تعتبر الشبيبة الاتحادية الحلقة الأضعف والأقوى في ذات الوقت داخل الحزب، لأنها تعبير حقيقي عن أفكار وطموحات وتصورات الشباب المغربي لمستقبل هذا الوطن، فهي الفضاء الذي كان ولازال يسمح بتكوين الشباب وتأطيره وتحسيسه بأهمية الانخراط في المشروع المجتمعي الحداثي والديمقراطي الذي نسعى إليه ، قوية بتاريخها النضالي في مجموعة من المواقع الاجتماعية والجامعية منذ وقبل تأسيسها بشكل تنظيمي، لكن الشبيبة الاتحادية اعتبرت كذلك الحلقة الأضعف داخل الحزب نظرا لمجموعة من العوامل الذاتية والموضوعية، محاولين طرح مجموعة من التساؤلات والافتراضات التي ستساعدنا حتما على مقاربة شمولية والقيام بالنقد الذاتي اللازم لتجاوز إكراهات وإخفاقات المرحلة، ومن تلك التساؤلات نحدد أربع محاور نعتبرها أساسية: *الحركة الاتحادية بين الشباب المؤسس وشباب المؤسسة. *الانخراط وأزمة التحول من المعطى السياسي التاريخي نحو المعطى الفئوي العمري. *التحول من منظمة نصف جماهيرية إلى قطاع حزبي. *الشباب الاتحادي بين الإدماج، الاحتواء، الإبعاد. أولا:الحركة الاتحادية بين الشباب المؤسس وشباب المؤسسة إن قراءة أولية لتاريخ الحركة الاتحادية تدفعنا إلى تسجيل ملاحظة أساسية مرتبطة بالفئة العمرية التي انخرطت في حزب الاستقلال والمؤمنة بمقاومة المستعمر وتحقيق الاستقلال، إلى الاستقلال عن حزب الاستقلال ، كانوا كلهم شباب مؤمن بالتغير والتقدم والديمقراطية. فالحزب الذي اعتبر بمثابة تجمع مجموعة من الوطنيين خارج الأعراف الديمقراطية، وهذا طبيعي فرضته مرحلة مقاومة المستعمر وتحقيق مغرب مستقل حداثي وديمقراطي. فالفعل المؤسس وفق مرجعيات إيديولوجية وديمقراطية كان بمبادرة شباب طموح ووطني وبحس تقدمي ،فتم ولادة حزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، والتحرر والاشتراكية والعديد من الحساسيات والتنظيمات السياسية والجمعوية والثقافية، وذلك بهدف النهوض بأوضاع الطبقة الشغيلة والدفاع على مستقبل الأجيال القادمة بناة الغد. لقد انخرط الشباب الاتحادي للنضال في مختلف الواجهات الجماهيرية محملين بفكر ورؤية واحدة وموحدة وهي المؤسسة لكل المعارك التي خاضتها الحركة الاتحادية في طليعة المطالبين بتبني مشروع مجتمعي تقدمي وديمقراطي للانعتاق من مطبة المجتمع التقليدي والذي تتحكم فيه عقليات محافظة تزكي مختلف طقوس الرجعية والانحطاط الفكري والتبعية السياسية والاقتصادية من منطلق «جوع كلبك يتبعك» كانت إجابة الحركة الاتحادية واضحة متكاملة الأبعاد والممارسة، مشروع اجتماعي متضامن ،وهوية اشتراكية وبآلية ديمقراطية هدفها الأساسي توسيع الرقابة الاجتماعية وتحسين الخدمات الاجتماعية وتحقيق التغيير وفق خصوصية كل مرحلة، بين التغيير الجدري والنسقي الوظيفي،من هذا التصور الإديولوجي كان الخصم السياسي واضح المعالم وكذلك الخصم الاجتماعي ،ومن تم فالاختلاف فرض نفسه، لكن كمتغير ثانوي وفق قراءة كل طرف للمرحلة ،أي طبيعة القراءة ، طرح الإجابة وتوقيتها. لقد حققت الحركة الاتحادية التراكم النضالي كتنظيمات وكأفراد واستطاعت أن تفرض نفسها في المشهد السياسي كفاعل تاريخاني