كل الاحتمالات الواردة، إلى حدود الآن، تنذر بإمكانية حدوث مأساة بمناجم عوام، في ظل إصرار المعتصمين تحت الأرض على مواصلة اعتصامهم، والتحرك المحتشم للسلطات الإقليمية، وخيار الهروب إلى الأمام الذي تتعامل به مديرية الطاقة والمعادن، من جهة، مع تهديدات نقابة المعتصمين بالمزيد من التصعيد، وسياسة التحدي من جانب الشركة المنجمية، من جهة أخرى، حيث لا يزال عدد من العمال، منذ يوم الخميس 13 أبريل 2017، يواصلون اعتصامهم في باطن الأرض، وآخرون مضربين عن العمل، وأفراد أسرهم يحملون صرخاتهم، بين الفينة والأخرى، إلى الشارع العام في مسيرات تستنكر موقف السلطات المحلية والإقليمية إزاء حياة المعتصمين ، و تماطل وتهرب المسؤولين من إيجاد حل للوضع القائم. في هذا الصدد، دعا المدير المحلي للشركة المنجمية تويسيت، يوم الثلاثاء 2 ماي 2017، إلى ندوة صحفية، حضرها ممثلون عن المنابر الإعلامية، غالبيتهم من الصحف الورقية، لأجل الوقوف على رأي الإدارة بخصوص ملف المعتصمين، وما يحيط بالوضع العام للمناجم، حيث استعرض تفاصيل أزمة المعتصمين، الذين حددهم في 25 شخصا (16 بمنجم سيدي احمد و9 بإغرم أوسار)، واصفا اعتصامهم ب "غير المشروع"، مشيرا إلى "أنه تم الاتصال حينها بالكاتب المحلي للنقابة المعنية (ا.ع.ش.م)، وأكد الأخير أن لا علم له بالاعتصام، ولا يتبنى مثل هذا الفعل غير المسؤول، قبل التأكد من أن الكل على علم بقرار الاعتصام، بمن فيهم الكاتب المحلي الذي عاد فأشعر الإدارة بعد 24 ساعة من هذا الاعتصام"، حسب مدير الشركة. وحسب رأي مدير الشركة دائما، اعتبر الاعتصام "احتلالا غير مشروع لأماكن العمل بباطن الأرض، ومنعا لأغلبية العمال من مزاولة عملهم داخل المناجم"، وهو ما تم الإخبار به عامل الإقليم ومدير الطاقة والمعادن، والتقدم في شأنه بشكاية للدرك الملكي، حول ما وصفه ب "الاعتصام غير المبرر وما ينجم عنه من تعريض سلامة العمال للخطر، ومن خسائر مادية تفوق مليون درهم يوميا"، في حين لم يفت النقابة الأكثر تمثيلية (ا.م.ش) مراسلة الجهات المسؤولة من أجل التدخل لضمان حق حرية العمل، علما بأن عدد عمال مناجم عوام، حسب المدير، يتجاوز ال 700 عامل. كما لم يفت مدير الشركة التركيز على اجتماع دعا إليه عامل الإقليم، يوم 18 أبريل الماضي، تحت إشرافه، وبحضور مختلف الأطراف المعنية، وغايته إيجاد حل للأزمة القائمة، حيث "تم تدارس ما رأت فيه نقابة المعتصمين اختلالات تعذر عليها تحديدها، بعد تذكيرها بمحضر 20 ماي 2016″، لينتهي الاجتماع بتكوين لجنة قامت بزيارة ميدانية للمناجم، على أساس "تمكين العمال غير المضربين من الالتحاق بأماكن عملهم، والتأكد من عدم وجود عرقلة لحرية العمل من طرف المعتصمين"، ووقفت اللجنة على "أن جل منافذ الأنفاق مغلقة من طرف المعتصمين، شأنها شأن الهواء المضغوط المستعمل في تشغيل آلات الحفر"، ما "يهدد سلامة العمال المتمسكين بحقهم في حرية العمل" يضيف المدير الذي أكد القرار القاضي بإيقاف العمل بأمر من مديرية الطاقة والمعادن إلى حين تسوية الوضع. وعلاقة بالموضوع، أكد المدير أن محامية الشركة تقدمت بشكاية استعجالية، يوم 20 أبريل الماضي، ضد المكتب النقابي المحلي (ا.ع.ش.