محمد جزار نظمت جمعية إشعاع للثقافات والفنون ببهو المعهد الموسيقي بالعرائش يوم الجمعة 14 مارس 2025 حفل تقديم وتوقيع كتاب " سينما مختلفة / قراءات " للكاتب والمخرج محمد الشريف الطريبق ، بحضور نخبة متميزة من المهتمين بالشأن الثقافي ، ويأتي هذا النشاط الذي وضعنا في سياقه العام ، رئيس الجمعية الشاعر والناقد السينمائي محمد عابد ، كترجمة لتصور عام تشتغل عليه الجمعية ، وفق منهجية تربط بين مجموعة من الحلقات ابتداء من ورشات التكوين إلى العروض السينمائية ومناقشتها في إطار فقرة " أربعاء السينما " ثم فقرة " نافذة على الكتاب السينمائي " ، في انحياز واضح إلى التجارب السينمائية التي تفكر من داخل السينما ، في أفق خلق وعي سينمائي ورؤية نقدية للفعل السينمائي بشكل عام ، إلى جانب الانفتاح على باقي الفنون التعبيرية الأخرى من شعر ومسرح وتشكيل وموسيقى وغيرها . فبعد كتاب " لغة السينما ، من الانبهار إلى شاعرية التقشف" 2018 , وكتاب " ما هي السينما ؟ كتابات وتأملات لمحاولة الفهم " 2021 , يتحف الشريف الطريبق المكتبة المغربية بكتابه الجديد " سينما مختلفة/ قراءات " 2025 الصادر عن منشورات الجامعة الوطنية للأندية السينمائية ، ويعد الكتاب ، رغم حجمه المتوسط ، بمثابة تكثيف لمجموعة من الأفكار و المفاهيم الأساسية التي تترجم تأملات الشريف الطريبق ، انطلاقا من تجربته الخاصة واحتكاكه المباشر طوال مساره الفني والإبداعي ، سواء في التكوين أو في كتابته لمقالات متفرقة حول السينما تعكس شغفه بالبحث حد الهوس عن أساليب متنوعة تسائل الأدوات السينمائية باستمرار ، أو في إخراجه لمجموعة من الأفلام السينمائية التي لا تخلو من بصمة خاصة جعلت أفلامه تحظى بمكانة مهمة ضمن المشهد السينمائي المغربي . ويمكن اختزال كتاب " سينما مختلفة " في ثلاث محاور أساسية ، تتحدد أولا في قراءة نقدية تتأسس من داخل الممارسة السينمائية ، وهي تتخفف نوعا ما من ثقل العدة الأكاديمية ، على رؤية نقدية متكاملة تنتصر للتجريب والاكتشاف والتجرؤ على الجمع بين المتنافر ومنحه جسدا 0خر مضاد للمعنى السائد . " سينما ، بتعبير مقدم الكتاب الناقد السينمائي سعيد منتسب ، تقع خارج السينما السردية ، تتبنى لغة سينمائية خاصة ، تلك اللغة التي يصنعها كل فيلم بطريقته ، تختلف جذريا عن لغة الأدب ، وتتيح إمكانات أخرى لتجديد الكتابة السينمائية بالذهاب بها إلى مناطق أخرى خارج " منطق المعنى " ، وخارج السرد الحكائي ، وما ينتظره المتلقي العام " . إن الكاتب ، وهو يقيم مسافة معينة مع السرد الأدبي ، " لا يجرد السينما من أدوارها الفكرية أو العلمية أو السياسية ، كم قد يتبادر إلى الذهن ، بل يوجه اهتمامنا إلى الجوهري في السينما ، أي إلى ذلك الجسد الذي ترتكز عليه جمالياتها العضوية وقدراتها التعبيرية وقيمتها الحسية " . كما تمركز المحور الثاني حول هوية الكتابة السينمائية ، في محاولة لمعرفة الأصل ، والذي يسمح بالتمييز بين ما هو سينمائي وما هو دون ذلك ، وفي هذا السياق يتساءل الشريف الطريبق حول ما الذي يتبقى من السينما إذا حذفنا العناصر الفنية المؤثتة للغة السينمائية والمستقاة من مجالات أخرى ؟ ثم يضيف : " مثلا فن المونتاج كلغة تعبيرية في السينما ، لم يكن معروفا ولم يكن له وجود في المجالات التعبيرية الأخرى ، بحكم أن الكتابة السينمائية ليست إعادة كتابة الواقع بالكلمات ، ولكنها فعل تسجيلي خالص ، فتمظهرات السينما أصبح ينظر إليها كما هي في الواقع ، ذلك أن 0لة الإنتاج حاليا أصبحت متوفرة بشكل غزير ومضطرد ، ولم تعد الصورة حكرا على السينما والتلفزيون وحدهما ، بل صارت وسيلة تعبيرية يومية ، مما فرض التساؤل حول ما الذي يمكن أن يميز السينما هنا عن الصور والفيديوهات التي نشاهدها ونستهلكها كل يوم ؟ " . في المحور الثالث يحاول الشريف الطريبق البحث عن " سينما خالصة " cinéma pure " أو سينما مختلفة استلهم خيطها الناظم وفلسفتها من التجارب السينمائية العالمية ، قديمة وحديثة ، والتي سبحت ضد التيار ، خاصة مع ظهور الموجة الجديدة بفرنسا إلى جانب الموجات الأخرى كالواقعية في إيطاليا وسينما الحقيقة في إنجلترا والسينما المستقلة في الولاياتالمتحدةالأمريكية ، سينما مختلفة جاءت كثورة على النماذج القائمة ، وأخرجت السينما من الأستوديو إلى الفضاء العام ، وعكست نبض المجتمع ، لا سيما الثورات السياسية والفكرية والثقافية التي شهدها عقدي الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي ، كما أنها كانت مختلفة من ناحية الإنتاج ، حيث اعتمدت على إمكانيات بسيطة وتوجهت إلى العمق خدمة لما هو سينمائي بعيدا عن الفرجة بمفهومها الهوليودي . فالكاتب يحيلنا إلى جيل الرواد الذين يعتبرون ، في نظره ، المؤسسين الفعليين للسينما الحديثة والمعاصرة ، التي ظهرت مع الموجة الجديدة بفرنسا ، لا سيما مع المخرج الفرنسي جان لوك غودار ، الذي ظل ، بتعبير سعيد منتسب ، كالظل الذي يلاحق القضية التي يدافع عنها الشريف الطريبق. إنها سينما مختلفة ، تبحث أو تقترح سينما قريبة بقدر كبير من الذات ومن الواقع ، في وقت أصبح فيه نمط الإنتاج ، وهذه حقيقة يعرفها الجميع ، يفرض إمكانيات تمويلية ضخمة ، مما يخلق حاجزا بين الإبداع والعمل الفني المراد إنجازه ، ففي دروب البحث عن التمويل ، والتي قد تتطلب سنوات ، قد تضيع الفكرة الأصلية للفيلم ، فكلما كثرت الاحتياجات ، كلما قل التحكم في العمل ، وعكس ذلك كلما قلت الاحتياجات تحقق الأهم ، حتى نصل إلى كلام دقيق قاله أحد النقاد السينمائيين الفرنسيين في نهاية الخمسينيات وبداية الستينيات حين تحدث عن مفهوم " الكاميرا القلم " ، حيث أننا نصل إلى مستوى تصبح فيه الكاميرا تعبر عن ذاتها بدون أي تدخلات خارجية كثيرة ، تسمح بتقريب المسافة بين فكرة الفيلم والفيلم ، بين المبدع والفيلم ، بين الفن والفيلم ، لأن المراحل التي يقطعها الفيلم في البحث عن التمويل ، قد يضيع العمل الفني في الطريق . هذا الإشكال يقودنا بالضرورة ، يقول الشريف الطريبق ، إلى الحديث عن الإبداع في السينما وإكراهات التمويل ، فنحن نعرف جميعا ، أن الإنتاج ، لا سيما في سينما المؤلف ' يعتمد بالدرجة الأولى على تمويلات من المراكز السينمائية للدول ،وهو حال السينما الوطنية بالمغرب ، كالمركز السينمائي المغربي ، الإنتاج المشترك مع التلفزة ، صناديق الإنتاج ، الدعم الذي يخصصه الإتحاد الأوروبي وغيره ، فكل هذه الصناديق لديها توجه خاص ، يجعل الفيلم المراد إنجازه رهين بهذه التوجهات خاصة إذا كان التمويل من جهات أو دول متعددة ، أضف إلى ذلك المدة الزمنية للحصول على التمويل ، والتي قد تستغرق سنوات ، مما يفرض على المخرج تقديم تنازلات أو توافقات تعيق تحقيق فكرة سينما المؤلف ، أي السينما التي تعبر عن أحاسيسه ومرجعياته الفلسفية وذائقته الفنية والجمالية ، رغم أننا نسقط حاليا في سينما ، تبدو ظاهريا على أنها سينما المؤلف ، ولكنها تعكس مجموعة من وجهات نظر متقاطعة وأحيانا متباعدة ، تقزم ذات المؤلف وتجعل حضوره فقط لمنح اللمسة الفنية وإعطاء نوع من المشروعية لسينما المؤلف .