وكقوة اقتراحية ومرجعية في تقديم الإجابات التي تخدم المشروع الاجتماعي الديمقراطي، وتطمح إلى تحقيق الازدهار والتقدم، وعبر سيرورة التاريخ النضالي للحركة الاتحادية كان منعطف مأسسة الشباب الاتحادي ضمن منظمة الشبيبة الاتحادية ، تفرضه الظروف التاريخية وتفاعلات الحقل السياسي المتوتر والذي كان يبحث له عن مخرج يخفف درجة الضغط ويفتح ثغرة في أفق الانغلاق السياسي والحصار المضروب على الفاعلين أطراف الصراع . و منذ تأسيس الشبيبة الاتحادية و تنظيم الشباب الاتحادي إلى اليوم ،عرفت العديد من الهزات التنظيمية الداخلية،و في علاقتها بالحزب أومع بعض الفرقاء السياسيين،لكنها وفي ظل هذا المخاض السياسي والتنظيمي لم تستطع الاشتغال بمنطق المؤسسة في التدبير والتسيير وظلت عاجزة عن فتح النقاش المؤسساتي والحداثي وإعادة الاعتبار للقانون الداخلي والعمل به واحترامه،وتوزيع الأدوار وتحديد الوظائف والمسؤوليات وفق معايير الكفاءة والمصداقية والمحاسبة الديمقراطية والمؤسسة بناء عليها والمرتبطة بطريقة اتخاذ القرار بين الأجهزة المقررة والمسيرة،فالمفروض من خلال مأسسة عمل الشبيبة الاتحادية هو تحصينها تنظيميا وسياسيا،وضمان استقرارها واستقلال قراراتها لتجاوز الاختلالات وتدبير الاختلاف واحتواء الصراع والتناقضات الداخلية. ومن أهم العراقيل التي يجب تجاوزها لمأسسة عمل الشبيبة المستقبلي نحدد ما يلي: 1-ضعف الثقة في الشبيبة الاتحادية: فأغلب الحزبيين محليا ووطنيا ،ومختلف الفاعلين الجمعويين والسياسيين والإعلاميين لا ينظرون إلى المنظمة إلا من زاوية صراعها مع الحزب ، وأن قوتها واستمرارها في الفعل والنضال لن يتأتى إلا بمدى صمودها ومواجهتها للمواقف الرسمية للحزب، فأصبحت بذلك بؤرة للتوتر والصراعات التنظيمية الضيقة، فمجموعة من المسؤولين في صفوف الشبيبة الاتحادية بعد اختلاقهم للعديد من المشاكل والأزمات التنظيمية،واتخاذهم لمواقف سياسية خارج الضوابط التنظيمية والتي لا تعبر في كثير من الأحيان والأحوال عن المنظمة ولا عن الشباب المغربي المؤمن بمشروعنا المجتمعي،انسحبوا من التنظيم الشبيبي والحزبي وربما حتى العمل السياسي. 2-الارتباط بالأشخاص: ظلت الشبيبة الاتحادية مرتبطة بالأشخاص، سواء على مستوى اتخاذ القرار التنظيمي ، أو على مستوى الفعل الميداني والإشعاعي في غياب تغييب تام للمؤسسة بشكلها العلمي المتعارف عليه ووفق ما تحدده القوانين الداخلية والمبادئ الديمقراطية،لدرجة ساد الاعتقاد أنه بذهاب بعض القيادات ستنهار بنية التنظيم ولن يستمر في الوجود ، وتناسوا أو لنقل نقص الوعي التحليلي والمؤسساتي لديهم، أن التنظيم يستمد قوته من ذاته ومن الحزب الذي تنتمي إليه في إطار تفاعلي، لكن وهذا هو المهم تستمده من المجتمع ومن الشباب المؤمن بالتغيير والديمقراطية الاجتماعية. 