتسامح، باحثين عن لقمة العيش وعن فرص التفوق والإبداع، بالرغم من أن غير المسلمين كان يتوجب عليهم ارتداء ملابس خاصة تفرقهم عن عامة المسلمين. وقد كان «بيت الحكمة» العباسي أنموذجاً لهذا التعايش، إذ أنه كان يضج باليهود والمسيحيين وحتى الزرادشتيين والمجوس والهندوس من مترجمين وأطباء وعلماء وفلكيين تحت خيمة الخليفة العباسي المأمون الذي كان يهدف من وراء توظيفهم الإفادة من علوم الأعاجم وغيبيات الجميع على طريق بناء واحدة من أرقى حضارات التاريخ، الحضارة العربية الإسلامية.الآن نلاحظ ثمة يقظة للتعصب الديني والفرقي والفئوي، وهي من نتائج التنافسات السياسية التي تقود دوماً إلى سيادة قانون «فرق تسد» من خلال توظيف التعامي المتعصب للتنافس بين الإنسان والإنسان، المعتقد والمعتقد. إنه عصر يقظة الولاءات الصغيرة والمجهرية التي تبقي القوي قوياً والضعيف ضعيفاً إلى ما لا نهاية. * أستاذ محاضر في جامعة ولاية أريزونا > عن «منبر الحرية»