عاش محيط منجمي «سيدي أحمد» و»إغرم أوسار» بعوام، مساء الجمعة 20 ماي 2016، حالة غير مسبوقة، فور انتشار ما يفيد أن العمال المنجميين المعتصمين على عمق 600 متر، سيخرجون إلى سطح الأرض، بعد 19 يوما من الصمود في ظلمة أغوار الموت، وذلك بناء على بروتوكول محضر اتفاق موقع بين نقابة العمال المعتصمين وإدارة شركة «تويسيت»، بحضور عامل إقليمخنيفرة ورئيس شؤون الداخلية والاستعلامات بالعمالة، ومديري الطاقة والمعادن ومفتشية الشغل بخنيفرة، وينص الاتفاق على دعوة الأطراف المعنية إلى تنفيذ القرارات المتفق عليها في اجتماع سابق والمتعلقة بتفعيل ما تنص عليه مقتضيات مدونة الشغل وقانون المناجم، مع إرجاع الموقوفين وإيقاف جميع المتابعات المقدمة في حق الساكنة أو المعتصمين الذين اتهمتهم إدارة الشركة بعرقلة العمل داخل المناجم، والترفع عن نية تصفية الحسابات أو الانتقام من العمال المشاركين في الاعتصام. وخلال الاجتماع، الذي على أساسه تمت صياغة المحضر، قام المكتب النقابي للعمال بعرض جميع الاختلالات والتجاوزات التي تشوب العلاقة الشغلية لشركة «تويسيت» والمقاولات التابعة لها بالمناولة، في ما يتعلق بالتعويض عن الساعات الإضافية والاستفادة من الأقدمية في العمل، وفق ما هو منصوص عليه ضمن مقتضيات القانون المنجمي الذي تعمد مقاولات المناولة الدوس عليه، إلى جانب ما يتعلق أيضا بحق العمال في الاستفادة الفعلية من العطلة السنوية واحترام حريتهم في الانتماء النقابي عن طريق معاملتهم على قدم المساواة دونما تمييز أو تضييق. وفي ذات السياق، كشفت مصادر من نقابة المعتصمين (ا. ع. ش. م) عن مذكرة سبق لها أن تقدمت بها بخصوص الاختلالات الممنهجة من جانب الشركة المنجمية التي حاولت أكثر من مرة التملص من الحوار بشأنها عن طريق بعض التبريرات الواهية، إلا أن نص محضر الاتفاق حمل ما يفيد أن «ما عرضته هذه النقابة ما هي إلا نقاط ذات طابع شمولي، وتفتقد إلى تحديد الاختلالات بشكل مضبوط، وتمت مطالبة ممثليها بتحديد الحالات التي شملتها هذه الاختلالات المحتملة بدقة، وذلك حتى تتمكن المصالح المختصة من معالجتها»، بينما تم تكليف مدير الطاقة والمعادن بالإشراف على تطبيق التوصيات المنبثقة عن الاجتماع ورفع تقارير بهذا الخصوص إلى السلطة الإقليمية. وفور التوقيع على محضر الاتفاق، أسرع عامل الإقليم، بصفته رئيس اللجنة الإقليمية للبحث والمصالحة، إلى إعطاء تعليماته لتهيئة الظروف المناسبة لعملية خروج العمال المعتصمين من تحت الأرض، وتوفير ما تتطلبه العملية من شروط النقل والإسعاف والتطبيب والأمن، حيث كان لنهاية الملحمة بداية احتفالات شعبية حاشدة، شارك فيها المواطنون وأهالي المعتصمين، ومختلف الفعاليات المحلية، حيث توجهت حافلات الشركة المنجمية بالمعتصمين نحو المستشفى المحلي بمريرت لإخضاعهم للفحوصات والإسعافات الأولية وتمكينهم من الأدوية التي تتطلبها حالتهم الصحية، وقد تم استقبالهم استقبال الأبطال، بالزغاريد والهتافات والشعارات الحماسية التي حملت في عباراتها فرحة الانتصار والتنديد