«تيكاد 7» تراهن على تشجيع الاندماج الاقتصادي الإفريقي وتفعيل منطقة التجارة الحرة بالقارة السمراء
أبرز رهانات القمة انطلقت، أمس الأربعاء، بمدينة يوكوهامااليابانية، أشغال قمة مؤتمر طوكيو الدولي السابع للتنمية بإفريقيا (تيكاد 7) بمشاركة كبار المسؤولين اليابانيين، وقادة دول ورؤساء حكومات ووزراء من بلدان إفريقيا، بينها المغرب، فضلا عن مسؤولي وممثلي منظمات وهيئات دولية وإقليمية وكذا رجال أعمال ومنظمات غير حكومية. ويمثل المغرب في هذا المنتدى، الذي ينعقد من 28 إلى 30 غشت الجاري، وزير الشؤون الخارجية والتعاون الدولي، ناصر بوريطة، الذي يرأس وفدا يضم الوزير المنتدب المكلف بالتعاون الإفريقي، محسن الجزولي، وسفير المغرب في اليابان رشاد بوهلال، والسفير مدير الشؤون الآسيوية و الاوقيانوس، عبد القادر الأنصاري، والسفير مدير الوكالة المغربية للتعاون الدولي، محمد مثقال. كما تعرف هذه الدورة مشاركة عدد من الفاعلين الاقتصاديين المغاربة، خاصة الاتحاد العام لمقاولات المغرب، والوكالة المغربية لتنمية الاستثمارات والصادرات، والوكالة المغربية للطاقة المستدامة، والقطب المالي للدار البيضاء، والتجاري وفا بنك، فضلا عن مؤسسات وطنية أخرى وممثلي المجتمع المدني. وينكب أكثر من 4500 مشارك خلال فعاليات هذا المؤتمر الذي ينعقد تحت شعار «النهوض بالتنمية في إفريقيا بالاعتماد على الطاقات البشرية، والتكنولوجيا والابتكار»، على دراسة كيفية استغلال الإمكانات والمؤهلات الكبرى التي تتمتع بها إفريقيا لتوظيفها في تحقيق تنمية القارة بدعم من الشركاء الدوليين، وكذا مناقشة العوائق التي تحد من تحقيق أهداف التنمية المستدامة، لا سيما ما يتعلق بإشكالات الأمن والاستقرار بإفريقيا. ولهذا الغرض، يناقش المشاركون في هذا الحدث عددا من المواضيع المتنوعة التي ترتبط بهذه الرهانات ضمن محاور رئيسية تتعلق بتكريس أسس الأمن والاستقرار في القارة الإفريقية، وتسريع التحول الاقتصادي وتحسين مناخ الأعمال والاستثمار، وبناء مجتمعات مستدامة من أجل تحقيق الأمن الإنساني. كما يراهن المشاركون على تعزيز الحوار السياسي رفيع المستوى بين القادة الأفارقة وشركاء التنمية الدوليين، حول احتياجات وأولويات التنمية بالقارة ودعم تطلعاتها في تحقيق التكامل والاندماج الإقليمي والاقتصادي، وتفعيل منطقة التجارة الحرة القارية، وتعزيز التجارة وجلب الاستثماراث والنهوض باستخدام التكنولوجيا، وإرساء الأمن والسلم والاستقرار. ويعد مؤتمر طوكيو الدولي للتنمية بإفريقيا (تيكاد)، الذي أطلقته اليابان في سنة 1993، مؤتمرا دوليا حول تنمية إفريقيا ينظم بمبادرة من الحكومة اليابانية، بشراكة مع الأممالمتحدة، وبرنامج الأممالمتحدة الإنمائي، إلى جانب مفوضية الاتحاد الإفريقي والبنك الدولي. ويراهن مؤتمر طوكيو الدولي السابع للتنمية بإفريقيا، على تعميق وتكثيف التعاون بين هذا البلد الآسيوي الرائد والقارة الإفريقية الواعدة عبر تعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص والنهوض بالتكنولوجيا والابتكار، وكذا مقاربة التحديات الكبرى التي تواجه التنمية بالقارة السمراء. ويظل تعزيز الأمن والاستقرار بالقارة، باعتباره الدعامة الأساسية لتحقيق أهداف التنمية المستدامة، محور انشغال القادة اليابانيين والأفارقة وشركائهم في التنمية، حيث تدعم اليابان بشكل نشيط مساعي الأفارقة لحل النزاعات داخل القارة، وفي نفس الوقت تنخرط في تنفيذ برامج ومشاريع في مجالات اقتصادية واجتماعية حيوية في إطار تبنيها مفهوم «الأمن الإنساني» كأساس لسياساتها الخارجية. ويشكل هذا الحدث أيضا مناسبة لتقييم تنفيذ قرارات المؤتمر السابق «تيكاد 6» الذي نظم لأول مرة منذ تأسيسه في 1993 خارج اليابان، بنيروبي في كينيا في 2016، وخاصة ما يتعلق بتعهد اليابان استثمار 30 مليار دولار في إفريقيا على مدى ثلاث سنوات، منها 10 مليارات دولار في مجال تطوير البنيات التحتية، وكذا استعراض نتائج اتفاقات الشراكة العديدة التي وقعتها الشركات اليابانية مع نظيرتها الإفريقية في مجالات التعليم، والصحة، والزراعة، وتكنولوجيا المعلومات، والتعدين، والاتصالات، والطاقة. وقبل انعقاد المؤتمر، أكد رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي، في رسالة بالمناسبة تطلعه إلى إجراء مناقشات مع قادة الدول الإفريقية حول مستقبل إفريقيا المشرق خلال مؤتمر «تيكاد 7»، مبرزا أنه اليابان ستسعى إلى إحراز نتائج ملموسة من خلال مناقشات معمقة تتمحور بالأساس على ثلاثة ركائز أساسية وهي الاقتصاد، والمجتمع، والسلام والأمن. وبمناسبة هذا الحدث، يبرز دور المغرب المهم في مسار «تيكاد»، باعتباره بلدا رياديا في تعزيز التعاون على مستوى القارة الإفريقية، وهو ما أكده المدير العام لمديرية الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، بوزارة الشؤون الخارجية اليابانية، السفير كاتسوهيكو تكاهاشي، يوم الأحد بطوكيو. وأبرز المسؤول الياباني رفيع المستوى، الذي يشغل بالإضافة إلى مهامه كمدير عام للشؤون السياسة، منصبا مرموقا هو منصب مساعد وزير الشؤون الخارجية، السيد تارو كونو، أن اليابان «تولي أهمية كبرى» لشراكتها مع المغرب، الذي يعد بوابة نحو أوروبا، وإفريقيا والشرق الأوسط. وبعد أن ذكر بأن الموقع الجغرافي للمغرب وإمكانياته الاقتصادية القوية تغري بشكل كبير الشركات اليابانية، أبرز المسؤول الياباني في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، عشية انعقاد القمة السابعة لمؤتمر (تيكاد 7)، أن المملكة استقطبت ثاني أكبر عدد من المقاولات اليابانية على صعيد القارة الإفريقية (69 مقاولة)، مؤكدا أن «هذا الرقم مرشح للارتفاع» في المستقبل. كما جدد التأكيد على الموقف «الثابت والراسخ» بعدم اعتراف اليابان بالجمهورية الوهمية. وشدد على أن «اليابان لا تعترف ب(الصحراء الغربية) كدولة»، مؤكدا أن «اليابان تؤمن بأنه يتعين حل هذه القضية (الصحراء) بطريقة سلمية، من خلال الحوار بين الأطراف المعنية». وينظم مؤتمر «تيكاد» الذي أطلقته اليابان سنة 