3- غياب المحاسبة : لم تتحمل الأجهزة المسيرة للشبيبة الاتحادية أفرادا وجماعات مسؤولياتها الكاملة في تدبير العمل اليومي النضالي للمنظمة وترشيد مواردها المادية والبشرية، واحترام طريقة اتخاذ القرار،فعقد المؤتمرات الخاصة بالشبيبة الاتحادية والجموع العامة للفروع والقطاعات التابعة لها عادة ما كانت تتم في غياب كلي أو جزئي للمسؤولين عن تلك المرحلة السابقة،على سبيل المثال : * تكون سكرتارية وطنية للتهييئ لعقد مؤتمر الأمل صيف 2002 *تكون لجنة تحضيرية يترأسها كاتب وطني انتخب استثنائيا للتهييئ للمؤتمر السابع. لقد تم تهريب المنظمة عن قواعدها الديمقراطية وتفشت ظاهرت الإنفراد بالقرارات والمواقف ، وتجميد صارخ للهياكل التنظيمية،وبالإضافة إلى سوء التسيير الديمقراطي،نسجل سوء عقلنه الموارد المالية وميزانية الشبيبة،افعل ما شئت فإنك في غنى عن المحاسبة أو المراقبة،فلا أحد يملك سلطة إخضاعك للمساءلة التنظيمية ، ولا أحد يملك آلية إحضارك لتقديم التقرير الأدبي والأخلاقي والمالي في المحطات التنظيمية حسب تراتبيتها ومكان وزمان عقدها ، والمحددة لتداول السلط والمسؤوليات حسب ما تفرضه القوانين الداخلية والضامنة لاستمرار التنظيم. 4-غياب التوثيق: الذين تحكموا في تدبير النضال اليومي للشبيبة الاتحادية انشغلوا أكثر بهيكلة الفروع وتنظيم الأنشطة الإشعاعية خارج الضوابط التنظيمية ، وذلك لاستعرض العضلات العددية والمزايدات السياسية الضيقة ، لتوظيفها في الصراعات المفبركة سلفا ، فتم إهمال الشق المؤسساتي و الحاسم لتسيير المؤسسة واستمرارها، لدرجة لم يعد لدينا أية معطيات أو إحصاءات عن عدد المنخرطين ،تكوينهم ، تقسيمهم حسب القطاعات... وإذا ما وجدت بعض اللوائح فإن محاضر الاجتماعات ، الصور ، أشرطة الفيديو، تقارير الأنشطة ، عناوين الشركاء هوياتهم مغيبة تماما أو مبثورة ، فالوثائق الخاصة بالمؤسسة إما أنها أتلفت بشكل تلقائي نتيجة الإهمال و اللامبالاة المرتبطة بغياب المسؤولية ، أو أن بعض النفوس الضعيفة حاولوا طمس الملامح النضالية التاريخية للتنظيم الشبيبي وتهريب هذه الوثائق. 5-المركزية الديموقراطية: كرست الشبيبة الاتحادية طريقة اشتغال أكثر مركزية ، المكتب الوطني واللجنة المركزية ، ثم في المرحلة الأخيرة المكتب الوطني، ومنظرا لطبيعة الصراع ومركزته، والاكتفاء بالاشتغال في دوائر حلقية ومرتبطة بالقرار المنبثق عن الجهاز المركزي ، ساهم في تهميش الأجهزة المحلية والاقليمية ، كما أنها لم تستطع خلق آليات تنظيمية جهوية تتمتع بالاستقلال المادي والمعنوي،أي أنها لم تساير التحول المجتمعي الذي أصبحت مؤسساته تتبنى المنهجية اللامركزية واللاتمركز والتي تركز على سياسة القرب وتساعد على تكتيف الجهود المحلية وتوحيد الطاقات للتنمية والتأطير على المستوى المحلي،هذه المركزية المفرطة في القرار والفعل أثرت سلبا على الأجهزة المحلية والإقليمية ،فجمدت بعضها وانحلت أخرى ، واقتصر اشتغالها في إطار التبعية للفروع الحزبية والكتابات الإقليمية وانحصرت في التهييئ للانتخابات التشريعية ، والتحول إلى كتلة ناخبة في المحطات التنظيمية الحزبية، وتم بذلك إعمال القطيعة مع الجهاز الوطني المسؤول عن التدبير اليومي لفروع الشبيبة وهياكلها المحلية والإقليمية والجهوية . 