حين نقرأ «عبد الفتاح كيليطو» يظهر لنا في تمظهرات متعددة كأنه المتعدد الواحد. أو بالأحرى إن الكتاب الذي يدعونا لقراءته أضحى كتبا متعددة، كل مقالة هي عبارة عن كتاب مفتوح وهي مسألة لا تستقيم إلا مع الاستثنائي عند الكُتّاب القلائل في زمننا . إن قراءة «كيليطو» بهذا المعنى هي ضيافة ممكنة يدعونا إليها بكثير من الحب والقلق، ولا يستطيع أي قارئ الادعاء أنه أحاط بالنص من كل زواياه، بمعنى أن أي فهم يدعي الحقيقة بينما النص يفجرها مثلما يفجر آليات القراءة. لقد قلت - في وقت سابق- حين قرأت إحدى كتبه أن الدخول إلى عالم كيليطو هو بالأساس الإقامة - في زمن محدد - في مطبخه، مطبخ الكتابة. ذلك أن الولوج إلى المطبخ مسألة فيها نظر، فالمطبخ لا يقترب منه إلا من يمتلكون سر الإقامة وسرّ روح البيت. إذا، أنا قارئ عابر يحمل شقوقه بين يديه كما الطيف تماما. إذا هل يحق لي إزعاج صاحب «الأدب والغرابة» في مطبخه وهو يهيئ لنا طبيخه المُشكّل من توابل خاصة ومقادير لا يعرفها إلا هو . ألم يقل المثل المغربي إن سر لذة الطبخ في اليدين (الأصابع)؟ هاهنا نقترب من عالم كيليطو وكعالم يتأسس على الذكريات والصور. لنفترض أنني أتلصص عليه وهو يكتب. سأجده جالسا في مكتبه وواقفا أمام مكتبته، يكتب جملة ليتذكر فكرة ما قرأها في كتاب «ابن رشيق» أو «رسالة الغفران» أو «مقامات الهمداني» و «ألف ليلة وليلة» ونصوص هولدر لين وبودلير و»جاك دريدا» والأساطير التي تلهب جسده. هكذا ينط هذا الكاتب الاستثنائي بين الصور والذكريات ليخلط هذا العجين ببراعة ويقدمها لضيوفه القراء دون أن يفرض عليهم شكل قراءتها، ليس لكونه مدرسا خارج المدرسة بل لكونه يخلخل السلطات الثاوية خلف ما هو أكاديمي محدد. أو بما تواضعت السلطة الأكاديمية نعتها بالمقدمات والنتائج، إنه يكتب الأولى ليمحوها. ويمحو الثانية ليكتبها في الهامش. إنه بهذا المعنى- يزعج قارئه الذي نمطته المؤسسة ويخلخل البداهات التي تربى عليها. إنه يكتب بيدين. وقد أقول إنه يكتب بحواس أخرى بالأذن والأنف واللسان والقدمين. إن جسده يكتب، يتحرك ليحركنا معه. هاهنا نكون بين هذا وذاك، بين يد كيليطو واليد الأخرى المصاحبة له « لعبد السلام بنعبد العالي». إذن أين هو «كيليطو» الذي نبحث عنه أو الذي نحب قراءته، هل هو في العنوان؟ أم في هذه الترجمة الرائعة التي عبَر من خلالها «كيليطو» إلينا، منذ كتابه الأول «الأدب والغرابة». عبد السلام بنعبد العالي إذن قدم لنا هذا الكاتب الاستثنائي ليأتي فيما بعد مترجمون آخرون وهكذا. إن أول سؤال يضعه قارئ «كيليطو» هو كيفية اللعب معه مادام هو الآخر يلاعب الحروف والكتب وشجرة الأنساب ويخلخل قواعد اللعبة التي تواضعت الثقافة العربية/المغربية على رسمها في الصحافة والندوات، في اللقاءات والمؤتمرات، في الكلية وخارجها. إنه لا يقدم موضوعا محددا بقدر ما يحرر الموضوع موضوعات «themes» لينبش