نظم كل من منتدى «مبدعات بلا حدود» وجمعية الزيايدة بنسليمان، مؤخرا، قراءة في روايتي بديعة الراضي «يوميات زمن الحرب» وفاطمة ياسن «قبل الموت بقليل»، قرأ لهما كل من الناقدين نجيب العوفي وعبد الدين حمروش، في حين تغيبت بعذر كل من الكاتبة فاطمة بلاوي والناقد والصحفي عبد اللطيف الصردي، كما غنى في هذا اللقاء الفنان المغربي المتميز رشيد الشناني. الناقد نجيب العوفي في مداخلته قال إن لاسم بديعة الراضي وقعا خاصا في المشهد الثقافي المغربي على امتداد الثلاثة عقود الأخيرة، فهي كاتبة روائية ومسرحية وصحافية إعلامية ومناضلة سياسية وفاعلة جمعوية وأدبية، رافعة للواء تاء التأنيث المبدعة وطنيا وإفريقيا في إطار صحوة الجندر النسوي. واعتبر العوفي أن نص رواية «يوميات من زمن الحرب» يحكي ويستحضر عبر سرد مونولوجي وحواري، قصاصات وذكريات من المسار الثقافي والإعلامي والسياسي لزوج الكاتبة المناضل رشيد جبوج، أي يستحضر مرحلة ملغومة وساخنة من المغرب المعاصر، معتبرا أن المتلقي يجد نفسه أمام نص وجداني سيري ساخن حيث تدور كل المكونات السردية وتهيم في فلك المجاز والتحليق الشعري، لغة وشخوصا ومحكيا وزمانا ومكانا أيضا، وكأن اللغة الشعرية هي المؤهلة دائما لنفض المخزون الشعوري واللاشعوري حتى في حضرة الرواية. وبهذا التعريف شكك المتدخل في عملية التجنيس التي كتبتها بديعة الراضي على الغلاف الأول للكتاب، معتبرا إياها «سيرة في رواية، قريبة من اللارواية التي جاءنا بها في زمننا، آلان روب غرييه وناتالي ساروت، أو رواية التداعي الحر أو تيار الوعي التي جاءنا بها رواد الحداثة السردية دويس وبروست وفرجينيا وولف ووليم فوكنر، مع احتساب الفارق». وقال إن «الدال المكاني –الفضائي المهيمن على امتداد فصول ومحكيات النص يتوزع إلى أنفاق ودوائر وجحور وحفر، كناية عن الوطن في الزمن المغربي الساخن في عقود الستينات والسبعينات والثمانينات، وهي الفترة التي شمر فيها الرفاق لحلم التغيير، منذ جيل «كان وأخواتها» إلى جيل رشيد جبوج «إن وأخواتها» بالحمولة العامية للفظ إن». وخلص إلى أن النص يعتبر مرثية وأهجية وأمدوحة في ذات الآن، «مرثية لرشيد جبوج ومرحلته التاريخية المشتعلة، التي آلت رمادا وسرابا، وأهجية للزمن المغربي القلب وأهليه الجاحدين الدهاة الذين يلبسون لكل حال لبوسها، وأمدوحة أو بالأحرى مديح عال للقيم النضالية التي كافح من أجلها رشيد بإبداعه المسرحي تحت مظلة مسرح الهواة الطليعي، وبجهوده الثقافية والإعلامية والسياسية التي أفنى فيها زهرة شبابه وحياته». أما الشاعر والناقد عبد الدين حمروش فقد تناول بالتحليل رواية فاطمة ياسن المعنونة ب»قبل الموت بقليل»، حيث تطرق إلى موضوع الرواية المتصل بتشريح أعطاب الإدارة المغربية وتشجيع الفساد داخلها، وعقد المسؤولين وتزلف المرؤوسين فضلا عن تطرقها لمختلف أشكال المقاومة، التي سيذهب ضحيتها «عبدو» أحد أبطال الرواية. وسجل المحاضر عددا من الملاحظات، من بينها ثلاثة أبعاد هي البعد التراكبي والبعد الشعري والبعد الرسالي، مفصلا في ذلك على أساس أن الرواية تنبني على نصين، يتمثل الأول في «المذكرات» التي ورثتها البطلة «حياة»، وهو ما يوجد مسورا بين مزدوجتين، والسارد فيه هو عبدو الذي يقدم فيه سيرته/محنته داخل الإدارة المغربية، أما النص الثاني فيمكن تسميته بالنص الإطار، إذ يؤطر سياق هذه المذكرات ويشرحها ويضيء ما غمض منها باعتبار السارد فيها مشاركا في الأحداث وأحد الشهود عليها، كما أن مصداقية