سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
وديع مديح، رئيس جمعية المستهلكين المتحدين للدارالبيضاء:الاتصالات، العقار والأبناك.. على رأس قائمة الشكايات غياب مدوّنة للاستهلاك يحجّم من أدوار جمعيات حماية المستهلكين
– هل يمكن لنا في مغرب اليوم، أن نتحدث عن منظومة استهلاك واضحة ومؤطرة قانونا وتضمن حقوق المستهلكين؟ – لا يمكن أن نتكلم في الوقت الحالي عن منظومة متكاملة للاستهلاك، لأننا لانتوفر في المغرب على مدونة خاصة بها، علما بأنها شكلت محورا من محاور خطاب جلالة الملك في 20 غشت 2008، وبعدها عاينّا كيف صدر القانون 31.08 القاضي بتدابير حماية المستهلك دون أن يتطرق لكل مايهمّه في قضاياه اليومية، وإن كان من المفروض أن يشكل إطارا مكمّلا لما يوجد في الساحة التي تعرف حضور أكثر من 300 نص قانوني تتكلم بأجمعها عن الاستهلاك في المغرب، لكنها غير متضمنة في مدونة واحدة، بالنظر إلى أنها موزعة بين قانون الصيدلة والطب، والتغذية والبناء والبيع في طور الإنجاز، وغيرها من القوانين، التي يطبعها التشتت، وهو مايؤدي إلى وجود عدد من المتدخلين في ظل غياب إطار خاص بالاشتغال يكون جامعا. هذه الترسانة القانونية الموزعة هنا وهناك هي مهمة وتكون أهميتها أكبر إذا ما كنا محيطين بكل النصوص القانونية على اعتبار أنه لدينا قوانين متقدمة. الحديث عن القوانين يحيلنا على الجانب المتعلق بالتطبيق، الذي تعتريه الكثير من الإشكالات في ظل غياب مراسيم ونصوص تطبيقية لها أهميتها بالنسبة للحركة الاستهلاكية وذلك من أجل التنزيل العملي، ومن بينها الجزء المتعلق بمرسوم صندوق دعم جمعيات حماية المستهلك، التي ليس لها الحق في طلب الدعم من الخواص والشركات التي لها علاقة بالمستهلك، فالجانب المادي هو محرك أساسي للحركة الاستهلاكية، أخذا بعين الاعتبار أنه وعبر العالم بأجمع، فإن الروافد المالية لجمعيات حماية المستهلكين هي ثلاثة، وتتمثل في دعم الدولة، المنشورات، وانخراط المستهلكين، إذ يجب أن نعرف أنه في دول أخرى جمعيات حماية المستهلك لاتدافع إلا عن منخرطيها، بينما في المغرب ليست هناك هذه الإلزامية، على اعتبار أن الجمعيات هي مفتوحة في وجه كل المغاربة دون تحقيق شرط الانخراط. نقطة أخرى تتطلب الوقوف عندها والتي تتعلّق بالمجلس الأعلى للاستهلاك، الذي ينظر في العلاقة بين المورّدين والمستهلكين، الذي كان يجب أن يخرج إلى حيز الوجود بمرسوم، لكن وبالعودة إلى دستور 2011 بات يجب إحداثه بقانون لم يتم التوصل إليه لحدّ الساعة، علما أن هذا المجلس له أهمية بالغة في الحركة الاستهلاكية والمنظومة الاقتصادية ككل، وهو الذي يشكل تكملة لمجلس المنافسة، أخذا بعين الاعتبار أنه في بعض الدول يعتبران معا مؤسسة واحدة، في حين قامت دول أخرى بالفصل بينهما، هذا التأخر هو الآخر يفرمل من الحركة الاستهلاكية في المغرب. وإلى جانب ماسبق هناك أيضا إشكالية أخرى والتي تهمّ انعدام القرار الوزاري الذي يجب أن يصدر ليمنح حق التقاضي للجمعيات، حتى يتم منحها القوة لتساهم في تحقيق توازن بين المورد والمستهلك، وفي غياب هذه الآلية القانونية لتمثيل المستهلكين في القضاء، يبقى دور وعمل الجمعيات مقتصرا على التحسيس والتوعية، وتكون بذلك صورتها أمام الطرف الآخر الذي هو المورد مقزّمة، وهو مايقلّص من فعالية جمعيات حماية المستهلك. – ماهو تقييمكم لثقافة الاستهلاك عند المغاربة؟ – تبقى ثقافة ضعيفة مقارنة مع مانطمح إليه كحركة استهلاكية، فالمستهلك المغربي لم يصل لدرجة الوعي التي تمكّنه من أن يكون مستهلكا فاعلا في الاقتصاد الوطني، علما أنه ركيزة أساسية من ركائز الاقتصاد، فالمورّد لوحده لايمكن أن يدير عجلة الاقتصاد، وبالتالي هما معا يخلقان التوازن المطلوب ضمانا لعدم وجود أي اختلال، وهو ما من شأنه أن يضمن استمرارية تحسين المورّد وتجويد عمله الخدماتي والإنتاجي. يجب أن يكون المستهلك واعيا بحقوقه وواجباته وبالخطوات التي يجب القيام بها، موحدّا في صوته، لأنه في غياب هذه الشروط نكون أمام مستهلك ضعيف، وهو ماعكسته الأزمة التي رافقت عيد الأضحى لهذه السنة، والتي كشفت عن ضعف المستهلك أمام المورّد وأمام مراقب السوق «الجهات المختصة في الدولة»، التي تضع قواعد وقوانين اللعبة بين الطرفين وتكون حكما بينهما. إن صوت المستهلك إذا لم يصل يصبح معه طرفا ضعيفا، وهو الذي يعتبر الحلقة الأضعف في السلسلة الاقتصادية ككل، فالقانون يأتي لدعم وحفظ حقوق المستهلكين لكن إذا لم يطالبوا بها فلن تكون هناك فائدة منه. يجب التشديد اليوم على أن المستهلكين المغاربة لم يصلوا بعد لدرجة من الوعي الاستهلاكي ليكونوا مستهلكين فاعلين، صحيح أنه حصل بعض التقدم لكنه يظل نسبيا ويحتاج إلى مزيد من التطور، وهنا أحيلكم على بعض المعطيات الرقمية الخاصة بالمستهلكين، ففي سنة 2007 عندما فتحنا شبابيك لاستقبال شكايات المواطنين والتي كان عددها آنذاك 3، توصلنا ب 700 شكاية، وفي 2015 ومن خلال 21 شباكا تم التوصل بأكثر من 10 آلاف شكاية، وهو مايبرز على أن هناك منحى تصاعديا ووعيا يتطور، إلا أن المستهليكن كلهم لم يصلوا بعد إلى المستوى الذي نتوخاه، وعملنا في هذا الصدد كجمعيات يبقى مستمرا من اجل تحسيس وتوعية المستهلك بحقوقه وواجباته والتزاماته. – كيف هو واقع التنظيمات المدنية التي تعنى بالدفاع عن المستهلكين؟ – ارتباطا بهذا السؤال تجب الإشارة إلى أنه في المغرب يمنح قانون الجمعيات وخصوصا ظهير 1958 الحق لجميع المواطنين لخلق جمعية، بما فيها تلك التي تعنى بحماية المستهلكين التي لها خصوصية تتمثل في ضرورة احترام بنود القانون 31.08، هذا اليسر في تأسيس الجمعيات، وهو محمود، يمكن بالمقابل أن يؤدي إلى تأسيس جمعية تحت غطاء حماية المستهلك والحال أن خطواتها قد تكون مناقضة لذلك، إذ يمكن لشركة ما تدافع عن مصالحها أن تحدث جمعية لحماية المستهلك والحال أنها بذلك تزيغ بها عن الأهداف الحقيقية، دون إغفال أن البعض قد يعمد إلى تأسيس جمعية من خلال وسطه الأسري، رغم أنه حق مكفول قانونيا، لغايات خاصة، وغيرها من السلوكات التي تضر بهذا العمل النبيل، سيّما وأننا في المغرب تجاوزنا عتبة 100 جمعية، بينما عدد تلك الفاعلة هو معدود على رؤوس الأصابع. عطب آخر يعتري جسم الجمعيات يتمثل في التكتلات التي خرجت من رحم واحدة، دون أن يشكّل الواحد منها مدرسة بمقومات نوعية جديدة تشكل قيمة مضافة لمدارس الدفاع عن المستهلكين، هذا التشرذم هو يضر بالمستهلك في الأول والأخير، ويساهم في إقصاء الجمعيات المختصة، كما هو الحال بالنسبة للمجلس الإداري للوساطة البنكية، الذي يتشكّل من الفاعلين في مجال الأبناك وشركات التمويل وشركات القروض الصغرى، والذي لايحضر فيها أي ممثل عن جمعيات حماية المستهلكين بدعوى أنه ليس هناك إطار واحد متوافق بشأنه يمثل الجمعيات برمّتها، بل أن هناك عددا من التكتلات وهو مايتعذر معه اختيار جهة على حساب أخرى! إن إقصاء جمعيات حماية المستهلك وتبخيسها لن يخدم الحركة الاستهلاكية إذ على المورّد أن يعلم أن السوق المغربية تعرف تكاثرا للتجارة غير المنظمة، التهريب، وجود منتوجات بدون جودة، التي لقد يتعذر مراقبتها، وهو مايضر بالمورّدين، ويكفي أن نعلمأ أنه قبل سنتين من اليوم بلغت المعاملات المالية التي تخص التجارة الوطنية بالقطاع غير المهيكل نسبة 30 في المئة، التي لاتعود بالنفع لا على الدولة ولا على المورّدين، ولو تم اعتماد الجودة المتهرب منها من طرف البعض في الحركة الاستهلاكية لعادت بالنفع على الجميع. يجب أن يتم فتح ورش حقيقي بشأن نوعية الجمعيات التي نريدها والتي يجب أن تكون قوية وفاعلة، في فرنسا مثلا