لقد عرفت الشبيبة الاتحادية منذ مأسسة الشباب الحركي الاتحادي وتأسيس الشبيبة الاتحادية، تذبذب في آليات اشتغالها ونكوص في فرض قراراتها ، وتراجع في إشعاعها ونشاطها ومواقع تأثيرها،وهذا راجع إلى أسباب موضوعية وأخرى ذاتية ، فتحولات المشهد السياسي والتحول الديمقراطي لأحزاب الحركة الاتحادية، وتضييق الخناق على هياكلها وتسطير الحدود لأدوارها وعوامل أخرى خارجية سببت في هذا النكوص، لكن وبالموازاة مع ذلك، وبالإضافة إلى الصراعات الداخلية وغياب روح المؤسسة... نسجل سيطرة هاجس الرقابة الذاتية خصوصا في التعاطي مع المواقف السياسية والاجتماعية الحاسمة، وإبداء الرأي والتفاعل معها، وذلك حتى لا تسقط في فخ التعارض مع المواقف والقرارات الرسمية للحزب ، والتي قد تضعفه أو تربك حساباته الداخلية والخارجية، فأصبحت رهينة الإنتظارية إن لم نقل الإتكالية، فتأرجحت مواقفها بين المؤيدين والمعارضين، المشاركين والمنسحبين ،المجتهدين والمتقاعسين، الخاضعين والمتمردين،المهتمين واللامبالين،الديمقراطيين والانتهازيين،الطامحين والطامعين، الفاهمين والمتزطمين، التابعين ومن تبعهم،وعلى سبيل المثال لا الحصر نذكر: الميثاق الوطني للتربية والتكوين-الموقف من الإصلاحات الدستورية- الموقف من المشاركة في الحركة الاجتماعية- الموقف من المشاركة في الحكومة- دعم والانخراط في جمعية المعطلين وحاملي الشواهد العليا- حقوق الإنسان- القضايا ذات الطابع القومي .... لقد تزامن تراجع دور الشبيبة الاتحادية في المشهد السياسي مع تحولها إلى قطاع حزبي وإستغلال هذا المعطى سلبيا في اتجاه تشبيب الحزب ، فانخرط مناضلوها بوعي أو بدونه في التطاحنات التنظيمية والسياسية الداخلية، وعلى وجه التدقيق قبيل كل المحطات التنظيمية:مجالس فروع ، مجالس إقليمية، مجالس وطنية ، مؤتمرات. لقد تمأزق وتمزق وضع الشبيبة الاتحادية وهي تتحول من فاعل سياسي واجتماعي إلى فاعل تنظيمي وهنا لابد من طرح سؤال حول مفهوم المصاحبة والمواكبة، وهل تعني تأهيل الشباب لتحمل المسؤولية الحزبية وتسيير الشأن العام ، وضمنيا تشبيب الحزب، أم هو فقط محاصرة الشبيبة في حدود الوظيفة والدور وما هو مسموح به في إطار الكوطا والتنافس والتطلع داخل هوامشها؟ لقد عجزت الشبيبة الاتحادية في طرح وفرض المسألة الشبابية ضمن أولويات القرار الحزبي ،كما عجزت عن التفاعل مع الوضع الاجتماعي للشباب الذي يعاني التهميش ، البطالة ، الفقر، الأمية....وهنا يمكن أن نطرح سؤالين : كيف يمكن إشراك الشبيبة الاتحادية في القرار الحزبي ووضع السياسات ، وطرح الاقتراحات ووجهات نظرها في التدبير اليومي لشؤون الوطن و المواطن في العلاقة مع البرلمان والحكومة، وكحد أدنى في العلاقة مع الفريق البرلماني والوزارات التي يتحمل مسؤوليتها الإتحاد الاشتراكي؟ هل وظيفة الشبيبة الاتحادية هي فقط تعبئة الشباب وتأطيره في طرح أفق الانتخابات البرلمانية والجماعية،وإعطاء الشرعية للفاعل السياسي، أم هو طرح البدائل الممكنة والبرامج السياسية، والبحث عن الأجوبة التي يطرح أسئلتها المجتمع؟ ثالثا:العضوية في الشبيبة الاتحادية بين المعطى التاريخي السياسي والمعطى الفئوي العمري إن تأسيس الشبيبة الاتحادية أملته ضرورة نضالية وتاريخية مرتبطة في جزء كبير منها بالظروف السياسية التي عاشها الحزب والحصار المفروض والمضروب على مناضليه والتطبيق الممنهج الذي فرضته قوى المخزن على العمل السياسي والجماهيري ككل ، وبالتالي فتأسيس إطار شبابي نصف جماهيري قادر على خوض المعارك النضالية إلى جانب الحزب أو بدله ، لتخفيف الضغط على المؤسسة الحزبية وتحسين موقعها التفاوضي مع الأطراف والفرقاء السياسيين، ومن جهة ثانية ابتكار آليات جديدة للتواصل وتأطير أوسع الجماهير الشعبية، أي أن المعطى الموضوعي والعملي للانخراط في صفوف الشبيبة الاتحادية ينبني