عبد الفتاح كيليطو: الترجمة الناجحة تقتضي نسج علاقة تفاعلية مع الأصل عبد السلام بنعبد العالي: الترجمة صانعة هوية النصوص اللقاء الذي يجمع كاتبا بمترجمه لقاء يمنح المتلقي فرصة الاقتراب من قراءة جديدة للنص بعين ثالثة، يتكشف فيها الثاوي بين الصوتين وبين التجربتين، في تكامل يخدم المعنى عبر آلية اللغة. هكذا جمعت قاعة القاهرة أول أمس الخميس بالمعرض الدولي للكتاب، صوتين متصاديين الكاتب ومترجمُه: الدكتور عبد الفتاح كيليطو والباحث والمترجم عبد السلام بنعبد العالي.
أكد الباحث والمترجم عبدالسلام بنعبد العالي في هذا اللقاء، أن الترجمة صانعة هوية النصوص لأنها تفضح مفهوما عن الهوية والكيان ، كما أنها آلية تظهر أن النصوص ما تفتأ تولد بعد أن تشيخ في لغتها الاصلية، مشيرا الى أن علاقة النص الأصلي بالمترجَم ليست علاقة ثانوي بأساسي، ولا نسخة بأصل.. إنها اغتناء ومجازفة قد تسفر عما لم يكن بالحسبان. وأضاف بنعبد العالي أنه بفضل الترجمة لا يدوم العمل زمنيا فقط، بل إنه قد يحيا فوق مستوى مؤلفه، ويرقى ليس من حيث القيمة ولكنه رقي فوق طاقة المؤلف بما يفتحه من طاقات تأويلية قد تغيب عن كاتبه، أي أن النص المترجم يعيش خارج سلطة ورقابة المؤلف إذ يعجز صاحبه عن بسط سلطته عليه ، لما تمارسه اللغة المترجَم بها من كشف عما تضمره اللغة الأصل، كما قد تبين نقائص في العمل الأصلي لأن اللغات تتفاوت في دقتها وجماليتها. وكشف بنعبد العالي أن اللغة المترجِمة تسعى أيضا الى فضح اللغة الأصل بما يشبه تحليلا نفسيا للنص لأن الترجمة ترسب بقايا تنفلت من كل رقابة شعورية، وتضمن حياة المعاني والأفكار، ويصبح النص المترجم معها متقمصا لروح لغة أخرى. ورأى بنعبد العالي أن الترجمة ورغم تعلقها بالأصل ولا تحيا بدونه، إلا أنه كذلك في حاجة إليها لتكشف أعراضه وأمراضه، في عملية متبادلة تغدو معها المعاني داخلها تكون في عملية انتقال وفي لعبة الاختلاف بين النصوص وبين اللغات. وأضاف بنعبد العالي أن قارئ الترجمة مطالب بعدم الانشغال بالتطابق بين النص المترجم والأصل مع إتقان لغتي النصين، عدا أن عليه بذل مجهود ليولد نصا ثالثا يعقد قِرانا بين نصين وبين لغتين. من جانبه انطلق الأستاذ عبد الفتاح كيليطو في مقاربته لموضوع الكاتب والمترجم مما يطرحه إشكال النص الأصلي المجهول المؤلف، وساق للتدليل على ذلك مثال كتاب «ألف ليلة وليلة» الذي تعددت ترجماته حتى بات الحديث عن الكتاب، حديثا عن ترجماته فقط، لافتا الى مفارقة مهمة في مجال الترجمة وهي أن القارئ في كل الأعمال المترجمة، لا يهتم بالمترجِم ويبادر الى نسيانه في حين أن «كتاب ألف ليلة وليلة» يفرض عليك اسم المترجم ويجعل منه محورا أساسا دون البحث عن مؤلفه، موضحا أن هذا يقود الى الاستنتاج بأنه عندما يختفي المؤلف، يظهر المترجم. وأشار كيليطو الى أن مثل هذه النصوص المجهولة المؤلف تجعل المترجم أمام نص مربك ونسخ أصلية متعددة، تجعله في نهاية المطاف يأخذها جميعها بعين الاعتبار ليجيب عن سؤال أيها الأفضل والأقرب الى الأصل، أي أن عليه مهمة أمانة نقل الاصل وأن يعين الأصل ذاته. وأضاف كيليطو أن مهمة المترجم مزدوجة، أي أنه مطالب بتحديد الأصل ثم الوفاء له ما أمكن. وميز كيليطو في الترجمة بين المترجِم تحت الطلب والمترجم الذي ينسج علاقة تفاعلية مع النص الأصلي، انطلاقا من إرادة واعية دون الخضوع لرغبات المؤلف، معتبرا أن التفاعل مع النص هو ما ينتج ترجمات ناجحة، فيها من الوفاء ما فيها من الخيانة، لكن بمفهومها الجمالي الذي يضيف للنص ويضيء عليه.