ويحفر في كل موضوعة ليتركها لقارئ محتمل للاهتمام بها. كأنه لا ينهي الكلام إلا ليبدأه، وبين البداية والنهاية يوقظ فيك الحكايا والنصوص المهملة دون أن يثبت أصلها وفصلها ومرجعها كي تبحث عنها، كأنه يلعب بكل ذلك. ليقيم شكلا جديدا للكتابة، لا يرغب في المريدين والشحاذين وما سواهم. فهو المنفلت من هذا والباحث في التيه والفراغ والمرايا، والمشاء في الصحراء لا تستطيع ملاحقته، أو البحث عن أثره. إنه يمحو الأثر كما «النّفَري». ولكن يسهل علينا ملاحقة طيفه، قراءته بعيونه ما دام «كيليطو» متعدد فينا، وفي كتاباته وترجماته. يحتوي الكتاب على مجموعة من الموضوعات التي يفتحها على طول الكتاب، بمعنى أنه لا يحدد موضوعة معينة في هذا المقال أو ذاك، بقدر ما يلعب بتلك الموضوعات ليعطيها حياة مع نصوص أخرى. كموضوعة اللغة، اللسان المزدوج، الترجمة، الكتابة، القراءة، المرأة، الفراغ، الموت ...الخ. وإن كانت كلها تنبني من خلال ناظم رئيس وهو الكتابة والقراءة كأن «عبد الفتاح كيليطو» يستضيف نصوصا من التراث الإنساني والنصوص العربية والغربية ليختبر جسده حين يكتب ويقرأ. المسألة لا تفيد السهولة كما يعتقد البعض بقدر ما تفيد إنعاش الكتابة والقراءة معا، الكاتب والقارئ والنص الموجود بينهما لذا تكون اللغة جسرا بينهما. ولأنها كذلك ففي كل لحظة يحفر فيها وعليها لا كأركيولوجي يبحث في الأصل وإنما كقارئ تحمله الدهشة نحو الشقوق والفراغات التي تتركها اللغة فيهما معا (في الكاتب والقارئ معا). لنتأمل الصفحات الأولى من هذا الكتاب التي تعلن عن اللغة الأصل واللغة الأخرى التي تستقبل آدم في منفاه الأرضي. إن تغيير المكان هو نسيان اللغة كما تقول حكاية آدم من خلال «رسالة الغفران» هذه القضية تجد تحليلها المدهش من خلال الذات الكاتبة، كذات تفكر في اللغة من حيث تعددها، بين لغة الأم ولغة الأب/ المؤسسة. أي بين لغة يتداولها في اليومي ولغة يتعلمها كتابة. بين لغة يتكلمها بطمأنينة وسرعة دون حساب العواقب، ولغة أخرى تحملك الأخطاء والعقاب باعتبارها لغة الأدب «هما لغتا لذة، ولكن أيضا لغتا الخطأ» ص 12 بين اللذة والخطإ مسافة الأم والأب، قد تحيلنا هذه العلاقة إلى النبش في الفراغ الذي يتوسطهما، ما دامت اللذة تحيل إلى الخطإ مثلما تفيد نقيضه، ولأن الخطأ - إذا أعدناه إلى قصة آدم - يدل على اللذة والعقاب لذا سيبحث «عبد الفتاح كيليطو» في هذه الموضوعة كما لو كان ينسج لنا مادة جمالية، قد تكون لوحة / زربية أو نصا. لا يتعلق الأمر بنسج يفيد لَذَّاته بقدر ما يتضمن الخطأ فيه كعلامة على اقتسام المتعة مع القارئ. إنه يجرنا إلى ما قاله الجاحظ في تخاصم اللسانين كما الضرات تماما أو بما أعلنه سبرفانتيس حين حصل على المخطوط أو كما الطفل إبراهيم في رواية «لعبة النسيان»... ثمة أشكال متعددة لتقديم هذا اللسان المزدوج؛ من قبيل التعدد اللغوي الذي يندفع