بعد مرور 42 سنة على صدور الطبعة الأولى من ديوان "أزلية المواجهة"، للشاعر المغربي أحمد صبري، في جزئه الأول، صدر حديثا عن مطبعة النجاح بالدارالبيضاء، الطبعة الثانية، بدعم من المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان.الجزء الثاني من الديوان كما صدر للشاعر نفسه أيضا، الطبعة الثانية من الجزء الثاني من الديوان. ويقع الديوان في جزأيه الأول والثاني في حوالي 500 صفحة من الحجم المتوسط، ويضم بين طياته 111 قصيدة وردت مرتبة، وفقا للسياق التاريخي، إذ يضم الجزء الأول من الديوان، الذي صدر بعنوان "أهداني خوخة ومات"،61 قصيدة نظمها الشاعر ما بين سنتي 1961 و1963، ووزعها على تسع مجموعات هي "جدار الإلحاد في وجه الأبطال"، و"حرية الأحرار"، و"ست قصائد لجزائر الثورة"، و"قصيدتان لفلسطين"، و"عين الشمس في إفريقيا"، و"لا زلنا لم نمت"، و"ثلاثة شعراء ماتوا"، و"القلب القلب القلب.. ولنمت بعد ذلك أجمعين"، وأخيرا "عمود الصلب مصلوب في الزمن". كما يتضمن الديوان قراءات نقدية، لثمانية شعراء وكتاب مغاربة، ويتعلق الأمر بالشاعرة مليكة العاصمي، والشاعر محمد الحبيب الفرقاني، والراحل عبد القادر الصحراوي، وإبراهيم السولامي، وإدريس الخوري، وأحمد السطاتي، وإدريس الملياني، وبوشعيب بن إدريس فقار. فيما يضم الجزء الثاني من الديوان الصادر تحت عنوان "وطن الإنسان إنسان المواجهة"، بين طياته 50 قصيدة كتبها صبري مابين عامي 1964 و2008، جاءت مقسمة إلى عشر مجموعات هي "زمن الجمر على الجسد"، و"أدوات بناء التاريخ"، "وزلزال العراق"، و"مرآة فلسطين"، و"حيرة المدينة"، و"أسئلة المدينة"، وخمس قصائد / صلوات على بوابة تازمامارت"، والمحارب والغجرية، و"غياب الشعراء حضور أبدي"، ثم "الجسد والمواجهة". يقول رئيس المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان أحمد حرزني، في تقديمه للديوان "يسرني أن أقدم للطبعة الثانية من الديوان المزدوج "أزلية المواجهة" لأحمد صبري المعروف كشاعر، وناقد وباحث ومربي ورياضي، فهو من جيل بلغ سن الرشد مع انبثاق الاستقلال، ووعى بكل ما كان على البلاد أن تتداركه، وأراد أن يعانق هموم الشعب، وأن يكون في طليعة مسيرته نحو الرقي السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي"، لذلك جاءت قصائده كلها تحميس للمناضلين، في المغرب وغيره، وتسفيه لقوى التسلط والقمع، ورثاء لضحاياه، دون أن تخلو، رغم قسوة المرحلة، من عواطف أبدية يأتي الحب على رأسها. ولعل أشهر هذه القصائد رائعة "أهداني خوخة ومات"، وهي إن دلت على شيء فإنما تدل على أن صاحبها، لم يستسلم أبدا للتشاؤم، رغم سوداوية الأوضاع، إذ يختتم قصيدته ب "أهداني خوخة ومات / ورأسه على صدري يهيم / وينبت الحياة.. الحياة.. الحياة؟ وبخصوص هوية الديوان وأسباب النزول، يقول الشاعر أحمد صبري في مقدمة ديوانه "حين صدوره سنة 1967 أحدث ديوان " أهداني خوخة ومات" ردود أفعال عدة، منها ما هو جاد جرى تدوينه في حينه، بواسطة أدباء مهمومين ينطقون من كبد العصر والمحيط، ومنها ما هو انطباعي ظل خارج الوعي الاستطيقي تستفزه فقط، صيغة تسمية الديوان ومكنوناتها اللغوية، وأدى بها إيغالها في الجهل إلى التفكه والتنكيت من باب "أهداه خوخة ولم يهده بطاطا أو بادنجانا؟؟.." ويورد صبري في المقدمة ذاتها حقيقة تسمية الديوان التي وصفها بالتلخيص المخلص والصادق لحقبة سوداء من تاريخ المغرب، منها اعتقال وإعدام المقاوم محمد حمو الفاخري، الذي خصه الشاعر بأول قصيدة في الديوان عنونها ب"الطائر الملتهب والدروب". وفي كلمته، التي حملت عنوان"أهداني خوخة ومات.. بين النقد والنقد المضاد"، التي ختم بها ديوانه وافتتح بها القراءات النقدية الثمانية التي أنجزت في ستينيات القرن الماضي، يقول الشاعر "فور ظهوره في شهر ماي 1967 لفت هذا الديوان الانتباه أولا بعنوانه الغريب على المعنويات المحلية والعربية. وثانيا بمعانقته للقضايا الساخنة آنذاك، إنسانيا وحقوقيا ووطنيا وقاريا وقوميا، ولعل غرابة هذا العنوان هي ما حرك قيحة الأستاذة مليكة العاصمي لقراءته والتلفع بمعاناة تذوقه، وإدراك هويته شكلا وكنها، حسب مفاهيمها الخاصة، آنذاك، وهي على وشك التخرج من كلية الآداب بظهر المهراز بفاس". يضيف الشاعر "سرعان ما انبرت الأصوات المتضلعة في الأدب، خاصة تلك الواقفة على بوابة الحداثة والتجديد في الشعر العربي والمغربي المعاصر، لتصحيح ما ذهبت إليه العاصمي، شكلا ومضمونا، والكشف عن المضامين الحارقة في الديوان".