اعتبر الناقد والباحث بوجمعة العوفي في تقديمه للكتاب الحائز على جائزة المغرب للكتاب سنة 2018 في صنف العلوم الاجتماعية ” الجهل المركب: إشكالية الدين والتدين” للباحث في علم الاجتماع وأنتربولوجيا الثقافة عياد أبلال، أن الكتاب ليس مفصولا عن التحولات التي يعرفها العالم العربي، بل إنه يسائل في العمق إشكالية الدين والتدين كواحدة من أعقد الإشكالات المطروحة في المجال الديني اليوم، خصوصا ما يرتبط منها بظاهرة تغيير المعتقد، والتحول إلى الديانة المسيحية أو الى مذاهب معينة داخل نفس المعتقد: الشيعية، البهائية أو الإلحاد، بالموازاة مع الحراك الاجتماعي واتساع رقعة التواصل والاحتكاك بثقافات وديانات أخرى. وأشار العوفي الى أن هذه الدراسة تعد من الدراسات العربية والمغربية القليلة التي تناولت الموضوع بعد دراسة عبد الغني منديب “الدين والمجتمع”. الكتاب، كما يرى العوفي، يعمل على تأكيد الطابع الروحي المتعالي للدين، بعيدا عن التمثلات الفردية والجماعية له كما يسعى الى تحديد الفروقات الأساسية بين ما هو عقائدي وما هو شعائري وفق مقولات علم الاجتماع الديني، للإجابة عن أسئلة الهوية الدينية في العالم العربي. وهو ببحثه عن هذه الفروقات، يرصد الأسباب الكامنة وراء إشكالية تغيير المعتقد والتي أجملها الكتاب في : جمود الذاكرة الدينية المؤسسية، وخصوصا ذاكرة الإسلام السني. اختلال النسق الاجتماعي للفرد وما يحصل له من اضطراب يعيق عملية اندماجه في الوسط الاجتماعي. أزمة التكيف مع قيم وأخلاق المجتمع بسبب تعارض نسق الشخصية ونسق الثقافة السائد. ورغم كونه دراسة ميدانية، إلا أنه، كما يقول العوفي، تحليق نظري مهم عاد فيه أبلال الى مجموعة من التحديدات التي تخص ظاهرة الدين والتدين، سواء في العصر القديم أو الحديث أو المعاصر. الدراسة قدمت أيضا عددا من الإحصاءات المتعلقة بتغيير المعتقد في البلدان الأربعة التي اشتغلت عليها وهي: المغرب ومصر وتونس والجزائر، متوقفة عند طبيعة هذا التغيير والشروط التي يتم فيها ما بين تحول بالكتلة والذي يتم فيه التغيير قسريا كما حدث مع المسلمين في الاندلس، وبين تعدد مكونات النسيج الديني داخل نفس الدولة كما في مصر التي يتم إثبات الهوية الدينية للفرد فيها ببطاقة هويته الشخصية( حالة الأقباط والمسيحيين). ومن الإحصائيات التي يوردها الكتاب، وجود 1 بالمائة من المتيشعين من أصل 94 مليون مصري، وبالمغرب هناك ما بين 5000 و10000 مغربي تحولوا الى ديانات أخرى رغم أن القانون الجنائي في المادة 220 منه يجرم تغيير المعتقد بالإضافة الى مواقف السلطة الدينية. المجتمع المغربي مجتمع جامد تهيمن عليه قوى الإسلام السياسي يعتبرعياد أبلال أن إشكالية الدين والتدين بالعالم العربي، وبالمغرب خصوصا ، بتمظهراتها التي تتجاوز الاختيارات الفردية، تطرح على الباحث اليوم ضرورة الاشتغال على بعض تجلياتها لرصد طبيعة التدين، والعلائق الممكنة بينه وبين الدين، وهو ما جعله كباحث يحاول في دراسته التي تمتد على 850 صفحة، يدرس هذه التمظهرات المختلفة