نحو تعدد الديانات، والأمكنة وهو بالجملة يمثل التسامح في عمقه الإنساني. لا يتعلق الأمر بإحالة الأمر إلى «فارس الشدياق» بل يتعداه إلى علاقة المعري بدانتي. هذا الأخير الذي احتفل بعيد ميلاد جديد لصاحب «رسالة الغفران» كأنه منحه الحياة. ربما لم يكن العالم وحتى العالم العربي ، سيعرف «المعري» لولا «الكوموديا الإلهية». الجميل في هذه العلاقة هو تكرارها المستمر من طرف «كيليطو» . كأن هذا الأخير ينبهنا - من جديد - إلى البحث في تلك العلاقة، كأنه يقول لنا لنبحث عن كيف يقرأ المعري «دانتي» مثلما كيف نجد علاقة بين «المعري» و»شوبنهاور» .. لا تروم المسألة هنا إلى ذاك الفعل المشترك الذي يجمع بينهما بل إلى ما يفصلهما. وهنا نقدم هذه العلاقة للبحث فيها من طرف باحثين آخرين إلا أن هذا النوع من البحث في العلاقة هو ما يدمر الحدود بين الجغرافيات واللغات المتعددة، ربما أنه يدعونا إلى إعادة قراءة «شوبنهاور» بعيون مطفأة، قد نجد «المعري» حاضرا فيها أو قد نجد هذا الفيلسوف الألماني متسللا في بيت المعري. قد يلعبان النرد معا. لنتصور هذه اللعبة المرآوية التي يخفيها كيليطو ليعلنها في المستقبل. أليس هذا نسيان للغة الأولى حين غيرنا المكان؟ أوليس هذا الانتظار المرتقب بينهما هو إعلان اللذة والخطأ معا؟. في لقاء آخر سيجمع « سيرفانتيس «بمخطوط عربي رغبة في إعطائه المعنى عبر حفظه من النسيان . هذه التجربة التي يقدمها لنا الكاتب بكثير من الغرابة دون محو الألفة التي تجمع بين النص العربي و مترجمه، والطفل و « سيرفانتيس « لذة أخرى تتكشف من خطإ كاد يودي بحياة النص لولا حضور « سيرفانتيس « لإنقاذه من الضياع ، كنوع من العقاب الذي ينتظره ، « أن تترجم من لغة لأخرى (...) كأن تنتظر قفا منسوج فلاماني، ففيه تميز الصور، لكن مختلطة بكثير من الخيوط إلى حد أنها تفقد الوضوح والإشعاع الذي كان لها في الوجه» ص66 . إذا كانت كل العلامات التي يحملها زقاق الخياطين تشير إلى النسج و النسيج فإنه علامة فارقة عما يسكت عنه « كيليطو» كنساج بارع و ساحر لأشكال الخيوط و الرقع المهملة والحروف و الكلمات والأمكنة و ما إلى ذلك. فإذا كان « سيرفانتيس « في تلك العلاقة المفترضة مع نص عربي يبحث عن ضياع هذا الأخير في طليطلة، فانه يبحث عن نفسه في الآخر. الآخر الذي يسكنه، أو بلغة أخرى المرآة التي تكشف وجهه ووجوده. وهي نفس اللعبة تماما - التي يومئ بها «كيليطو» دون أن يعلنها. فهو من جهة ينسج لنا الكلمات كما قلت في السابق. إنه في مكتبة يجلس ويقف أو بالأحرى إنه يقرأ وينظر بعيدا عن الكتاب الذي يقرأه، كأنه يتأمل أو كأنه يكتب ما سكت عنه الكتاب (ص 110). هكذا نتخيل كيليطو في المكتبة. وفي ذكر هذه الأخيرة يحيل إلى بورخيس، وكيف يقرأ الصفحات والعناوين. لنفترض أن المسألة صحيحة. فما الذي يدفعنا لإعادة تصوير كيليطو في مكتبته. صحيح أنني لم أصف كيف هو أي