6-التواصل: لقد خسرت الشبيبة الاتحادية إحدى أهم تقنيات التواصل مع المجتمع ومع باقي المناضلين المنتمين إلى صفوفها أو مختلف مكونات الحركة الاتحادية ، فتوقيف جريدة ناطقة باسم المنظمة أضاع على الشباب والشبيبة إمكانية للتواصل والإخبار مهمة وفاعلة ومؤثرة ، منتجة وضرورية، فانقطعت الصلة بين شبكة الفروع الشبيبية ، وتقزم دور الشبيبة الاتحادية في التعريف وإنتاج النخب ، ولم تعد عملية تقديم الشباب وتكوينهم موضع أولوية سياسية واجتماعية، خصوصا في الجانب الإبداعي والإعلامي والفكري،كما أن تقنيات التواصل التقليدي وهي المراسلات، فانعدمت دون تبني تقنيات التواصل الحديثة واستغلال الشبكة العنكبوتية للتعريف بالمنظمة والتواصل مع أغلب المناضلين وأكبر شرائح الشباب، وظلت أداة التواصل الوحيدة هي الهاتف الذي زكى الحلقية والتهميش والتبعية، والتي هي في نهاية المطاف غير رسمية وغير معتمدة تنظيميا. إن مأسسة الحركة الشبابية داخل إطار الشبيبة الاتحادية من بين أهم عوامل إضعاف الحركة الاتحادية وتمزقها، حيث أن الصراع الداخلي للحركة في جزء كبير، تحول إلى صراع الأجيال وتشبيب الحركة والتداول عن السلطة، ويمكن القول أنه حتى هذه المؤسسة لم ترق إلى المستوى الاحترافي والحداثي والعقلاني، وظلت تعاني العديد من الإكراهات ولكي نتجاوزها نحتاج إلى الكثير من اللياقة السياسية والمؤسساتية تعيد موقعة الشبيبة الاتحادية ليس كتنظيم ولكن كفاعل رئيسي داخل الحركة الاتحادية. ثانيا: التحول من منظمة نصف جماهيرية إلى قطاع حزبي ظل الانتماء لصفوف الشبيبة الاتحادية ولمدة سنين طويلة لا يعني بالضرورة الانتماء إلى الحزب، وكذلك بالعكس تماما، فالمنخرطين في صفوف الحزب لا يعني انتماؤهم إلى الشبيبة الاتحادية ، ولكن بمعنى أصح مناضلين من داخل الحركة الاتحادية ، ولم يكن مطروحا بالبت و المطلق وهم صراع الأجيال داخل الحركة الاتحادية ،أو وجود حدود وإطار للاشتغال خاص بالشبيبة الاتحادية وآخر خاص بالحزب ، كما لم يكن مطروحا على المنظمة الشبابية أمر تعريف وظيفتها ودورها مادام أن ما ينتظره منها المناضل والمواطن على حد السواء هو النضال في طليعة الجماهير الشعبية ، وبالتالي ليس هناك فرق بين وظيفة الحزب ووظيفة الشبيبة الاتحادية لدرجة التماهي وفي كثير من الأحيان تأخذ الدور الريادي في مجموعة من المعارك، ساعدها في ذلك عدة عوامل تاريخية متعلقة بالظرفية السياسية والاجتماعية ووضوح الرؤية الإيديولوجية الاقتصادية، كما ان العامل البيولوجي كان حاضرا بقوة نظرا لغياب الفارق الكبير بين الأجيال وتقارب السن بين المناضلين سواء داخل الشبيبة الاتحادية أو داخل الحزب، ويمكن القول أن شبابية الحركة الاتحادية والتقارب العمري بين قيادتها أولا، ثم بين القيادة والقواعد، ساعدها على الانتشار والحركة وتكثيف التأطير والمواكبة وكل ما تتطلبه مرحلة العمل السري والعلني الخلوي . إن المصير المشترك والأهداف المستقبلية ووحدة الأداة والمرجعية أو تقاربها، قّوى إمكانية تدخل الشبيبة الاتحادية والحركة الاتحادية الشابة،وكثف ووحد قدرتهما على الفعل الاجتماعي والتأطير السياسي، في مختلف الواجهات النضالية : النقابية ، الجمعوية ، الطلابية...