افتتاحية ملحق "العلم الثقافي" ليوم الخميس 13 مارس 2025 إذا أردت أن تزداد قلقا، فكُن متسوّقاً في رمضان، يا أ الله.. ليس ثمة أفظع وأمرَّ من أن تتوفّر على القدرة في الشراء، وغيرك يُخفي عجزه بابتسامة كاذبة مُكتفيا بالنظر، ألا يعلمون أنه حين يضيقُ الجيْبُ عاجزا عن تلْبِية أبْسَط حاجيات المواطن المعيشيَّة، تضيقُ معه كل السُّبل ويتراءى الأفُق بأعين الأزمة الخانقة سِجناً، الأجدر يا بني إنسان، أن نصوم جميعا عن كل ما ليس في مُتناول القدرة الشرائية للضعفاء، في كل الأيام وليس فقط في رمضان ! قِيلَ الكثير حول إضراب المواطن المغربي عن بعض الأطعمة، وكان قد بدأها بالسائلة كحليب (سنطرال) والماء المعدني (سيدي علي)، أما البنزين النابع تحديدا من (محطة أفريقيا) ومنابع أخرى ك (طوطال) و(شال)، فطعامُ للسيارات وليس للمسكين، والدَّوْر على الزيت الذي اغْتَرَّ بلونه الأشقر وصار يُباع في البلد بثمن الذهب، مع التهديد بالانتقال بالمُقاطعة حتى المجاعة إلى صُلب الموضوع، وذلك بالكفِّ عن شراء بعض الأنواع الغذائية الصَّلبة خبزا ولحوماً برية وبحرية وجوية، منها الدجاج الذي جعلته الأسعار العالية يحلِّق و يطير! أجَلْ قيلَ الكثير عن هذا الإختيار العسير بين المقاطعة أو المجاعة، وانقسمتْ البلاد إلى فئتين، مع فرق أن إحداها عريضة تُشكِّل غالبية الشعب بكل أطيافه الاجتماعية المسحوقة، والفئة الأخرى قلةٌ تحْتكر الموارد الحيوية لهذا الشعب دون توزيع عادل للثروات، لكن في كلِّ ما قيل عِشْنا حتى سمِعنا الشعب متَّهماً بالتَّخوين ممن يعتبرون أنفسهم وطنيين يا سلام، لا لشيء إلا لأنهم يمتلكون مركزا استعماريا يستغل عرق الفلاحين وخيرات البلد، وإذا أٍردْنا تحرِّي الصِّدق فجُلُّ ما نستهلكه اليوم من أغذية في مختلف أصنافها الصلبة أو السائلة، فَقَدَ بالغشِّ جودتهُ فلا طعم ولا لون، وجعله وازعُ الجشع يُصَنَّع بأقل تكلُفة ليضاعف أربابُ الشركات الأرباح لاهثين وراء الإثراء السريع، صاروا لا يبيعون اليوم من المنتوج إلا الإسم، ذاك الذي كان ربما عنوانا لجودة البضاعة لعقود قد يصل قرنا، فعُلبة الحليب مثلا كانت تترك لنا في جوفها بعد أن نفرغها في جوفنا هدِيةً صغيرة من الزُّبدة لا تجعل خبزنا حافياً، أما اليوم في زمن الندامة، فلم يبْقَ من هذا الحليب بعد أن صار ماء سوى العلامة ! لقد قيل الكثير ولكن أفظع ما قيل صَدرَ عن بعض المأجورين في أقلامهم التي لفرْط نعومة أظافرها لا تهشُّ ولا تنشُّ، و بدَل أن يصطفُّوا تضامنا مع شعبٍ منكوبٍ، مضوا كاتبين ما يُلمِّع زُوراً صورة أصحاب هذه الشركات دون أن يجد لهُم المواطن عُذْراً في كل ما كتبوه باللعب على أكثر من حبل سياسي، فنحن لا تهمُّنا السياسة الدائرة برحاها بين أطراف مُتطاحنة من أجل الاستئثار بالسلطة ومعه المال، إن ما يهمُّنا هو حماية أمْننا الغذائي بعد أن صار بالغلاء الفاحش مهدَّداً، فَعَنْ أيِّ مغربٍ أخْضر يتحدثون وقد ازْرَقَّتْ أعينُ المواطنين باللكمة النَّفَّاثة للأسعار، بل إنَّهم في كل ما كتبوهُ أو كذَبُوهُ لصالح أولياء نِعمتهم غير الصالحين، لم يزِدْ الناس إلا إمعاناً في مُقاطعة ما يُزعْزع استقرار الجيب مورد عيشهم الوحيد، كيف لا وبعض الامبراطوريات المالية التي أنشئتِ على قارورة وعلبة كارطون، يَنْصَبُّ كلُّ همِّها على ضرْبَ القدرة الشرائية للمواطن، كان حريّاً بأرباحها التي صار باديا للعرْيان، أنَّ أرقامها المُهْوِلة تُقدَّرُ بميزانيات الدُّول، أن تُساهم إنعاش الحياة الاقتصادية لأبناء الشعب وحلِّ بعض مشاكلهم في التعليم والبطالة والصحة وغيرها من المرافق الاجتماعية التي تفتح هُوَّتَها خَصاصاً، فمِن أين لهذه الشّركات الجشعةِ الوطنيَّةُ، وهي لا تعترف إلا بالوطن الذي في جيوبها الأمامية والخلفية، فما أفظع أن يفْقد المُواطن أمْنه الغذائي، يدلف حيّا لأسواق تفيض بخيرات البلد، ويخرج ميِّتاً بقفّة فارغة، وفي غالب الحزن وليس فقط الظن، ينهار بالقول عوض العودة إلى البيت: يا ليتني حبل في وتد !