ماذا يرتدي حين دخوله المكتبة - هل هو يرتدي منامته أو شيئا آخر، أو لنقل وبدون حياء- إنه يتعرى كلية قبالة الكتب التي تدور عليه، يحمل هذا الكتاب ليربطه بذاك، ويدفع هذا اللسان ليتلوى بلسان أخر، دون حساب لمتلصص، أو شرطي أخلاق المؤسسة... كيليطو إذن يفتح لنا شرفته للنظر إليه بعيون مترجمه ليكون هذا الأخير مشاركا في تلك اللذة الموعودة، أو بالأحرى تلك اللذة التي لا تكتمل إلا في تداخل الألسن. لقد قلت سابقا إن عبد الفتاح كيليطو عاشق للتيه عبر استنفار كل الحواس للنظر في هذا النص أو ذاك، لذا فحين متابعة تحليله يمتعك بالنتائج التي توصل إليها عبر توليدها من اللغة، أو من كتب أخرى حتى يظهر لك انه بالإمكان الوصول إلى ذلك ،لكن، أصابع كيليطو لا تشبه أصابع غيره؛ انه الفنان الذي يتقن اللعبة. لنتوقف عند (الزمن) الكتابة في الزمن الآخر، ليس فقط فيما عرضه ابن القراح في رسالة الغفران ولا فيما عبر عنه «دون كيشوت» و إنما في تلك العلاقة المرآوية التي تربط السماء بالأرض، الزمن باللازمن، كأن الشعراء الذين التقى بهم ابن القراح في العالم الآخر لم يقوموا إلا بإعادة ما قالوه في الزمن الأول. كيليطو إذن يقف بين زمنيين، مثل بورخيس تماما الذي عبر في إحدى حواراته أنه يتمنى قراءة اللغةالعربية و كتب أخرى في الزمن الآخر، لكن كيليطو يقلب المعادلة ليحط الزمن الآخر في مكتبه، يحاول النبش عما سكت عنه المعري في رسالة الغفران، و ما الذي دفعه لذكر الشعراء فقط؟ ألأن الشعر- من وجهة نظر أخرى- منافس لكلام الله.. إن هذه الإشارة التي نبهنا إليها كيليطو تدعونا للتفكير فيها بشكل متشعب، و من زوايا و طرق مختلفة؛ مثل علاقة «جاك دريدا» بفرنسا و الجزائر، لزمنين ومكانين مختلفين، أو من قبيل علاقة سيرفانتيس بالمخطوط العربي والمترجم والطفل... علاقات متعددة يكشف عنها كيليطو بدقة البهلوان الذي يترك الحواشي والفراغات للنظر أو الرقص عليها ؛ مثل علاقة فرنسا بالمغرب: «فبعد مغرب الزمن الفرنسي، ربما وجب أن نكتب ذات يوم فرنسا الزمن المغربي» ص75، هذا القلب للعلاقة بين الكتاب و الفلاسفة و الشعراء، و حتى بين الأمكنة هو تدشين لقراءة جديدة قراءة تروم استراتيجيا خلخلة النظام. إنه قلب لنظام القراءة و الكتابة معا، ولكل التضاعيف التي تحملها «صرت ثلاثي اللغة، أقرأ الفرنسية دون أن أتكلمها وأتلهى ببعض ما تبقى من الفصحى، و أتكلم الدارجة كلغة اليومي، أين هو الانسجام والاتصال ضمن هذا الخليط؟ « هكذا يقول الخطيبي الذي يتحاور مع كيليطو كما لو كانا جالسين في حانة أو مقهى ، و كل واحد يسأل الآخر الذي هو أناه ، لا لمحوها، لتعريتها كلية ، للبحث عن الشقوق التي تتركها اللغة في الجسد. إنها فتنة قائمة على عشق مزدوج، واحد يفيد الحرب و الآخر يحيل إلى اللذة والمتعة. إنهما طرفا العقاب و الخطإ، و كيليطو مرفوع بهذه الثنائية التي يحفر فيها لزراعة عالم آخر يلهو به بشغف ، و يشارك القارئ في هذا الحفر المزدوج ، ولأنهما ينتميان إلى المغرب فان هذا الأخير لا زالت موضوعاته المهملة تفتح شهية القراء و الباحثين . ألم يقل رولان بارت في تقديم كتاب الخطيبي « الاسم العربي الجريح» ذلك ، مثلما قالها كيليطو نفسه في كتابه : «هكذا تتكلم لغتي»؟ يتابع كيليطو حواره المتشعب مع عبد الكبير الخطيبي في اللغة و الاسم و الكتابة، وهي بنفس الشيء يجيبنا عمران المالح في كون اللغة لديه مرتبطة بالحليب و المطبخ. و بينهما ينبش كيليطو عن شبكة دلالية تفيد التعدد والاختلاف، مثلما تفيد الأصل والنسخة، الماضي والحاضر ، ذلك أن حليب الأم لا شبيه له بينما المطبخ ينزع نحو المذاقات البعيدة والقريبة، وهي نفسها المقام الذي يستضيفنا إليه كيليطو. المطبخ إذن هو مرآة صاحبة البيت مثل عتبتها تماما. وإذا كان الأمر كذلك فان الكتابة هي مرآة صاحبها. إلا أن النظر إليها يرميك إلى الضياع و الموت . ص90 . لهذا يحبذ الكُتّاب الكتابة على ذواتهم بضمير الغائب أو باسم مستعار . و هي نظرة جانبية. النظرة المستحبة في الثقافة الرومانية. كأن النظرة المباشرة لشيء ما مصيبة ، لذا تكون النظرة جانبية. أو حتى إذا كانت مباشرة، فإن عملية تكسيرها بوضع شيء ما أمامها يقوم بذلك كرغبة انفلات من تلك المصير المحايثة للعين. في قراءة لطيفة لرواية «لعبة النسيان» يربط كيليطو بين الرسالة والرواية، وبين كاتب الرسالة والأم، وكأن تلك العلاقة إحالة إلى الظل والمرآة معا ، وإلى شرعية الكتابة في بعدها اللامفكر فيه، أي في تلك الشقوق التي تكشف لسان الأم وسلطة الأب... لقد اعتبرنا هذا الكتاب مشروعا لكتب أخرى، إنه جماع محتمل، تفيض منه مشاريع مطروحة في الطرقات القريبة والبعيدة، ونحن نرغب التوقف عن الكتابة عنه، كأن أحدا ما يقول لي ذلك، ربما لقد طرق بابي كيليطو أو بنعبد العالي ليخبراني بالتوقف قليلا حتى لا أكون صيدا ثمينا للخيال والخرافة. أذعنت لطلبهما. وأنا أعيد قراءة ما كتبت أجدني أخطأت الطريق الذي رسمته منذ الأول، حيث الضلال والظلال والحفر وأنا أسير دون عكاز، أو حتى دون مرافق، أسقط هنا وأحاول جمع قواي كي أنتظم في اللانظام، ولا أجد طريقا واحدا أحدسه دون كلل. أتوقف لأعيد المتعة إلى شرطها الأول لكن، دون جدوى فالمتعة واللذة لا تتكرران وإنما تتجددان، كما الظل الذي يسكنني، كما اليد التي يكتب بها كيليطو ليمحوها بنعبد العالي باليد الأخرى، وأنا أتأمل الوسط كي أعيد للمحو الأثر الضائع في المكتبة، في مكتبتين، واحدة لعبد الفتاح كيليطو، والأخرى لعبد السلام بنعبد العالي، هذان الكاتبان اللذان أحبهما بشكل كبير، ربما لأنهما يمتعان في زمن أضحت فيه المتعة قريبة من العين، تتحسسها لتتهرب منك كما الأطياف والبروق. يلزمني وقت كبير كي أعيد قراءتهما، قد أقرؤهما في الزمن الآخر مني، وتلك مسألة لا يتحصل عليها إلا من حرقته الأصابع.