هناك 17 جمعية وطنية معترف بها وتعمل وفقا لنظام مضبوط باختصاصات مجالية واضحة، جمعيات وطنية لها جمعيات تابعة لها جهويا ومحليا قريبة من المستهلك لمعرفة حاجياته وانتظاراته، بينما في ألمانيا نموذجا، هناك جامعة واحدة للمستهلكين وجمعية على رأس كل جهة، وهذا في اعتقادي هو المثال الذي يجب أن يحتذى به، من أجل نجاعة أكبر وتجانس يكون لهما وقعهما الإيجابي، وهناك نماذج أخرى في هذا الباب التي تكشف عن قوة المستهلك خلافا لصورته عندنا التي يتم إضعافها من خلال تشجيع الفوضى. -يتبيّن أن هناك نوعا من عدم الرضا على هذا الوضع، كيف تفسرون ذلك؟ – لسنا راضون على ما وصل إليه المستهلك من «حكرة»، ولعلّ ماوقع خلال فترة العيد الأخير من خلال ماتعرضت له للأضاحي لأكبر مثال على ذلك، حكرة مصدرها المورّد والإدارة أيضا التي لاتقوم بالمراقبة، والتي تأتي في نهاية المطاف لترمي باللائمة في وجه المستهلك بشكل مباشر وكلي، لا بكيفية نسبية وجزئية، وكأن البكتيريا المتحدث عنها مصدر تلك الخسائر لم تكن يوما حاضرة. نحن أيضا لسنا براضين عن عدم تطبيق القانون وهو أمر لايشرّفنا، وهنا أسوق مثلا على ذلك، ففي المغرب هناك حوالي 11 وزارة معنية بحماية المستهلك، لكنها تُغيّب أية آلية للدفاع عنه، فباستثناء وزارة واحدة وهي وزارة التجارة والصناعة التي تتوفر على قسم لحماية المستهلك، فإن باقي الوزارات تفتقد لهذه المصلحة والحال أنها ملزمة بتطبيق القانون 31.08، ويتعين عليها أن تتوفر على قسم أو مديرية لحماية المستهلك بينما الواقع هو شيء آخر. إن غياب المراقبة وعدم تطبيق القانون يجعل المورّد يقوم بما يشاء، وعند أي شكاية من المستهلك، يكون الصدّ هو الجواب، بل أنه يدعو المتضرر لاتباع السبل التي يشاء كيفما كان نوعها حتى القضائية منها، لأنه شبه متيقّن من عدم تطبيق القانون. – ماهي أبرز القطاعات التي تشكل محور الشكايات التي يتقدّم بها أغلب المستهلكين وهل تجد هذه الشكايات طريقها للحل أم تعترضها صعوبات ثم ماهي السبل التي ترونها كفيلة بتحقق حماية فعلية للمستهلكين؟ – أغلب الشكايات التي توصلنا بها من طرف المستهلكين خلال السنوات الأخيرة ومازلنا يكون محورها 3 قطاعات وهي الاتصالات، العقار والأبناك، هذه القطاعات التي تعرف حضور مشاكل كثيرة يؤكد المستهلكون أنهم يكونون عرضة لضررها، وتصب الانتقادات في عدم تطبيق القانون، وعدم تنفيذ التزامات العقود المبرمة بين المورّد والمستهلك، على اعتبار أن الأول يعتبر نفسه في مرتبة أقوى، أخذا بعين الاعتبار أنه من بين الملاحظات التي وقفنا عليها وبكل أسف، أن هناك بنودا تعسفية ضمن العقود التي يوقعها المستهلك والتي تلزمه بتطبيقها رغم أنها ممنوعة ويجب إزالتها. بعض هؤلاء المستهلكين هم يلجئون إلى جمعيات حماية المستهلكين، والبعض الآخر يحجم عن ذلك لأنه يرى بأنها لن تكون سندا له، خاصة وأنها هي تفتقد للقوة القانونية التي تخوّل لها متابعة المورّد قضائيا. لنكون في نهاية المطاف أمام سؤال عريض، حول إذا لم تكن فرملة المراسيم لإخراجها إلى حيز الوجود هو بدافع من لوبيات مستفيدة من هذا الوضع. من جه أخرى فإن بعض الموردين نجد معهم حلولا بشأن مشاكل وأضرار تعرض لها مستهلكون، علما أن عددا من المستهلكين هم ليسوا دائما على صواب، في حين هناك مورّدين يغلقون أبوابهم ويقطعون كل أشكال الحوار، مما يجعل البعض يتنازل عن حقه، والبعض الآخر يتوجه إلى القضاء لكن يتطلب منه الآمر التسلح بالصبر الطويل في ردهات المحاكم. أما بالنسبة للسبل التي نراها كفيلة بتحقق حماية فعلية للمستهلكين فهي سبل واضحة وجد مختصرة وغنية عن كل تعليق، يجب تطبيق القانون، والاعتراف بالجمعيات باعتبارها ممثلة للمستهلكين ومنحها وسائل العمل، وضرورة تشجيع المستهلكين على الانخراط في جمعياتهم لتحقيق التكامل.