1993، بمبادرة من الحكومة اليابانية بشراكة مع الأممالمتحدة، وبرنامج الأممالمتحدة الإنمائي، ومفوضية الاتحاد الإفريقي والبنك الدولي. ويهدف المؤتمر إلى تعزيز الحوار السياسي رفيع المستوى بين إفريقيا وشركائها للتنمية، وتعبئة الدعم لفائدة مبادرات التنمية الإفريقية. وتطورت قمة «تيكاد»، على مر السنوات، لتصبح منصة عالمية تجمع مختلف الشركاء الدوليين لحشد الدعم لإفريقيا وتحقيق تطلعاتها التنموية. وعقدت الدورات الأربع الأولى ل»تيكاد» باليابان من 1993 حتى 2008 مرة كل 5 سنوات، ليتقرر في المؤتمر الخامس بمدينة يوكوهاما في 2013 عقدها كل ثلاث سنوات، فيما تبنت القمة السادسة التي انعقدت بالعاصمة الكينية (نيروبي) عام 2016، قرارا بعقد القمة بالتناوب بين اليابان وإفريقيا. ما هي «تيكاد»؟ عندما انتهت الحرب الباردة بدأ اهتمام البلدان المتقدمة بتقديم المساعدة لإفريقيا يتضاءل، وفي ظل هذه الظروف، كانت اليابان هي التي دافعت عن أهمية إفريقيا، وكان مؤتمر طوكيو الدولي للتنمية الإفريقية «تيكاد» دليلا على ذلك. حيث تشير وزارة الخارجية اليابانية عبر موقعها على شبكة الإنترنت، إلى أنه هناك، في الوقت الحاضر، العديد من المنتديات التي تتفاعل البلدان من خلالها مع إفريقيا، لكن مؤتمر «تيكاد» الذي أطلقته اليابان كان هو المنتدى الرائد من بين هذه المنتديات من أجل التنمية الإفريقية. فعلى مدار أكثر من 25 عاما منذ مؤتمر النسخة الأولى من المؤتمر الذي استضافته العاصمة اليابانيةطوكيو في عام 1993، يتمتع المنتدى بسجل حافل في تحسين الظروف الاجتماعية والاقتصادية في إفريقيا من خلال المساعدات والمنح التقنية بشكل أساسي. ففي السنوات الخمس التي بدأت من السنة المالية 2008، أنشأت حكومة اليابان 1321 مدرسة ابتدائية ومتوسطة، وحسّنت 4778 من مرافق الرعاية الصحية والطبية، وقدمت المياه النظيفة لنحو 10.79 مليون شخص آخر. وتقود اليابان القمة وتشترك في تنظيمه الأممالمتحدة وبرنامج الأممالمتحدة الإنمائي والبنك الدولي ومفوضية الاتحاد الإفريقي، حيث يتم توجيه الدعوة لحضور «تيكاد» لتشمل جميع رؤساء الدول والحكومات الإفريقية، وكذلك المنظمات الدولية والبلدان المانحة والشركات الخاصة الدعوات ومنظمات المجتمع المدني. وحتى النسخة الخامسة من المؤتمر، عقدت الاجتماعات على مستوى القمة كل خمس سنوات في اليابان، وبداية من عام 2016، سيعقد مؤتمر «تيكاد» كل ثلاث سنوات، على أن تتم استضافته بالتناوب بين الدول الإفريقية واليابان. ماذا عن القمة السابعة؟ أشار عدد من الدبلوماسيين والخبراء اليابانيين إلى أن بلادهم في طريقها لتحويل تركيزها في المساعدة الاقتصادية إلى الجودة وليس الكم. حيث قال شيجيرو أوشيو المدير العام لوزارة الشؤون الإفريقية بوزارة الخارجية اليابانية لصحيفة «ذا جابان تايمز» اليابانية إن «تيكاد 7» سيكون أكثر توجها نحو الأعمال التجارية من القمم السابقة لأن «القطاع الخاص الياباني أصبح جادا» بشأن الاقتصاد الإفريقي. وأضاف: «طلبت شركات القطاع