"فتحتها عليك"(1)،عنوان ديوان شعر الشاعرة المغربية وداد بنموسى. يقع الديوان في(86) صفحة، ويضم (30) قصيدة متوسطة الحجم، وهي أشعار "مزدوجة اللسان" للشاعرة، كما يضم الديوان نصا موازيا مترجما إلى اللغة الفرنسية من توقيع الناقد و المترجم المغربي "عبد الرحمن طنكول" ، وتمتد القصائد على مساحة شعرية/ تعبيرية تتعالق وتتجاور بتشكيل فوتوغرافي دال. في دلالة العنوان قبل بداية الحديث عن العالم الشعري للشاعرة وداد بنموسى، ، نرى أنه من الضرورة المنهجية الوقوف قليلا عند دلالة العنوان، لأنه لا يمكن النظر إلى المتن الشعري بعيدا عن العتبة، نظرا لما تشكله هذه الأخيرة من حضور رمزي ودلالي داخل المتن الشعري والإبداعي على نحو عام. لعل أول سؤال يتبادر إلى ذهن قارئ هذا المتن هو: ما دلالة هذا العنوان ؟ قبل ذلك، سنسمح لأنفسنا بالوقوف عند دلالة كل كلمة على حده وننتقل بعد ذلك إلى دلالة العنوان ككل. أولا/ دلالة العنوان. يلاحظ القارئ أن العنوان يتكون من كلمتين هما: فتحتها: فعل ماض،التاء ضمير متصل فاعل، والهاء ضمير متصل في محل نصب مفعول به. عليك: جار ومجرور. جاء في المعجم العربي الأساسي، أن فتح يفتح فتحا فهو فاتح: الباب والصندوق ونحوهما: خلاف أغلقهما. ويقال أيضا: فتح له قلبه، بمعنى باح بسره له، وثق به فأطلعه على سره (2). أما، عليك، فيقصد بها ضمير أنت، أو لك. غير أن هذا الضمير في المتن الشعري، سرعان ما يأخذ لنفسه ضميرا متعددا حسب نوعية الحضور والوظيفة. إن العنوان الذي تقترحه علينا الشاعرة وداد بنموسى، ينهض على لغة استعارية بعيدا عن لغة الشعر العادي ، وذلك بخرقه للمعيار، وهو ما يعني أساسا أن هذا الاقتراح لم يكن وليد الاعتباطية، بقدرما كان مبنيا على سبق جمالي و فني. وبناء عليه نتساءل: ألا تشكل هذه السمة الدالة على كون جمالي، أفقا للقصيدة يراهن عليه الشاعر/ة الحقيقي إبداعيا ؟ إن المتأمل للعنوان، يدرك جيدا أن حرف " الهاء" هنا يحيل على النافذة. وهكذا، وفي حال قيامنا بعملية تركيبية لهذه المعاني نخلص إلى الدلالة العامة للعنوان، التي تفيد بأن الأمر يتعلق بفتح للإحساس والبوح على: الآخر/ بضميره المختلف وإحالاته الثقافية المتنوعة بما في ذلك الأمومة. العالم/ بمحيطاته الداخلية والخارجية. الحياة/ من خلال الوجود، الكينونة. القارىء/ المزدوج اللسان. قصائد للشعر/تجمع بين لغة مزدوجة اللسان و تشكيل من الصور الفوتوغرافية. بمعنى آخر، فإن الشاعرة تريد أن تشعرنا عبر عنوانها إلى أن الأمر لا يتعلق بعميلة فتح نافذة أونوافذ ما، بقدر م يتعلق الأمر بفتح جسور للتواصل والحوار مع محيطات خارجية وأخرى داخلية يقوم على الصفاء والمكاشفة. والحقيقة أن هذا التواصل الحواري ببعده الرمزي إنما يضمر من ورائه واجهة أخرى للتواصل مع الكينونة، و سؤال الوجود الإنساني للذات الذي لا يتحقق ويتوحد بالعالم إلا من من داخل لغة الشعر. في الكتابة والتجربة هل يمكن الحديث عن كتابة شعرية ناجعة بعيدا عن تجربة الحياة؟ إن الحياة هنا لا يقصد بها وجهها المادي المتعارف عليه، وإنما يقصد بها أساسا التوغل في الروح و فهم معانيها الغابرة ، والوقوف بين مجاهلها والاستماع إلى نبضاتها وتردداتها، واستيعاب فلسفتها. تقول الشاعرة: البلاد التي أوتك روحي/البلاد التي منها ارتويت:جسدي/ البلاد التي هي أنت(3). إن الشاعرة "وداد بنموسى" واحدة من الشواعر المغربيات اللواتي كثيرا ما يتوغلن في كتاباتهن بعيدا عن السائد ويسافرن في الزمن وبين أحراش الحياة بعين إبداعية راصدة ومواقف شعرية تنتصر للإنساني. و لعل القارىء لتجربتها الشعرية التي عرفت انطلاقة ناجحة منذ وقت مبكر، يدرك معنى الكثافة التي تميز هذه التجربة عن باقي التجارب الأخرى المجايلة لها في الزمن الشعري المغربي، كما يدرك معها أيضا المعنى الحقيقي الذي قام الشعر من أجله، نقصد المعنى الذي كثيرا ما يأتي قويا ومدمرا وصادما في بعض الأحيان. في المتن الشعري يتكون ديوان الشاعرة وداد بنموسى من (30) قصيدة جاءت على النحوالتالي: مثل قطرة الروح/حول ناره/مرآة/رأيت كل ذلك/شجرة حب/حكايا الجدار/مطر الحيرة/العازفة/ في شتات/اللعوب/ خريف النافذة/إلى أن قال/ بين موتي وحياتها/حنو/ريح غيور/شبيهي/رؤيا/خيانة/ نافذة على القلب/ غمزة/ شهوة الشمس/قسوة/ درس/ حالة/كأنها تعشق/غضبة/قالت لي وردة/حزن النوافذ سيزهر في ضفاف. هل يمكن اختزال العالم الشعري للديوان في موضوعة النافذة ؟ إن القارىء ل "فتحتها عليك"يلاحظ أن نصوص المجموعة الشعرية تتوزعها موضوعات مختلفة، ولعل أبرز هذه الموضوعات موضوعة النافذة، لكنها جميعها أي الموضوعات تتناول قضايا إنسانية ووجودية من داخل أسئلة الحياة. وهكذا فمن موضوعة الأمومة إلى الطفولة والموت والحياة، ثم من القسوة يمكن الوقوف عند موضوعة الخيانة والجنون وموضوعات مرافقة من قبيل: العزلة والحنو والغضب والبوح وباقي الموضوعات الأخرى التي تثير اهتمام المتلقي وتجعله يغوص بعيدا مع هذه العوالم ذات الارتباط الوثيق بالحياة الإنسانية. و لعل الحديث عن هذه الموضوعات يدفعنا إلى الوقوف عند سمات كثيرة يحبل بها ديوان" فتحتها لك". ولعل أبرز هذه السمات سمة "التشابه"، ففي كثير من الأحيان يخلص القارىء إلى أن هذا التشابه يطرح هو الآخر جملة من الأسئلة النقدية. وعلى سبيل التمثيل يمكن الإشارة إلى التشابه القائم بين الذات والنافذة والنافذة والعالم، وبين النافذة والقلب والحنين، وجميع النوافذ والصور الفوتوغرافية المرافقة في الوقت الذي تستمد في هذه الأخيرة عناوينها من القصائد المكونة للديوان. فالنافذة بهذا المعنى، لعوب وساحرة أحيانا وحزينة ومنعزلة، وناطقة وعاشقة، كما أنها ترمز إلى حالات كثيرة تبين سحرها وعظمتها الخفية التي لا يتم الالتفات إليها والاهتمام بها في مجال اليومي . و الإشارة إلى مثل هذه الموضوعات تدفعنا إلى التأكيد على طبيعة التنويعات التي تتخللها، وكذا بعض المواقف المضمرة التي تطرحها خاصة ما يتعلق بأسئلة الحياة والإنساني ، غير أن الأهم في هذه الموضوعات ، احتفالها بما هو قيمي وفلسفي وتأملي. بمعنى آخر فإن الكثير من القصائد تتناول موضوعة القيم من داخل رؤية فلسفية تفرض على القارىء نوعا من التأمل لاستكناه أبعادها الجمالية والوقوف عند نزوعها. تقول الشاعرة في قصيدتها التي تحمل عنوان" بين موتي وحياتها": كانت أمي/تفتح النوافذ مع بزوغ الفجر كانت رائحة الصباح/ تزرع في دمها/ حياة جديدة في ذات صباح/بزغ الفجر/وظلت النوافذ موصدة وحدها رائحة الصباح/كانت تبث في دمي/موتاجديدا.