وهي جزء من العوامل التي أفرزت قيادات كاريزمية وزعامات سياسية لازالت لحد الآن تسير دواليب المشهد السياسي والحزبي، وهنا لابد من طرح سؤال جوهري، هل يمكن للحركة الاتحادية أن تنتج قيادات سياسية لتسيير المجتمع الحداثي والمستقبلي، أم تكتفي بإنتاج تقنقراط لمستقبل العمل السياسي، والذي بدأت مؤشراته تظهر في الأفق مع حكومة جطو؟ مما لاشك فيه أن المشروع السياسي الذي تبنته الحركة الاتحادية وكانت الشبيبة الاتحادية في طليعته تمثل في جوهره بالإصلاحات الدستورية مما سهل عملية التعريف بالمنظمة والتعريف بما يتضمنه الدستور من غموض وتناقضات،فتعبأت الجماهير إلى جانبها ، لقد ظلت الشبيبة الاتحادية مبادرة و سباقة للفعل الميداني ، لديها قوة اقتراحية وجماهيرية أكثر فعالية ومؤثرة في القرار السياسي الحزبي وداخل المشهد السياسي وفي كثير من الاحيان تكون حاسمة، كما أن حرية حركتها واستقلال قرارها جعلها تشارك في الكثير من التظاهرات الدولية وعقدها عدة اتفاقات مع المنظمات الدولية والوطنية ، سواء كانت هذه الاتفاقات سياسية، حقوقية، جمعوية،ثقافية،في إطار توحيد الجهود وتبادل التجارب. لقد عرفت الشبيبة الاتحادية منذ مأسسة الشباب الحركي الاتحادي وتأسيس الشبيبة الاتحادية، تذبذب في آليات اشتغالها ونكوص في فرض قراراتها ، وتراجع في إشعاعها ونشاطها ومواقع تأثيرها،وهذا راجع إلى أسباب موضوعية وأخرى ذاتية ، فتحولات المشهد السياسي والتحول الديمقراطي لأحزاب الحركة الاتحادية، وتضييق الخناق على هياكلها وتسطير الحدود لأدوارها وعوامل أخرى خارجية سببت في هذا النكوص، لكن وبالموازاة مع ذلك، وبالإضافة إلى الصراعات الداخلية وغياب روح المؤسسة... نسجل سيطرة هاجس الرقابة الذاتية خصوصا في التعاطي مع المواقف السياسية والاجتماعية الحاسمة، وإبداء الرأي والتفاعل معها، وذلك حتى لا تسقط في فخ التعارض مع المواقف والقرارات الرسمية للحزب ، والتي قد تضعفه أو تربك حساباته الداخلية والخارجية، فأصبحت رهينة الإنتظارية إن لم نقل الإتكالية، فتأرجحت مواقفها بين المؤيدين والمعارضين، المشاركين والمنسحبين ،المجتهدين والمتقاعسين، الخاضعين والمتمردين،المهتمين واللامبالين،الديمقراطيين والانتهازيين،الطامحين والطامعين، الفاهمين والمتزطمين، التابعين ومن تبعهم،وعلى سبيل المثال لا الحصر نذكر: الميثاق الوطني للتربية والتكوين-الموقف من الإصلاحات الدستورية- الموقف من المشاركة في الحركة الاجتماعية- الموقف من المشاركة في الحكومة- دعم والانخراط في جمعية المعطلين وحاملي الشواهد العليا- حقوق الإنسان- القضايا ذات الطابع القومي .... لقد تزامن تراجع دور الشبيبة الاتحادية في المشهد السياسي مع تحولها إلى قطاع حزبي وإستغلال هذا المعطى سلبيا في اتجاه تشبيب الحزب ، فانخرط مناضلوها بوعي أو بدونه في التطاحنات التنظيمية والسياسية الداخلية، وعلى وجه التدقيق قبيل كل المحطات التنظيمية:مجالس فروع ، مجالس إقليمية، مجالس وطنية ، مؤتمرات. لقد تمأزق وتمزق وضع الشبيبة الاتحادية وهي تتحول من فاعل سياسي واجتماعي إلى فاعل تنظيمي وهنا لابد من طرح سؤال حول مفهوم المصاحبة والمواكبة، وهل تعني تأهيل الشباب لتحمل المسؤولية الحزبية وتسيير الشأن العام ، وضمنيا تشبيب الحزب، أم هو فقط محاصرة الشبيبة في حدود الوظيفة والدور وما هو مسموح به في إطار الكوطا والتنافس والتطلع داخل هوامشها؟ لقد عجزت الشبيبة الاتحادية في طرح وفرض المسألة الشبابية ضمن أولويات القرار الحزبي ،كما عجزت عن التفاعل مع الوضع الاجتماعي للشباب الذي يعاني التهميش ، البطالة ، الفقر، الأمية....وهنا يمكن أن نطرح سؤالين : كيف يمكن إشراك الشبيبة الاتحادية في القرار الحزبي ووضع السياسات ، وطرح الاقتراحات ووجهات نظرها في التدبير اليومي لشؤون الوطن و المواطن في العلاقة مع البرلمان والحكومة، وكحد أدنى في العلاقة مع الفريق البرلماني والوزارات التي يتحمل مسؤوليتها الإتحاد الاشتراكي؟ هل وظيفة الشبيبة الاتحادية هي فقط تعبئة الشباب وتأطيره في طرح أفق الانتخابات البرلمانية والجماعية،وإعطاء الشرعية للفاعل السياسي، أم هو طرح البدائل الممكنة والبرامج السياسية، والبحث عن الأجوبة التي يطرح أسئلتها المجتمع؟ ثالثا:العضوية في الشبيبة الاتحادية بين المعطى التاريخي السياسي والمعطى الفئوي العمري إن تأسيس الشبيبة الاتحادية أملته ضرورة نضالية وتاريخية مرتبطة في جزء كبير منها بالظروف السياسية التي عاشها الحزب والحصار المفروض والمضروب على مناضليه والتطبيق الممنهج الذي فرضته قوى المخزن على العمل السياسي والجماهيري ككل ، وبالتالي فتأسيس إطار شبابي نصف جماهيري قادر على خوض المعارك النضالية إلى جانب الحزب أو بدله ، لتخفيف الضغط على المؤسسة الحزبية وتحسين موقعها التفاوضي مع الأطراف والفرقاء السياسيين، ومن جهة ثانية ابتكار آليات جديدة للتواصل وتأطير أوسع الجماهير الشعبية، أي أن المعطى الموضوعي والعملي للانخراط في صفوف الشبيبة الاتحادية ينبني بالأساس على الإقتناع والالتزام بالفكر الاشتراكي الديمقراطي الاجتماعي، والإيمان بالمشروع التقدمي الذي يفرض التواجد المستمر والفعال والصادق إلى جانب مختلف شرائح المجتمع لتاطيرها والدفاع عن مصالحها وتحسين أوضاعها المعيشية. لكننا نجد اليوم ومنذ المؤتمر الخامس للشبيبة الاتحادية أن الانخراط في صفوف الشبيبة يرتكز على المعطى العمري المرتبط بتحديد السن بشكل تقني عصف بعدد كبير من المناضلين الشباب خارج الأجهزة الشبيبية، وليجدون أنفسهم خارج الأجهزة الحزبية ومنهم من وجد نفسه خارج اللعبة السياسية برمتها. إن تخفيض الفترة التي يقضيها الشباب والتي يخولها لهم القانون التنظيمي للشبيبة للاشتغال والنضال والتكوين في صفوفها بشكل تدريجي: 35سنة كحد أقصى في المؤتمر الخامس ومابين 30و35سنة في المؤتمر السادس و30سنة كحد أقصى في المؤتمر السابع ، لم يسبقها أي نقاش فكري أو علمي أو تنظيمي موسع ولم تستطع القيادات السابقة تهيئ الشروط المواتية والضرورية والكافية لتجنب الوقوع في اختلالات تنظيمية ووظيفية وسياسية وبشرية تسهل عملية الانتقال والتحول من المعطى السياسي النضالي إلى المعطى العمري ، وتخفيض سن الانتماء في صفوف الشبيبة تدريجيا ما بين ثلاث محطات تاريخية وحاسمة. لقد خسرت الشبيبة الاتحادية عددا كبيرا من مناضليها الذين ناضلوا وتكونوا في صفوفها بسبب تحديد سن