بالأساس على الإقتناع والالتزام بالفكر الاشتراكي الديمقراطي الاجتماعي، والإيمان بالمشروع التقدمي الذي يفرض التواجد المستمر والفعال والصادق إلى جانب مختلف شرائح المجتمع لتاطيرها والدفاع عن مصالحها وتحسين أوضاعها المعيشية. لكننا نجد اليوم ومنذ المؤتمر الخامس للشبيبة الاتحادية أن الانخراط في صفوف الشبيبة يرتكز على المعطى العمري المرتبط بتحديد السن بشكل تقني عصف بعدد كبير من المناضلين الشباب خارج الأجهزة الشبيبية، وليجدون أنفسهم خارج الأجهزة الحزبية ومنهم من وجد نفسه خارج اللعبة السياسية برمتها. إن تخفيض الفترة التي يقضيها الشباب والتي يخولها لهم القانون التنظيمي للشبيبة للاشتغال والنضال والتكوين في صفوفها بشكل تدريجي: 35سنة كحد أقصى في المؤتمر الخامس ومابين 30و35سنة في المؤتمر السادس و30سنة كحد أقصى في المؤتمر السابع ، لم يسبقها أي نقاش فكري أو علمي أو تنظيمي موسع ولم تستطع القيادات السابقة تهيئ الشروط المواتية والضرورية والكافية لتجنب الوقوع في اختلالات تنظيمية ووظيفية وسياسية وبشرية تسهل عملية الانتقال والتحول من المعطى السياسي النضالي إلى المعطى العمري ، وتخفيض سن الانتماء في صفوف الشبيبة تدريجيا ما بين ثلاث محطات تاريخية وحاسمة. لقد خسرت الشبيبة الاتحادية عددا كبيرا من مناضليها الذين ناضلوا وتكونوا في صفوفها بسبب تحديد سن الانتماء، وخسر الحزب مجموعة من الشباب الذي لو ظل في الحزب واندمج بشكل تلقائي في مختلف الهياكل المحلية والوطنية لعجل بعملية التشبيب التي يطالب بها الجميع، وساعد الحزب في إنتاج نخب سياسية لصالح المجتمع،وهنا لابد من طرح سؤال حول آليات إدماج الشباب في الهياكل المقررة للحزب، خصوصا أولائك الذين دافعوا على تصور الحزب وأثبتوا حنكة سياسية وقدرة تنظيمية وفكرية أثناء تحملهم لمسؤوليتهم داخل الأجهزة المسيرة للشبيبة أو الحزب؟ وإذا استبعدنا كل الحسابات التنظيمية ، والصراعات الداخلية في العلاقة مع المؤثرات الخارجية، واعتبرنا أن العامل الرئيسي لفرض تخفيض السن وتقنينه مرتبط بطبيعة التحولات السوسيولوجية لبنية المجتمع المغربي والذي أغلبية هرمه السكاني شابة، فهذا لا يعني بالبت والمطلق عدم الخوض في تحليل التحولات السوسيولوجية في بنية الهرم السكاني الحزبي وما يعرفه من شيخوخة والتي لانعني بها الإساءة أوالترويج لفكر إقصائي أو ضرب مصداقية المناضلين والذي يمكن أن ندرجه في إطار صراع الأجيال ، فنسبة تشبيب الحزب لا تتعدى 10% وهي الكوطا المخصصة للشبيبة الاتحادية في الأجهزة الحزبية ونقول أن نسبة الشباب تفوق هذه الرقم، وهذا نقاش فقهي وواقعي حول هل الشبيبة الاتحادية لا تمثل الشباب داخل الحزب؟، وإذا كان هذا صحيح، فإن تخفيض السن واقع تنظيمي لايتلاءم والواقع الحزبي، وكذلك الواقع الاجتماعي،وبالتالي وجب فتح نقاش حول كيف يمكن للشبيبة الاتحادية أن تمثل الشباب الحزبي و بصفة عامة الشباب المغربي؟ رابعا:الشباب الاتحادي بين الإدماج، الاحتواء ، الإبعاد. ظلت الشبيبة الاتحادية ومنذ مرحلة التأسيس، عضوا فاعلا ورئيسيا في المعادلة السياسية المغربية، وبالأخص المعادلة التنظيمية والسياسية للحزب، واستمرت تمثيلية الشبيبة في مختلف الأجهزة الحزبية حاضرة بقوة، إن لم نقل حاسمة في صياغة القرار الحزبي والتحكم في الأجهزة الحزبية في بعض المواقع والتأثير عليها في مواقع أخرى، وفي ظل نمط انتخاب الأجهزة عن طريق لجنة الترشيحات ، تبلور عرف تنظيمي يفرض حق الشبيبة الاتحادية في الأجهزة المسيرة والمقررة محليا ووطنيا، ولم يكن الأمر يتطلب تقنين العرف وصياغة القانون في كوطا خاصة بالشبيبة وليس بالشباب ، أي حتم على ما تبقى من الشباب الطامح إلى تحمل المسؤولية داخل الحزب، خوض غمار المنافسة الديمقراطية غير المتكافئة، أمام مناضلين تربطهم علاقة التاريخ والنضال المشترك والمصالح والصداقات ...