- مما لا شك فيه أن المجتمع لن ينتج تلقائيا حركة شبابية منظمة، بل هي نتاج لإرادة مختلف التيارات التي يعرفها المجتمع. فالأمر مرتبط بإيرادات متعددة مما يجعل هذه الحركة حركة تعددية بالضرورة.لكن ما هو محتوى هذا التعدد و ما هي أشكاله؟ من الطبيعي أن يكون الرد التلقائي على هذا التساؤل هو أن التعدد داخل الحركة الشبابية هو نفسه التعدد الموجود في المجتمع كل.فهل سنختار ثنائية يمين / يسار أو محافظين / تقدميين أو ديمقراطيين / غير ديمقراطيين .... مثل هذا التفكير سيكون إعادة إنتاج لثنائيات خاطئة و مكلفة .ما يجب أن يحكم اختياراتنا في هذا المجال هو طبيعة الفئة التي نحن بصدد الحديث عنها.فالشباب فئة اجتماعية لها خصائصها و على رأسها أنها تخضع لعملية تنشئة اجتماعية مكثفة. و بالتالي فالأولوية هنا ليست للسياسي أو الإديولوجي بقدر ما هي لمراحل النمو الجسدي و النفسي و العاطفي و العقلي و المعرفي للمعنيين بالأمر. وفق هذا المعطي سيكون لزاما إحداث تقسيم جديد لهذه الفئة. إن للتنشئة الاجتماعية مقتضياتها المؤسسية، لكن عندما نتحدث عن حركة شبابية فإننا نتحدث ضمنيا عن مؤسسات لها استقلاليتها عن مؤسسات التنشئة الاجتماعية الرئيسية، الأسرة المدرسة الإعلام. علينا التدقيق في هذا الفضاء الخاص المتميز، فهنالك عدة أنواع من المجموعات التي ينتظم الشباب داخلها غير الأسرة و المدرسة. من الطبيعي أن ينصب الاهتمام تلقائيا على الأشكال المنظمة، إلا أن هذا الاختيار لم يعد ممكنا، فلا مجال للتنكر للأشكال غير التقليدية.مع دخول وسائل الاتصال الحديثة كالإنترنت و الهاتف النقال و البلوثوث وغيرها، أصبح الواقع الشبابي شيئا فشيئا يمزج بين الواقعي و الافتراضي مما يزيد من تعقد هذا الواقع. اختار التنشئة الاجتماعية كمنطلق في التفكير في المسألة الشبابية يفرض على الحزب اختيار مقاربة شمولية تشمل المسألة التعليمية و مسألة الأسرة و المسألة الثقافية فتصبح مسألة الحركة الشبابية جزءا من كل و يصير الحزب مطالب بإنتاج خطاب متكامل يمكنه من تحديد تصوره الخاص للمسالة الشبابية. المدرسة و الأسرة مؤسستين محافظتين بطبيعتهما. و المحافظة هنا ليست مفهوما قيميا. كما أنهما لا تستجيبان كفاية لحاجة الشباب إلى الاستقلال و تحقيق الذات. لن يشكل أي تصور للمسالة الشبابية خطوة فعلية على طريق الانتقال إلى يسار المجتمع، إلا إذا أقتنع الحزب حقيقة بأن الأولوية هي لحاجة المجتمع لحركة شبابية منظمة ،بعدها فقط يمكن التساؤل عن أي تصور يمكننا طرحه لهذه الحركة الشبابية المغربية و أي شبيبة اتحادية نحن بحاجة إليها. القول بأولوية حاجة المجتمع المغربي لحركة شبابية تمليه علينا قناعة راسخة بأن حجم فئة الشباب و كثرة مشاكل الشباب المغربي ستتزايد حجما وتعقدا إذا نحن لم نتصدى لمعالجتها في الوقت وبالشكل الملائمين. قناعتنا الديمقراطية تفرض علينا أن ننظر لهذه الحركة على أنها تعددية بالضرورة، فهي تتكون من عدة تيارات تخترق المجتمع المغربي.الهدف هو ألا نفتعل تعددا غير موجود في الواقع و ألا نعمل على تعميق التعدد الموجود لحسابات سياسية بعيدا عن المصالح الفئوية للشباب و نقحمه بغير تبصر في صراعات هو غير معني بها مباشرة أي أنها ليست من أولوياته. 5 - من هذا المنطلق يمكننا القول أن الحزب سيخطو خطوة جبارة على طريق أخذ موقعه على يسار المجتمع إن هو عمل على المبادرة و المساهمة في خلق تيار لكل الشباب الديمقراطي الحداثي.لا ليتصارع مع تيار أو تيارات شبابية أخرى.بل ليفتح أمام الشباب المغربي أولا إمكانية بناء وعي سليم بمشاكله ثم ثانيا ليمكنه من المساهمة الحقيقية في حلها بعيدا عن منطق الوصاية أو الاتكالية. كذلك علينا أن نعمل ما أمكن على تجنب المواجهات بين تيارات الحركة الشبابية خارج المنطق الديمقراطي حتى مع من يبدون لنا أنهم شباب غير ديمقراطيين.فبما أنهم شباب في طور التنشئة فالحوار الديمقراطي معهم ضرورة موضوعية لا بديل عنها. هذا الحوار بقدر ما هو وسيلة بقدر ما هو هدف أسمى.فمهما كانت توجهات هذا الشباب في نظرنا غير ديمقراطية، علينا تقع مسؤولية تنشئتهم على الديمقراطية و لو من خارج تيارهم الشبابي أي بجعلهم موضوعيا يتفاعلون مع هذا الاختيار.قد يقول البعض في أن هذا الطرح مبالغ في الطوباوية لكن بالمقابل من الواجب التساؤل :ماذا استفاد المغرب و الشباب المغربي و بالطبع اليسار المغربي من منطق المواجهة المفتوحة لحد الساعة؟ هل كان هنالك تقييم موضوعي للصراع بين فصائل اليسار خلال السبعينات ليس في الجامعة فقط، بل في عموم الحركة الجمعوية. هنالك أسئلة لا تقبل الانتظار منها على سبيل المثال المسألة الطلابية.من الواجب أن نواجه الآن وليس استقبالا السؤال التالي: أي مخرج غير الحوار الديمقراطي لتجاوز محنة الحركة الطلابية المغربية ؟ إن مقولة لا حوار ديمقراطي مع أعداء الديمقراطية داخل المسألة الطلابية و الشبابية عموما فيه الكثير من الإدعاء الديمقراطي، بل و العنجهية.