للدين في ارتباطها بالسياق التاريخي والاجتماعي والجغرافي، للتأكيد على أن هناك “إسلامات” متعددة تختلف باختلاف الجغرافيات والخصوصيات الثقافية والاجتماعية التي تسم الظاهرة الدينية بميسم خاص، وتجعل بالتالي المجتمع مؤثرا في الدين والعكس صحيح. ولفت أبلال الى أن بحثه يروم دراسة خرائط التدين الذي يغلب عليه الإسلام السني المهتم بالعبادات دون المعاملات، وهو ما أدى بالشباب العربي الى النظر بنوع من الشك المنهجي للدين، والتحول إلى ديانات أخرى لا تنفصم فيها العقيدة عن الممارسة اليومية لتعاليمها. كل هذه العوامل دفعت أبلال الى إطلاق مصطلح “الجهل المركب” الذي يمكن حصر مظاهره في: 1-الجهل المقدس والذي انطلق من فصل الثقافة عن الدين، ما جعلنا أمام معطى جديد يتمثل في تصدير نماذج معينة للدين لا تتلاءم مع الخصوصيات الاجتماعية والثقافية بالمغرب، ولا مع الإسلام المغربي الشعبي المنفتح على كل المذاهب. 2- ربط السياسة بالدين: وهو ما تترجمه مقولة أن الاسلام “دين ودولة” رغم أن الإسلام في بعده الروحي لا يمكن ربطه بالسياسة، إلا أن حركات الاسلام السياسي اليوم تجعل الدين جوهر السياسة في بحث يروم الحصول على شرعية سياسية بشرعية دينية. 3- الجهل بديانة الانتماء عبر تحنيط الإسلام في فترات تاريخية معينة أي إسلام القرن 15 ، والإقامة في فترات الخلافة الراشدية، وهو ما يسد باب الاجتهاد والحرية. ويرى أبلال أن هناك مستوى آخر في هذه الدراسة يسائل الارتباط المهيمن بين الديني والسياسي، خصوصا بالعالم العربي، ما أدى ويؤدي الى فشل بناء الدولة المدنية. وخلص عياد أبلال االى القول بأن الدولة في العالم العربي تأسست أنتروبولوجيا على بنيتي الفقيه والسلطان، ليتحول بعدها الفقيه الى خدمة السلطان، ما يترجم أن البنية السياسية تحولت دون يمس هذا التحول البنية الأنتربولوجية، مشيرا الى أن المجتمع المغربي مجتمع جامد تهيمن عليه قوى الإسلام السياسي، مقابل حضور ضئيل للشق الحداثي والتنويري. وغياب الفكر الحداثي والتنويري، في ظل وجود جيل جديد له خصوصياته ومتطلباته وأسئلته التي لا يجد أجوبة شافية عنها داخل منظومته الدينية، وهو ما يجعله يبحث اليوم داخل سوق دينية متعددة معولمة عما يناسبه ويجيب عن احتياجاته، سوق تجعلنا أمام نوع آخر من الماركوتينغ هو الماركوتينغ الديني. الكتاب يسوق مجموعة من العوامل المساعدة على تغيير المعتقد الديني منها: أزمة المراهقة والطفولة وتكسير صورة الأب. فشل مؤسسات التنشئة الاجتماعية والدينية في الاستجابة لمتطلبات الجيل الجديد من الشباب. هيمنة الفكر الأحادي وغياب ثقافة الاختلاف وقبول الآخر؟ التحولات الطارئة على التدين الإسلامي السني التي تهتم بالشعائر دون المعاملات. أزمة العقل الفقهي وإغلاق باب الاجتهاد. ظهور الإسلام السياسي والفكر الإرهابي والصراعات الطائفية والمذهبية. صدمة الحداثة التي وقعت بعد دخول أنساق ثقافية غربي، والتي وجدت استجابة لخطابها داخل أوساط الشباب. الإمكانات التي تتيحها الثورة الرقمية ووسائط التواصل الجديدة.