الشيء الذي عجل برحيل مجموعة من الشباب الاتحادي خارج القنوات التنظيمية. ما يمكن قوله هو أن التمييز الايجابي، الكوطا الخاصة بتمثيلية الشبيبة في صفوف الحزب، كانت عرفا يعبر في جوهره عن تمثيلية الشباب ، وبالتالي فإدماج الشبيبة من خلال الكوطا تحول إلى محاصرة وتقزيم امتداد الشباب داخل الحزب ،أي احتواء الحركة الشبابية والتحكم فيها وتجميدها في هياكل غير مفعلة كفاية، المجلس الوطني، دون الارتقاء إلى مستوى التمثلية داخل المكتب السياسي ، هذا الاحتواء تحول إلى نوع من التهميش والإبعاد من الأجهزة المقررة مثال: الصراع الذي خاضه المكتب الوطني من أجل الحفاظ على تمثيليته للشبيبة الاتحادية في المجلس الوطني في تأويل متناقض للفصل 163 من القانون الداخلي والذي انتهى بتصويت أعضاء المجلس الوطني لصالح الشبيبة الاتحادية،ومن انخراطها كليا في التحضير للمؤتمر الثامن للحزب والذي شكل منعطفا تاريخيا في تاريخ الحزب، خصوصا في العلاقة مع تكريس الديمقراطية الداخلية وبداية طرح الأرضيات السياسية كقاعدة للاختلاف والتباري وتحمل المسؤولية. لقد ساهمت الكوطا الخاصة بالشبيبة الاتحادية أو ما يسمى التمييز الإيجابي في التسريع بالصراعات بين أعضائها حول من يظفر أولا بهذه المقاعد، وثانيا حول من يقدر على تسيير هذه المنظمة، وهكذا أغفلت المنظمة طرح الإشكالات الرئيسية وخاضت دوامة النقاشات الثانوية، إن الرهان الذي أهملته الشبيبة الاتحادية وتجنبت الدخول في غماره متعلق بقدرتها على تسيير الحزب ، وبالتالي فرض إصلاحات جوهرية لصالح الشباب ، وتبوء مواقع التسيير اليومي للمناضلين والمواطنين من خلال مراكز القرار والمجالس المنتخبة ، هذا دون إعمال القطيعة و إنكار مجهودات مناضلين الشرفاء والذين خاضوا المعارك السياسية زمن الجمر والرصاص،وهم في عز الشباب ، ومن دون كذلك خوض معركة صراع الأجيال من منظور عمري، يهمش الفعالية والقدرة على العطاء وتحمل المسؤولية، إن تجميع الحركة الشبابية داخل الحركة الاتحادية أو بمعنى خاص داخل حزبنا الاتحاد الاشتراكي من شأنه أن يعجل بطرح المسالة الشبابية في صلب اهتماماته، لاعتبار سياسي واقتصادي واجتماعي ، يحفز الشباب على المشاركة في العمل السياسي والحزبي المنظم ، وبالتالي وفي إطار تفاعلي يقدم اقتراحات وإجابات ملموسة للتساؤلات التي يطرحها المجتمع، أبرزها العزوف الانتخابي ومن العمل السياسي المنظم ككل، ومن جهة ثانية: التسريع بتشبيب الأحزاب وتحصينها ديمقراطيا والمساهمة في إعادة المجتمع وتقدمه وتحديثه ضد الفكر الظلامي الهدام والذي أغلب قياداته وأمرائه شباب. تعيش الشبيبة الاتحادية اليوم بعد مرحلة الإدماج /الاحتواء في هامش القرار الحزبي وهامش القرار الاجتماعي ، وأن إجابتها ظلت ضعيفة المفعول وغير مؤثرة، أمام تفاقم الوضع الاجتماعي للشباب،وتمييع الحقل السياسي وشيخوخته، وهنا لابد من التأكيد على ضرورة مواكبة الشباب المغرب الذي تمثله والتي هي جزء منه وطرح الإكراهات التي يتخبط فيها الشباب المغربي وخوض المعارك النضالية إلى جانبه والانخراط في الحركات الشبابية والاحتجاجية والعودة لريادتها، باستحضار مشروعنا الاجتماعي الذي نؤمن به، فشبيبة الهامش لا يمكن أن تأطر شباب الهامش إلا بتبني مشاكله والدفاع عن مصالحه، وبذلك يسهل موقعة الشبيبة في مركز القرار الحزبي عن طريق تسريع الحراك الاجتماعي داخل الحزب ، ويسهل موقعة الشباب في المواقع الاجتماعية، عن طريق تسريع الحراك الاجتماعي، فالعملية تبادلية تفاعلية تواصلية وبراغماتية، لكن يجب أن نحصن ذواتنا إذا ما وفقنا، أن نخلق زعامات سياسية في المستقبل تصبح كاريزمية، تنقلب على خطابها الإصلاحي هذا ، فتتحول إلى قوة محافظة تدفع في التحالف مع القوى التي تخاطب الروح عوض العقل وتتبنى منهجية الإيمان عوض منهجية العلم. 1