بمظاهر الاستغلال التي تنهجها الشركة المنجمية، في حين استنكرت حناجر بعض الغاضبين تعتيم الإعلام الرسمي الراقص على إيقاعات «موازين» عاصمة المملكة. وأمام تأكيد عدد من الحقوقيين والمتتبعين أن محضر الاتفاق غير منصف للعمال وليس في مستوى ما كان منتظرا، اكتفى حسن بورحيم، في تصريح ل «الاتحاد الاشتراكي»، باسم المكتب الإقليمي لنقابة المعتصمين، أن «أي معركة احتجاجية يخوضها العمال هي رسالة من أجل هدف إنساني حقوقي وليس معركة من أجل معركة، وعلى إدارة الشركة المنجمية «تويسيت» التقاط الإشارة بالعمل على تغيير عقليتها وتكريس المقاربة التشاركية في تدبير أحوال المنجم»، مضيفا «لقد عبرنا عن حسن نيتنا في فك اعتصام العمال وضمانتنا تكمن في الثقة التي وضعناها في عامل الإقليم باعتباره المسؤول الإقليمي الأول، ونظل على استعداد لكل طارئ يتطلبه المستقبل»، ولم يفت بورحيم توجيه تشكراته العالية لكل المتضامنين والمنابر الإعلامية والفعاليات المناصرة للنضال العمالي التي ساندت معركة الكرامة. وكان الاتفاق قد جاء عشية تحضير «أنصار النضال العمالي» لإطلاق حملة وطنية ودولية تضامنية مع معركة مناجم عوام، حيث يعتصم 45 عاملا ب «إغرم أوسار»، و 46 ب «سيدي احمد»، خلف تعتيم قوي وحصار لم يخجل من منع قافلة تضامنية من الوصول ل «رجال تحت الأرض»، وبعدها مسيرة نظمتها الجمعية الوطنية لحملة الشهادات المعطلين بالمغرب على هامش حضورها لخنيفرة، تخليدا للذكرى 23 لاستشهاد مصطفى حمزاوي بمخفر الشرطة، ليظل العمال خلف صمت مريب، ولم تتمكن الحوارات الفاشلة تحت قبة عمالة الإقليم من احتواء هذه الأزمة. ومعلوم أن العمال المعتصمين كانوا قد دخلوا في اعتصامهم المفتوح تحت الأرض، منذ الثاني من ماي 2016، وأقسموا على مواصلة معركتهم حتى الموت، في حين ظلت الشركة المنجمية ممتطية عنادها في صراعها من أجل البقاء، ومواصلة جنيها للأرباح التي تصل أحيانا إلى نحو 48 مليار سنتيم سنويا، لا يجني منها العمال سوى الفتات والموت تحت الأرض، وبينما تشبثت نقابة المعتصمين بموقفها، أصرت إدارة الشركة على موقفها المشروط بالالتزام ب «البروتوكول التاريخي» الموقع بينها وبين النقابة المتهمة بالموالاة لها على أساس «ضمان سلم اجتماعي لمدة أربع سنوات التي هي مدة إنجاز مشروع بمنجم إغرم أوسار بقيمة 25 مليار سنتيم، وعمق يزيد عن ألف متر (بئر)، من أجل تحسين ظروف العمل التي تزداد قساوة بهذا المنجم، مع ترشيد الجهود المبذولة لغاية نقل الآلات الضخمة من السطح إلى العمق، الأمر الذي سيحقق إنتاجية أفضل بعد إنجاز هذا المشروع، حسب نص البروتوكول الذي حصلت «الاتحاد الاشتراكي» على نسخة منه. وصلة بالوضع، يشكو مئات العمال من الأوضاع المأساوية والحوادث المؤلمة والضغوط النفسية والمعنوية التي يشتغلون فيها، ومن انعدام الحقوق والشروط المعنية بالصحة والسلامة والتأمين الاجتماعي، واستفحال قرارات الطرد العشوائي والاستغلال البشع والتشغيل بالمناولة أو بالأجور المخجلة التي لا تتناسب وظروف الجشع الممنهج بالأشكال السافرة.