إن تشبيب العمل السياسي وما له من أهمية بالغة في استمرار التنظيمات الحزبية والمؤسسات المنتخبة ومؤسسات الدولة بصفة عامة، وتأثير ذلك على المشهد السياسي عبر زحزحته عن القوقعة التي تشل من حركيته السليمة، هو في حقيقة الأمر يجب أن يكون أمرا واقعا، لا شعارا استراتيجيا. والحال أنه، بدل أن ينصب تفكير الأحزاب السياسية حول وضع الأسس الحقيقية والمنهجية التي سترقى بالفعل الشبابي إلى مستوى الفعل السياسي، وحول إعداد البرامج التي ستمكنهم من المساهمة في صناعة القرار السياسي باعتبارهم جزءا لا يتجزأ من المشهد السياسي بشكل عام، أصبح اهتمامها يحوم حول طريقة استقطاب الشباب بغية إشراكهم في العملية السياسية وعلى كيفية مصالحة هذه الفئة مع السياسة ذاتها. فمن سلامة المنطق، أن وجود مؤسسات حزبية فاعلة، بالضرورة أن توازيها أجنحة أو تنظيمات شبيبية، حتى نكون فعلا أمام مشهد سياسي سوي ومتكامل يسعى إلى معالجة كل القضايا المجتمعية العالقة، من خلال نهج سياسات متكاملة تنسجم وتطلعات كل فئات المجتمع. لكن واقع الحال أن مقولات من قبيل: "عزوف الشباب عن السياسة"؛ و"إشراك الشباب في العملية السياسية"؛ و"استقطاب فئة الشباب"؛ و"تشبيب العمل السياسي"... التي ترددت على مسامعنا لعقود من الزمن، أضحت بمثابة شعارات استراتيجية مستعصية. وبالتالي، فالمناداة المتكررة، بضرورة تشبيب العمل السياسي، هي في حد ذاتها تعبير عن وجود خلل في المشهد السياسي، مما يتطلب معه التفكير في الأسباب التي جعلت هذه الفئة الحيوية العريضة تتعرض للتغييب والإقصاء السياسي. إن استبعاد الشباب عن العملية السياسية يجعل الأحزاب السياسية تعيد إنتاج الأساليب المبنية على العلاقات الأفقية، مع اجترار نفس الخطاب، وتأبيد نفس الأشخاص في نفس المواقع، الأمر الذي ينتج عنه تكرار الأخطاء التي تعرقل بلوغ الأهداف المرحلية والإستراتيجية التي وجدت الأحزاب من أجلها. إذن، فغياب التنظيمات الشبيبية؛ واتسامها بالضعف وعدم الفاعلية، في حالات وجودها، لا يجب النظر إليه من زاوية انعدام الإرادة الشبابية، بقدر ما أن العطب يكمن في التنظيمات الحزبية نفسها، إما في عدم قدرتها على التعبئة والإستقطاب الكافيين، بغياب رؤية متكاملة، أو في عدم وجود إرادة فعلية لرسم هذه الرؤية. اللهم إذا كانت بعض الأحزاب تتعمد الأمر مستفيدة من تأبيد الوضع. ومن خلال ما سبق، سأحاول إدارج بعض المداخل الضرورية التي يمكنها أن تختصر الطريق على فئة الشباب للإنخراط الفعلي في العملية السياسية: أولا: المرجعية. على الحزب أن يتبنى مرجعية واضحة حتى لا يختلط عليه اليمين باليسار، ولا التطرف بالإنفتاح... كما يجب أن يلمس المواطن مبادئ الحزب في العمل اليومي. وهذا ما سيسهل على كل شاب يتبنى أفكارا معينة، معرفة الموقع الذي سيصطف فيه. ثانيا: القدوة. من الطبيعي جدا أن حداثة السن وقصر التجربة لدى الشباب، تجعلهم دائما، يعتبرون من هم أكبر سنا وأغنى تجربة، قدوة ومرجعا ينهلون منهم ما يشجعهم على الإنخراط السياسي. وبالتالي يجب أن يتصف منخرطو الحزب بالمسؤولية والوفاء، والحنكة والحكمة، وخاصة الأعضاء في مراتب القيادة. ثالثا: المسار. إن أي إقدام على الانخراط السياسي للشباب، لابد أن يصاحبه تفكير وتنقيب في مسار الحزب الذي يقع اختيارهم عليه، مما يستوجب على الحزب أن يكون في مستوى تطلع الشباب. رابعا: التكوين. يعتبر الحزب بمثابة مدرسة سياسية وفكرية وثقافية، وعليه يجب أن يترجم هذا الأمر على أرض الواقع، عبر تكوين منخرطيه في مختلف المجالات، ليكونوا مؤهلين لفهم واقعهم، وتقديم إجابات سياسية واجتماعية لهذا الواقع بما يتماشى مع التطورات والتحولات التي يشهدها العالم. خامسا: المنتخبون. يمكن القول بأن المنتخبين هم الصورة الحقيقية للحزب، نظرا لاحتكاك المواطنين بهم بشكل مستمر. وانطلاقا من هذه المسلمة، يجب على الحزب أن يعرف كيف يختار منتخبيه بشكل يحسن صورته ويجعل موقعه في المستوى المطلوب. سادسا: استقطاب المثقفين. يجب على الحزب أن يضم داخل هياكله جميع فئات المجتمع، ليكون بذلك حاضرا في كل المحطات والمواقع والمواقف التي تستدعي حضوره كفاعل مجتمعي. وإلى جانب هذه الفئات، لابد أن يكون للحزب مثقفين يعتمد عليهم في التنظير والتفكير والتأطير والتكوين... وهو الأمر الذي سيجعل منه تنظيما حيويا ديناميكيا مستعدا لمواكبة كل التحولات السياسية والإجتماعية. سابعا: البرامج والنتائج. إن برنامج الحزب السياسي، لا يعد برنامجا ناجحا، ما لم يتم تنزيل مضامينه وأهدافه على أرض الواقع. فنجاح الحزب في تحقيق جزء مهم من الأهداف المسطرة في برنامجه السياسي، هو معيار كفيل لقياس مدى قوته، وطريق معبد لحشد المتعاطفين والمناصرين والمنخرطين. ثامنا: البعد الثقافي. ضرورة اشتغال الحزب على الجانب الثقافي، نظرا للدور المهم الذي سيلعبه في نشر القيم التي يتبناها، وذلك بتنظيم ملتقيات ثقافية، وأمسيات فنية، وإنشاء منتديات وجمعيات ونوادي... تهتم بهذا الجانب، فضلا عن انصرافه إلى الاهتمام بمختلف الثقافات الوطنية في احترام تام للتعدد الثقافي الذي يزخر به المجتمع. تاسعا: الإنفتاح على القطاعات الشبابية. من أهم الأهداف التي يفترض على الحزب أن يشتغل عليها بشكل جدي ومسؤول، انفتاحه على القطاعات الشبابية والعمل على تأطير هؤلاء الشباب والاستماع إلى مشاكلهم ومحاولة التوسط لإيجاد حلول لها. عاشرا: المؤسسات الموازية. من بين عوامل قوة الحزب أن تكون له أذرع موازية، سواء تعلق الأمر بالجمعيات والمنتديات والمنظمات المدنية والنقابية، أو الإطارات الفئوية، أو الشبابية، أو النسائية، فضلا عن تأسيس مراكز متعددة الدراسات، ومكاتب للاستشارات في شتى الميادين والمجالات.