م) حول عرقلة حرية العمل، بمقتضى المادة 288 من القانون الجنائي، كما تقدمت ذات المحامية، في 25 أبريل أيضا، لدى ابتدائية خنيفرة بدعوى استعجالية ترمي إلى فك حالة الاعتصام، حيث "لم تعد الشركة المنجمية تتحمل الأضرار الناجمة عن هذا الوضع"، وخلال ذلك تم عقد اجتماع آخر، يوم 28 أبريل، بعمالة الإقليم، تمت فيه مناقشة ملف الاعتصام، ليقترح عامل الإقليم صياغة خارطة طريق باتجاه دراسة الاختلالات القانونية التي تؤكد عليها نقابة المعتصمين، وكذا الاختلالات التي تقدمها الشركة، مع الحرص على تطبيق واحترام القانون من جانب كل الأطراف، واحترام الحق في الإضراب كما الحق في حرية العمل، ووضع حد فوري للاعتصام، ليتم تشكيل لجنة تسهر على تفعيل المقترح، غير أن الأوضاع ظلت على حالها. وفي ذات اللقاء لم يفت ممثلي المنابر الإعلامية إمطار مدير الشركة بمجموعة من التساؤلات حول مدى احترام الشركة لحق الإضراب، والإعراب عن موقفهم الرافض لقرار الاقتطاعات من راتب المعتصمين، والذي وصل حد التلويح بالطرد من العمل بالنسبة لهؤلاء المعتصمين. وقد كان المدير صارما في مواقفه من خلال إصراره على استعمال اليد الحديدية مع المعتصمين ونقابتهم التي أصابت الشركة بخسارة مليون درهم يوميا، منذ بداية الاعتصام، مؤكدا انتظاره لكلمة العدالة في هذا الشأن. وأمام أسئلة ممثلي المنابر الإعلامية بخصوص عدد المتساقطين، إما جرحى أو قتلى، بمناجم عوام، وما سجلته هذه المناجم من مآس ودماء ووفيات، بصورة لا مثيل لها على مستوى مناجم البلاد، اكتفى مدير الشركة بتحميل العمال مسؤولية قدرهم، بسبب ما اسماه ب "الإهمال والتهور والأخطاء التي يرتكبونها أثناء العمل"، مصمما على "أن غالبية الذين لقوا حتفهم قد أهملوا معرفتهم بمخاطر العمل ومكامن سلامتهم، واستخفوا بالتحذيرات التي يتلقونها كل يوم"، وبخصوص العاهات المستدامة قال إن سياسة شركته تحترم مساطر السلامة وحفظ الصحة في الشغل مراعاة للقوانين الجاري بها العمل، قبل أن يتم تذكيره بحالة بعض العمال، ممن لا يقلون عن العامل سعيد سلاك المصاب بعاهة مستدامة وتم التنكر له، حيث اكتفى المدير بأن الأخير لديه ما يكفي من الوثائق الضرورية التي ستنصفه. وبخصوص قرار الشركة المنجمية إنشاء مشروع "منجم ضخم" بقلب المدينة الأثرية "إغرم أوسار"، أكد مدير الشركة توقف شركته عن تنفيذ المشروع إثر الضجة المجانية التي صاحبته، وأن كل ما قيل حول محاولة المساس بالمدينة الأثرية لا أساس له من الصحة، من حيث أن المشروع كان من المقرر إحداثه بعيدا عن أسوارها بحوالي 560 مترا، مع التكلف بترميم هذه الأسوار وإحداث متحف أثري، معبرا عن أسفه حيال تبخر المشروع بعد دراسة تقنية ممولة من أحد الأبناك الأوربية، كلفت الشركة 800 مليون سنتيم وخسارة بحوالي 4 مليارات، وقال بأن عامل الإقليم نفسه أصر على ضرورة إخراج المشروع للنور لما سيحمله للمنطقة من منافع مادية وتنموية واقتصادية، ولكونه الأول من نوعه على مستوى شمال إفريقيا، إلا أن الشركة فضلت رفع يدها عنه واحتمال نقله إلى موقع آخر. وفي ما يتعلق بسؤال معاناة الساكنة المحيطة بمناجم عوام مع العطش وجفاف الآبار، والأضرار الصحية والبيئية، والمياه الملوثة، بسبب أعمال حفر الأنفاق المنجمية، والمواد المتفجرة التي تستعمل في حفر هذه الأنفاق، علاوة على المواد الكيماوية التي يتم بها غسل المعادن، وتأثير ذلك على الغطاء النباتي والمساحات الزراعية والمواشي التي تعتبر من المصادر الأساسية والاقتصادية لحياة السكان، نفى مدير الشركة ما يروج في هذا الشأن بالقول إن شركته عملت على توفير