الانتماء، وخسر الحزب مجموعة من الشباب الذي لو ظل في الحزب واندمج بشكل تلقائي في مختلف الهياكل المحلية والوطنية لعجل بعملية التشبيب التي يطالب بها الجميع، وساعد الحزب في إنتاج نخب سياسية لصالح المجتمع،وهنا لابد من طرح سؤال حول آليات إدماج الشباب في الهياكل المقررة للحزب، خصوصا أولائك الذين دافعوا على تصور الحزب وأثبتوا حنكة سياسية وقدرة تنظيمية وفكرية أثناء تحملهم لمسؤوليتهم داخل الأجهزة المسيرة للشبيبة أو الحزب؟ وإذا استبعدنا كل الحسابات التنظيمية ، والصراعات الداخلية في العلاقة مع المؤثرات الخارجية، واعتبرنا أن العامل الرئيسي لفرض تخفيض السن وتقنينه مرتبط بطبيعة التحولات السوسيولوجية لبنية المجتمع المغربي والذي أغلبية هرمه السكاني شابة، فهذا لا يعني بالبت والمطلق عدم الخوض في تحليل التحولات السوسيولوجية في بنية الهرم السكاني الحزبي وما يعرفه من شيخوخة والتي لانعني بها الإساءة أوالترويج لفكر إقصائي أو ضرب مصداقية المناضلين والذي يمكن أن ندرجه في إطار صراع الأجيال ، فنسبة تشبيب الحزب لا تتعدى 10% وهي الكوطا المخصصة للشبيبة الاتحادية في الأجهزة الحزبية ونقول أن نسبة الشباب تفوق هذه الرقم، وهذا نقاش فقهي وواقعي حول هل الشبيبة الاتحادية لا تمثل الشباب داخل الحزب؟، وإذا كان هذا صحيح، فإن تخفيض السن واقع تنظيمي لايتلاءم والواقع الحزبي، وكذلك الواقع الاجتماعي،وبالتالي وجب فتح نقاش حول كيف يمكن للشبيبة الاتحادية أن تمثل الشباب الحزبي و بصفة عامة الشباب المغربي؟ رابعا:الشباب الاتحادي بين الإدماج، الاحتواء ، الإبعاد. ظلت الشبيبة الاتحادية ومنذ مرحلة التأسيس، عضوا فاعلا ورئيسيا في المعادلة السياسية المغربية، وبالأخص المعادلة التنظيمية والسياسية للحزب، واستمرت تمثيلية الشبيبة في مختلف الأجهزة الحزبية حاضرة بقوة، إن لم نقل حاسمة في صياغة القرار الحزبي والتحكم في الأجهزة الحزبية في بعض المواقع والتأثير عليها في مواقع أخرى، وفي ظل نمط انتخاب الأجهزة عن طريق لجنة الترشيحات ، تبلور عرف تنظيمي يفرض حق الشبيبة الاتحادية في الأجهزة المسيرة والمقررة محليا ووطنيا، ولم يكن الأمر يتطلب تقنين العرف وصياغة القانون في كوطا خاصة بالشبيبة وليس بالشباب ، أي حتم على ما تبقى من الشباب الطامح إلى تحمل المسؤولية داخل الحزب، خوض غمار المنافسة الديمقراطية غير المتكافئة، أمام مناضلين تربطهم علاقة التاريخ والنضال المشترك والمصالح والصداقات ...الشيء الذي عجل برحيل مجموعة من الشباب الاتحادي خارج القنوات التنظيمية. ما يمكن قوله هو أن التمييز الايجابي، الكوطا الخاصة بتمثيلية الشبيبة في صفوف الحزب، كانت عرفا يعبر في جوهره عن تمثيلية الشباب ، وبالتالي فإدماج الشبيبة من خلال الكوطا تحول إلى محاصرة وتقزيم امتداد الشباب داخل الحزب ،أي احتواء الحركة الشبابية والتحكم فيها وتجميدها في هياكل غير مفعلة كفاية، المجلس الوطني، دون الارتقاء إلى مستوى التمثلية داخل المكتب السياسي ، هذا الاحتواء تحول إلى نوع من التهميش والإبعاد من الأجهزة المقررة مثال: الصراع الذي خاضه المكتب الوطني من أجل الحفاظ على