يقترح الناقد السينمائي محمد البوعيادي جملة مقاربات نقدية متعددة المناهج في مساءلة جوانب من مسار السينما المغربية، كبنية وفيلموغرافيا من جهة، وكمواكبة نقدية من جهة ثانية، وذلك في كتابه الصادر حديثا بعنوان: "السينما المغربية.. أسئلة التأويل وبناء المعنى". والكتاب الذي صدر عن دار (سليكي إخوان) بطنجة في 153 صفحة، تجميع لدراسات يلامس كل منها إشكالية مستقلة في السينما المغربية، وإن تضافرت لتقدم بانوراما عامة عن السينما المغربية في مسارها الإبداعي وقراءات في تجارب فيلمية بعينها، ومساءلة لراهن النقد السينمائي في تطوره من الشفهية والانطباعية الى المقاربة المنهجية المنتجة للمعنى. ينقسم متن الكتاب، وهو باكورة إصدارات الناقد السينمائي الشاب، الى فصلين. يشتمل الفصل الأول على محاور تتعلق بمحيط الفعل السينمائي على غرار "تأملات حول سؤال النقد السينمائي المغربي"، و"النقد السينمائي المغربي: محاولات في التأويل وانتاج المعنى"، و"وظائف الصورة السينمائية بالمغرب: ترفيه أم بناء للمعنى؟" ثم "القاعات السينمائية بالمغرب: من الازدهار الى الانحسار". أما الفصل الثاني فيقترح قراءات في أفلام مغربية تعكس رهانه على فعل نقدي تأويلي. في هذا الفصل يكتب البوعيادي عن المقدس باعتباره أفقا للخلاص في فيلم "باب السما مفتوح" لفريدة بليزيد، وعن الرغبة في تجريب جماليات بديلة لدى سعد الشرايبي في "نساء..ونساء" لسعد الشرايبي وعن التاريخ المغربي بعيون الآخر في "عطش" لنفس المخرج، وعن التاريخ المغربي باعتباره حدثا مغيبا في "عشاق موغادور" لسهيل بنبركة. كما يقدم البوعيادي في نفس الفصل قراءة في بنية الحكاية/الحكايات في فيلم "خيط الروح" وقراءة في البنية الدلالية والرمزية من خلال فيلم "ألف شهر". وتقديما للكتاب الذي طرح بمناسبة المعرض الدولي للكتاب والنشر بالدار البيضاء، اعتبر الناقد السينمائي محمد اشويكة أن "من حسنات الكتابة في باكورة محمد البوعيادي النقدية تعدد مرجعياتها وإحالاتها كما يظهر ذلك بجلاء عبر شتى مفاصل هذا الكتاب، فمواده مشبعة بالثقافة الأنغلوسكسونية بالنظر إلى التكوين الأكاديمي الأصلي (الأدب الإنجليزي) لصاحبه، ونهله المتجدد من العلوم الإنسانية، وانفتاحه المنهجي الذي يضمن له الوضوح دون السقوط في القولبة أو النمذجة.. وهو بذلك ينحو باتجاه تشكيل ما يمكن أن نسميه 'النص النقدي' الذي كلما انضبط للصرامة الأكاديمية يجد طريقا للانفلات منها، وكلما غلبت عليه لغة الكتابة، يلجأ للغة الصورة". ويضيف محمد اشويكة أن هذا الكتاب النقدي يسير عكس الرؤية الكلاسيكية التي وسمت تأليف الكتب عامة، "إذ يحذو حذو بعض الكتابات النقدية السينمائية في الغرب (فرنسا وأمريكا مثلا)، ويقتفي أثر بعض الكتابات المغربية التي نشير منها - على سبيل التوضيح لا المقارنة - إلى مؤلفات عبد السلام بنعبد العالي وعبد الفتاح كيليطو اللذان يصعب اقتحام عوالم جل كتبهما انطلاقا من مقدمة وخاتمة وفصول منتظمة، فهما يسعيان لتشكيل رؤية فلسفية ناظمة وأسلوب خاص في الكتابة وتلك ميزات تمنح الأولوية للتأمل والتبصر والنظر والسؤال والشك عوض اليقين والتأكيد والحسم وتسعى للتحليل والتسويغ والكشف بدل الغموض واللعب بالمصطلحات". ولاحظ اشويكة أنه عوض أن يكشف النص النقدي جمالية الفيلم بطريقة مباشرة ينشغل بالتفكير في السينما دون التفريط في ألق الكتابة، والسير نحو مضاعفة المعنى دون التفريط في إثارة الأحاسيس واستدعاء اللذة عبر الاستعانة بعدة مناهج (البنيوي، الوظيفي، السيميولوجي، التفكيكي، السردي...) لفك شفرات المتن الفيلمي المدروس وتحليل القضايا المطروحة. يذكر أن محمد البوعيادي باحث في السينما المغربية، صدرت له عدة دراسات في كتب جماعية ومجلات، وهو عضو الجمعية المغربية لنقاد السينما وعضو هيئة تحرير المجلة المغربية للأبحاث السينمائية ومدير لملتقى زرهون لسينما القرية.