الخاص اليابانية، من الحكومة اليابانية، السماح لهم بقيادة هذه المهمة، والتحدث خلال جلسة عامة في تيكاد للمرة الأولى». نتيجة لذلك ستعقد «تيكاد 7» جلسة حوار الأعمال من قبل ممثلي القطاعين الخاص والحكومي في 29 أغسطس، وهو الحدث الذي كان يتم تنظيمه على هامش القمة، لكن هذه المرة سيتم ترقيتها لتصبح جلسة عامة لأول مرة. وتقول الصحيفة اليابانية إن هناك أسبابا واضحة جعلت الشركات اليابانية أكثر جدية بشأن الأعمال التجارية في إفريقيا، حيث بدأ الاقتصاد الإفريقي، الذي كان يعاني من النزاعات الإقليمية والفقر والأزمات الغذائية، في التمتع بفوائد كبيرة من ارتفاع أسعار مختلف الموارد الطبيعية، مثل النفط والمعادن والسلع الأخرى في العقد الأول من القرن العشرين. ففي الفترة من عام 2000 حتى عام 2017، حافظت البلدان الإفريقية على نمو اقتصادي حقيقي مرتفع، بمعدل 4.3%، وفقًا لمؤتمر الأممالمتحدة للتجارة والتنمية. وفي الوقت نفسه من المتوقع أن يستمر عدد سكان القارة في النمو إلى 4.28 مليار في عام 2100، وسيبلغ عدد سكان آسيا ذروته في عام 2055 ليبدأ في التقلص بعد ذلك، وفقًا للأمم المتحدة. وقال شيجيرو أوشيو: «في نهاية هذا القرن، سيكون واحدا من بين كل أربعة أشخاص في العالم إفريقيا»، وتابع: «لذلك ستكون إفريقيا مهمة للغاية كسوق، يُعتبر الحد الأخير في القرن الحادي والعشرين». وأشارت «ذا جبان تايمز» إلى أن الاتحاد الياباني للمنظمات الاقتصادية «كيدانرين»، يؤكد الإمكانات الكبيرة للقارة الإفريقية، حيث حققت إفريقيا نموا اقتصاديا عاليا بفضل مواردها الطبيعية الغنية وعوامل أخرى. وقد ارتفع الناتج المحلي الإجمالي من 632 مليار دولار في عام 2001 إلى 2.1 تريليون دولار في عام 2016، حيث توسع الاقتصاد 3.4 مرات، وفقا لتقرير «كيدانرين» عن إفريقيا في سبتمبر الماضي. وقال التقرير إن «إفريقيا تتمتع بإمكانيات أكبر بكثير حيث من المتوقع أن يستمر النمو الاقتصادي وستتوسع الطبقة المتوسطة الدخل». ومع ذلك فإن مستقبل إفريقيا ربما لا يكون ورديا كما يرى بعض المتفائلين. حيث حذر كاتسومي هيرانو نائب الرئيس التنفيذي لمنظمة التجارة الخارجية اليابانية، من أن النمو السريع لسكان الحضر في إفريقيا يمكن أن يتسبب في نقص هائل في الغذاء، لأن إنتاجية الأراضي للزراعة الإفريقية أقل بكثير من المتوسط العالمي، وما زالت إفريقيا بحاجة إلى استيراد كميات هائلة من الأغذية الأساسية. وقال هيرانو الخبير في الشؤون الأفريقية إنه بدون تحسن كبير في إنتاجية الأراضي، فإن الزيادة السريعة في عدد السكان ستشكل عبئًا خطيرًا على مستقبل إفريقيا، مضيفا «أنه قد يقول الأفارقة أنهم لم يعودوا بحاجة إلى المساعدة، لكنهم في حاجة إليها لزيادة إنتاجية الحبوب». ولهذا السبب يجب على كل من القطاعين الخاص والحكومي التعاون ومعالجة هذه المشكلة، ولن تتأصل هذه الجهود ما لم تصبح الزراعة عملا مربحا، على حد تعبير هيرانو، مشددا على الحاجة إلى زيادة تشجيع الأعمال التجارية الزراعية في إفريقيا.