للعنوان دور كبير في جلب القارىء، فالعنوان الجميل الجذاب يمثل دعوة مُلِحّة للقارىء المتردد كي يتخطى عتبة المقال ويتجول في ممراته وغرفه، ويختمه في جرعة واحدة. وتماما مثل العنوان الجذاب، فإن العنوان العادي ولا نتحدث عن الرديء له مفعول سلبي بحيث يُنفر القارىء ويدفعه إلى البحث عن الجودة في آفاق أخرى. لهذا، فإن كثيراً من المهنيين يعترفون بأنهم يبذلون من الوقت والجهد الذهني في بعض الأحيان في البحث عن عنوان جيد، أكثر مما يبذلونه في المقال نفسه. والعناوين أنواع، منها العنوان الإخباري أي العنوان الذي يختصر الخبر ويختزله للقارىء المتسرع أو العنوان الاستفهامي، أي الذي يطرح سؤالا لجلب القارىء الذي يفترض أن يجد الجواب عنه في ثنايا المقال... وهذه العناوين جميعها تشترك في غاية واحدة هي إثارة فضول القارىء وجلبه لقراءة المقال. غير أن هذه الغاية ليست مبرراً لركوب واستخدام أي وسيلة. فليس من المهنية في شيء أن نختلق عناوين خادعة لا تعكس محتوى المقال. كأن يكون عنوان المقال مثلا: «كيف تسللت الشرطة داخل العصابة الإجرامية»، مما يوحي بأن رجال الشرطة راودتهم شكوك حول نشاط إجرامي ما كما في الأفلام البوليسية فكلفوا أحدهم بالتسرب داخل العصابة، وتم ضبطها بعد ذلك متلبسة؛ ثم تكتشف بعد إنهائك المقال - أن العصابة سقطت بالصدفة، وأنه لم يكن هناك أي تخطيط أو تسلل داخل الشبكة الإجرامية. ومن حسن حظنا داخل جريدة «الاتحاد الاشتراكي» أننا لا نلجأ أبداً لمثل هذه العناوين الخادعة، التي تُعدُّ نصباً على القراء. لكن هذا لا يحول بيننا وبين السقوط في أخطاء العنونة. فمن الأخطاء التي نقترفها في العَنْونَة، هي اللجوء إلى العناوين الإخبارية التامة، فإذا كان التقرير الإخباري الذي ننشره يتوفر على ثلاثة عناصر إخبارية مثلا، فإننا نجد هذه العناصر الثلاثة في العنوان وكأننا مجبرون على أن نُخْبر القارىء منذ العنوان بما سيقرأه في الخبر المفصل، والحال أن كثيراً من القراء يكتفون بالعنوان، ثم يمرون مراً كريما إلى العنوان الذي يليه. وهذا الخطأ في تصورنا للعنوان (باعتباره إخباراً أمينا لما سيليه) يدفعنا الى خطأ آخر وهو التطويل في العنوان، مما يرهق عين القارىء منذ البداية، فالعنوان الذي يتضمن عشرين كلمة (وكثير من عناويننا بهذا العدد) ليس عنوانا جذاباً بالمرة. فالعنوان مثل المرأة، كلما كشفت عن نفسها كل ما قَلَّت جاذبيتها. لذا، فإن العنوان الجذاب هو العنوان الذي ينشر حوله منطقة ظلال غامضة تحفز فضول القارىء وتدفعه إلى الاستزادة. والعَنْونَةُ والحق يُقال ليست بالأمر السهل ولا اليسير، بل إنها فن قائم الذات، لذلك، فإن عناوين جريدة ما تشكل ملمحا خاصا من ملامح شخصيتها، لدرجة أن القارىء المتمرس يستطيع أن يميز العناوين عن بعضها فينسب كل عنوان الى جريدته. لذلك، أنشأت بعض الصحف منصباً جديداً ضمن طاقمها التحريري، هو منصب «المُعَنْوِن» ومهمته هي مساعدة رئاسة التحرير ، حيث يقرأ المقالات ويضع لها عناوين تتمتع بالجاذبية والاستفزاز والتحفيز، وهي مهمة إبداعية بالدرجة الأولى. وحتى في الصحف الكبرى، فإن هناك مُعَنوِنين ناجحين ومتميزين (كما في جريدة ليبراسيون الفرنسية) وهناك معنونين عاديين. بيد أننا، في جريدة »الاتحاد الاشتراكي« وفي انتظار خلق منصب «المعنوِن» لابأس إن بذل محررونا مجهوداً إضافيا، لانتقاء عناوين أقل طولا وأكثر جاذبية.