تمثيليته للشبيبة الاتحادية في المجلس الوطني في تأويل متناقض للفصل 163 من القانون الداخلي والذي انتهى بتصويت أعضاء المجلس الوطني لصالح الشبيبة الاتحادية،ومن انخراطها كليا في التحضير للمؤتمر الثامن للحزب والذي شكل منعطفا تاريخيا في تاريخ الحزب، خصوصا في العلاقة مع تكريس الديمقراطية الداخلية وبداية طرح الأرضيات السياسية كقاعدة للاختلاف والتباري وتحمل المسؤولية. لقد ساهمت الكوطا الخاصة بالشبيبة الاتحادية أو ما يسمى التمييز الإيجابي في التسريع بالصراعات بين أعضائها حول من يظفر أولا بهذه المقاعد، وثانيا حول من يقدر على تسيير هذه المنظمة، وهكذا أغفلت المنظمة طرح الإشكالات الرئيسية وخاضت دوامة النقاشات الثانوية، إن الرهان الذي أهملته الشبيبة الاتحادية وتجنبت الدخول في غماره متعلق بقدرتها على تسيير الحزب ، وبالتالي فرض إصلاحات جوهرية لصالح الشباب ، وتبوء مواقع التسيير اليومي للمناضلين والمواطنين من خلال مراكز القرار والمجالس المنتخبة ، هذا دون إعمال القطيعة و إنكار مجهودات مناضلين الشرفاء والذين خاضوا المعارك السياسية زمن الجمر والرصاص،وهم في عز الشباب ، ومن دون كذلك خوض معركة صراع الأجيال من منظور عمري، يهمش الفعالية والقدرة على العطاء وتحمل المسؤولية، إن تجميع الحركة الشبابية داخل الحركة الاتحادية أو بمعنى خاص داخل حزبنا الاتحاد الاشتراكي من شأنه أن يعجل بطرح المسالة الشبابية في صلب اهتماماته، لاعتبار سياسي واقتصادي واجتماعي ، يحفز الشباب على المشاركة في العمل السياسي والحزبي المنظم ، وبالتالي وفي إطار تفاعلي يقدم اقتراحات وإجابات ملموسة للتساؤلات التي يطرحها المجتمع، أبرزها العزوف الانتخابي ومن العمل السياسي المنظم ككل، ومن جهة ثانية: التسريع بتشبيب الأحزاب وتحصينها ديمقراطيا والمساهمة في إعادة المجتمع وتقدمه وتحديثه ضد الفكر الظلامي الهدام والذي أغلب قياداته وأمرائه شباب. تعيش الشبيبة الاتحادية اليوم بعد مرحلة الإدماج /الاحتواء في هامش القرار الحزبي وهامش القرار الاجتماعي ، وأن إجابتها ظلت ضعيفة المفعول وغير مؤثرة، أمام تفاقم الوضع الاجتماعي للشباب،وتمييع الحقل السياسي وشيخوخته، وهنا لابد من التأكيد على ضرورة مواكبة الشباب المغرب الذي تمثله والتي هي جزء منه وطرح الإكراهات التي يتخبط فيها الشباب المغربي وخوض المعارك النضالية إلى جانبه والانخراط في الحركات الشبابية والاحتجاجية والعودة لريادتها، باستحضار مشروعنا الاجتماعي الذي نؤمن به، فشبيبة الهامش لا يمكن أن تأطر شباب الهامش إلا بتبني مشاكله والدفاع عن مصالحه، وبذلك يسهل موقعة الشبيبة في مركز القرار الحزبي عن طريق تسريع الحراك الاجتماعي داخل الحزب ، ويسهل موقعة الشباب في المواقع الاجتماعية، عن طريق تسريع الحراك الاجتماعي، فالعملية تبادلية تفاعلية تواصلية وبراغماتية، لكن يجب أن نحصن ذواتنا إذا ما وفقنا، أن نخلق زعامات سياسية في المستقبل تصبح كاريزمية، تنقلب على خطابها الإصلاحي هذا ، فتتحول إلى قوة محافظة تدفع في التحالف مع القوى التي تخاطب الروح عوض العقل وتتبنى منهجية الإيمان عوض منهجية العلم.