الماء الصالح للشرب للسكان بمعايير عالمية، وتلتزم بقوانين المحافظة على البيئة، حسب قوله. ومن جهة أخرى، طرحت أسئلة بشأن وضعية المنطقة وأحوال الساكنة، وتهرب الشركة من المبادرات المسؤولة التي قد تعمل على خلق امتيازات ومشاريع تنموية بالمنطقة، ومن الاعتماد على تشغيل اليد المحلية التي تعاني من البطالة بأراض مكتنزة بمواردها المعدنية، اكتفى مدير الشركة بأن أبواب شركته مفتوحة في وجه كل من يتقدم لها بأي مقترح أو مشروع نافع للمنطقة، وبأن اليد المحلية العاملة بالمناجم تتجاوز ال 95 بالمائة من نسبة العمال، بينما كشف، خلال ردوده، عن احتياطي المعادن لمدة 30 سنة بمناجم عوام، كما لم يخف وجود مادة الذهب بهذه المناجم إلا انه عاد فقال بأن هذه المادة لاتزال قيد البحث والتنقيب منذ سنوات طويلة. ومن جهتها، لاتزال نقابة المعتصمين تشدد على أن ما تروجه إدارة الشركة المنجمية من "ادعاءات لا أساس لها من الصحة، والتي تسعى للتشويش على معركة العمال" عبر وصفها ب "عرقلة لحرية العمل بكل من منجمي اغرم أوسار وسيدي احمد"، حيث أوضحت النقابة "أن المعتصمين لا يعرقلون ولا يعترضون سبيل الراغبين في العمل، ويؤمنون بالحق في الإضراب كما الحق في العمل"، وفات لذات النقابة، خلال الأسبوع المنصرم، الدعوة لندوة صحفية بمريرت، استعرضت من خلالها ملف الوضع القائم. ومعلوم أن العشرات من عمال مناجم عوام، إقليمخنيفرة، يوجدون، لأزيد من ثلاثة أسابيع، في اعتصام مفتوح تحت الأرض، احتجاجا على "تهرب إدارة الشركة المنجمية من تحقيق ملفهم المطلبي المتضمن لجملة من المطالب التي منها أساسا المطالبة بالزيادة في الأجور ومنحة الكراء، التعويض عن الأخطار، التعويض عن الساعات الإضافية، إرجاع الموقوفين، الزيادة في التعويض للمحالين على التقاعد، تصحيح معادلة المنحة المخصصة للتعويض عن المردودية، ترسيم العمال المياومين العاملين بالمناولة، والتعويض عن الأقدمية بالنسبة للمؤقتين، الاستفادة من أرباح الشركة ونسبة الإنتاج، احترام حرية العمل النقابي، توفير السلامة أثناء استعمال المصاعد والتهوية بباطن المناجم، مساهمة الشركة بنسبة 4 بالمائة في القروض البنكية لفائدة العمال وغيرها من المطالب التي سبق للشركة أن وعدت بتحقيقها خلال اعتصام مماثل للعمال في شهر ماي العام الماضي". وفي هذا الإطار لم يفت عدد من العمال المطالبة "بتحسين ظروف عملهم، وتوفير شروط التأمين والوقاية من المخاطر والأمراض المهنية التي تهدد حياتهم، والعمل على تفعيل المقتضيات المنصوص عليها في المدونة، وتطبيق الحقوق الشغلية والامتيازات المكتسبة، إضافة إلى الإجراءات القانونية والإنسانية المتعلقة بظروف السلامة وحفظ الصحة داخل المناجم المذكورة"، في حين عبر عدد من العمال عن "حالة استغلال العمال غير المرسمين، والذين يتم تشغيلهم بعقود عمل جائرة في إطار مقاولات بالمناولة، كما يتم تشغيلهم لساعات إضافية بدون تعويض، علاوة على ما يتقاضونه من أجور زهيدة لا تتلاءم وحجم ما يكابدونه في استخراج ما تكتنزه هذه المناجم من ثروة معدنية هائلة من الرصاص والزنك والفضة". وتتجه المؤشرات القائمة نحو ما يؤكد أن مناجم جبل عوام ستدخل صيفا ساخنا بناء على واقع شد الحبل بين العمال وإدارة الشركة المنجمية، ولم يفت المتتبعين تحميل المسؤولية للطريقة التي يتعامل بها المسؤولون مع "هذا المشكل الذي هو مشكل اجتماعي محض"؟