الوقائع السردية يأتي جزء منها من لدن الساردة. أما بخصوص البعد الشعري، فقد قال المتدخل إن الرواية اكتسبت في لغتها وأسلوبها أبعادا شعرية ملحوظة، تتمثل في اعتماد الصور الشعرية من تشبيهات واستعارات، واستعمال لغة فصيحة أنيقة تتميز بمنحاها الغنائي الشفيف، حيث يكتب النص على شكل نهر سيال لا يعترض مجراه عائق، فضلا عن «ثقل الكلام الذي ينزل فوق رؤوسنا كأكياس الرمل». وعن البعد الرسالتي، اعتبر الشاعر والناقد عبد الدين حمروش أن هذا النص يحمل رسالة معينة مؤداها فضح واقع إداري معين، يتسم بالتسلق والتملق والإهانة ولانهائية الاجتماعات، والوشاية والعقاب، مشيرا إلى أن اعتبارات هذا الفضح تكمن في نهاية حياة موظف نقي وشريف كان يشكل مشروع ارتباط جدي بالساردة التي عملت على نشر مذكراته والتعليق عليها. واستطرد أن إدانة الواقع، في مستوى آخر، تأخذ ثلاثة مناح، الأول اجتماعي والثاني سياسي بالإحالة على عهد «إدريس البصري» والثالث إنساني، إذ أن الكاتبة تقول في الصفحة 37 وبصريح العبارة «أكتب كي لا أنتحر». في بداية النشاط، قامت كل من رئيسة «منتدى مبدعات بلا حدود» ورئيس «جمعية الزيايدة بنسليمان»، بتقديم جمعياتهما، حيث أشارت الأولى في كلمة هيأتها بالمناسبة إلى أن الجمعية تهدف إلى التعريف بالإبداع النسائي ودوره عبر العالم، كما تهدف إلى ترسيخ حوار الثقافات بين المبدعات عبر العالم ونشر قيم التسامح والتعايش والسلام فضلا عن اهتمامها بتمثيلية مختلف الثقافات النسائية المحلية بمختلف تعبيراتها اللغوية فضلا عن نشر الإبداعات النسائية بجميع اللغات واللهجات. فيما عرف رئيس جمعية الزيايدة جمعيته بكونها أنجزت العديد من الأنشطة الثقافية والاجتماعية، بما في ذلك رسومات التلميذات والتلاميذ التي تؤثث زوايا قاعة العرض والتي أنجزت داخل الجمعية، شاكرا مختلف الفاعلين في النشاط من روائيات وأساتذة محاضرين وعازف وحضور. بعد انتهاء العروض ورد الكاتبتين، تم الإعلان عن توقيع الروايتين في تدافع ملحوظ بين الحضور. وقد شارك في هذا اللقاء الفنان رشيد الشناني الذي يلحن ويغني قصائد عدد من الشعراء العرب والمغاربة بل وحتى الأجانب كقصيدة «النمر» لكارلوس فوينتس، فضلا عن كتابة كلمات بعض أغانيه بنفسه، منها، على سبيل المثال لا الحصر، أغنية حول الطفلات الخادمات، وأخرى يتحدث فيها عن مآثر «بنسعيد آيت إيدر» وجيله وثالثة قام فيها بمغربة الأغنية الإيطالية الشهيرة «بيلا تشاو»، لكن، هذه المرة، بنفحة نسائية. درس في معهد المجموعة الحضرية للموسيقى تخصص الصولفيج والبيانو، باحث في سلك الدكتوراه كلية الحقوق الدارالبيضاء، أصدر سنة 2009 ألبوما أول موسوم ب «في حضرة محمود درويش»، له صفحة على اليوتيوب خاصة بفنه، شارك في عدة تظاهرات فنية داخل المغرب وخارجه. أما نجيب العوفي فهو ناقد مكرس، صدرت له عدة دراسات نقدية نذكر من بينها كتب "عوالم سردية، متخيل القصة والرواية بين المغرب والمشرق" و"درجة الوعي في الكتابة» و»جدل القراءة» و»مقاربة الواقع في القصة القصيرة المغربية: من التأسيس إلى التجنيس» و»ظواهر نصية» و»مساءلة الحداثة». أما عبد الدين حمروش فهو شاعر وكاتب ناقد وباحث وأستاذ جامعي، ونائب رئيس اتحاد كتاب المغرب، له عدة إصدارات في الشعر والبحث التاريخي والنقد الأدبي. حاصل على جائزة اتحاد كتاب المغرب للأدباء الشباب سنة 1992 على ديوانه «وردة النار»، ومن بين إصداراته النقدية «تجلي العين في شعر حسن نجمي» و»المكان الفني في شعر أحمد بركات».