(4) وغني عن البيان، أن لكل كتابة شعرية خصوصيتها ومرجعيتها النظرية التي تمتح منها الكتابة حسها النصي، فالخصوصية في نظرنا يقصد بها الكتابة الشعرية التي تؤسس ميثاقا نصيا ولغويا وتشكيليا بينها وبين القارىء للشعر، وذلك للابتعاد عن التجارب الصديقة فنيا، كما تؤسس لميثاق خاص بينها باعتبارها مبدعة و بين الكتابة باعتبارها ناقدة ومتلقية أولى لعملها. لا مراء أن هذا التعاقد من شأنه أن يعيد الشعر إلى واجهة التلقي، ويزيد من فرص تداوله و تلقيه، كما يحافظ له عن بريقه الإبداعي بين باقي الأصناف الإبداعية الأخرى، من قصة ورواية وغيرها من باقي الأجناس الإبداعية الأخرى. وغير بعيد عن سؤال الخصوصية، نشير إلى أن الكتابة الشعرية عند "وداد بنموسى" في ديوان"فتحتها عليك"، تتميز بلغتها الواصفة، وحرص هذه اللغة على الغوص في تفاصيل دقيقة من تفاصيل الإنساني متوسلة بصور عاصفة، وأسئلة سرعان ما تتنامى في ذهن التلقي عبر تشكيل يجمع بين التعدد الصوتي و المزيج اللغوي وأنماط من الصورالبيانية المتنوعة الجزئية منها والكلية، إلى جانب الصور الفوتوغرافية. في النافذة ومجالات الحياة تشكل النافذة ،من حيث الوظيفة، في رأي الكثير مصدرا من مصادر تلمس الهواء وتجديد النفس. لكن، القارىء سرعان ما يدرك طبيعة الاختلاف بين هذا الرأي، ورأي الشاعرة التي حولت النافذة إلى مدى صوتي لتمرير جملة من المواقف الإنسانية بخصوص أسئلة الحياة، إلى جانب الانتقال بها من صورتها الرتيبة المعتادة إلى صورة محرضة على مزيد من الحياة والتأمل والعتاب والاعتراف والتصالح مع الذات والدعوة إلى الحوار. فهي إلى جانب هذا، فضاء يرمز دلاليا إلى الشساعة والمدى غير اللامتناهي الذي يزيد الذات إحساسا أكثر بنفسها و بالعالم، كما يضمن لها مساحة أوفر للتعبير عن هذا الانصهار الذي يتحقق على نحو مختلف عند الشاعرة وداد بنموسى. بمعنى آخر فهي أي النافذة البوابة الوحيدة لولوج الشاعرة العالم، والوقوف بين أسمائه وجماله ووجوهه المتعددة. وبناء عليه، يمكننا أن نطرح السؤال التالي: هل الشاعرة وداد بنموسى بنوافذها التي تقترحها على القارىء، تريد أن تطلق النارعلى القساوة التي باتت تطوق الحياة بجميع مناحيها وأنماطها العامة وذلك بفتحها أمامه عديد من النوافذ من خلال اقتراحها الشعري؟ تقول الشاعرة؛ "لا أقصد النافذة الواحدة/ لا أقصد النافذة الجميلة/النافذة القصية/ كلما ابتعدت/لم أرى غير تلك النافذة/ولم أقصد إلاها.. (5) إن النافذة هنا وحسب ديوان الشاعرة إنما تدخل في باب الإفراد الذي يراد به الجمع كما يراد به الإفراد. بمعنى آخر فالنافذة والنوافذ فضاءات لفضاء واحد يفتح المجال أمام المجموعة للاحتفاء بالذات وتمجيدها ونقل كل تفاصيليها الصغيرة بعين راصدة في سياق التوتر القائم بينهاوالعالم الخارجي، وما يرافق هذا التوتر من مخاض وانعكاساته الداخلية والخارجية مع الخارج. على سبيل الختم لقد اختارت الشاعرة"وداد بنموسى" النافذة موضوعا لديوانها الشعري، لكن الطريف في هذا الاختيار هو البعد الجمالي الفريد الذي يقوم عليه والذي يتمثل في الانتقال بتلك العلاقة القائمة بين الإنسان والنافذة إلى مستوى الخرق والتكسير. وقد استطعنا أن نتوقف قليلا عند بعض مكامن هذه العلاقة وبحثنا في جانب من مبرراتها، لكن القضايا التي يخوض فيها الديوان واللغة التي سلكها لنفسه تبقى تشكل جانبا مهما من انشغالات "وداد بنموسى" بسؤال الشعر والحياة وللإحاطة الشاملة بمثل هذه الانشغالات يفرض الأمر حيزا واسعا، خاصة مع تجربة شعرية بدأت تتجاوز محيطاتها من خلال الاشتغال على التعدد والمزيج. الهوامش (1) "فتحتها عليك"، وداد بنموسى، الترجمة والمقدمة، عبد الرحمان طنكول، مرسم. (2).المعجم العربي الأساسي، ص، 914. المنظمة العربية للتربية والثقافة، ص، 914. (3) "فتحتها عليك"، وداد بنموسى، ص، 78 الترجمة والمقدمة، عبد الرحمان طنكول، مرسم. (4) نفسه، ص،42. (5) نفسه، ص،78.