أمام تواصل اعتصام عمال مناجم عوام بإقليمخنيفرة، منذ الاثنين 2 ماي 2016، على عمق حوالي 650 مترا عن سطح الأرض، أخذت كل المؤشرات تدل على أن الوضع بات مرشحا لانفجار قد يجر المنطقة إلى "الهاوية" اجتماعيا واقتصاديا وأمنيا، سيما في ظل إصرار المعتصمين على مواصلة معركتهم إلى حين انتزاع حقوقهم المشروعة، في حين لاتزال الشركة المنجمية ممتطية عنادها في صراعها من أجل البقاء ومواصلة جنيها للأرباح التي تصل أحيانا إلى نحو 48 مليار سنتيم سنويا، لا يجني منها العمال سوى الفتات ، يقول أحد العمال في تصريح للجريدة ، داعيا مراكز القرار لإيفاد لجنة وزارية للوقوف على الوضع في شموليته، خاصة أمام اتساع التعاطف الشعبي مع المعتصمين محليا ووطنيا، في أفق تنظيم حملة دولية. يواصل 70 عاملا اعتصامهم المفتوح تحت الأرض بمنجمي "سيدي أحمد" و"إغرم أوسار"، خلف دوامة من المعطيات المتضاربة، وملفهم المطلبي يحتوي على جملة من النقاط، منها أساسا"المطالبة بالزيادة في الأجور ومنحة الكراء، التعويض عن الأخطار، إرجاع الموقوفين، الزيادة في التعويض للمحالين على التقاعد، تصحيح معادلة المنحة المخصصة للتعويض عن المردودية، الاستفادة من أرباح الشركة مهما كانت نسبة الإنتاج، الزيادة في محنة عيد الأضحى والتدفئة ومصاريف السفر، ترسيم العمال المياومين العاملين بالمناولة، والتعويض عن الأقدمية بالنسبة للمؤقتين، مع التشديد على ضرورة توفير طبيب خاص بالشركة عوض طبيب الدولة الذي يفضل قضاء أوقاته بعيادته". وبينما تصر نقابة المعتصمين على موقفها، تصر إدارة الشركة على موقفها المشروط بالالتزام ب "البروتوكول التاريخي" الموقع بينها وبين النقابة المتهمة بالموالاة لها على أساس "ضمان سلم اجتماعي لمدة أربع سنوات التي هي مدة إنجاز مشروع بمنجم إغرم أوسار بقيمة 25 مليار سنتيم، وعمق يزيد عن ألف متر (بئر)، من أجل تحسين ظروف العمل التي تزداد قساوة بهذا المنجم، مع ترشيد الجهود المبذولة لغاية نقل الآلات الضخمة من السطح إلى العمق، الأمر الذي سيحقق إنتاجية أفضل بعد إنجاز هذا المشروع، حسب نص البروتوكول الذي حصلت "الاتحاد الاشتراكي" على نسخة منه. وبينما قبلت النقابة المضادة لنقابة المعتصمين بمضمون البروتوكول، ووقعت عليه على أساس الالتزام ب "سلم اجتماعي" لتضمينه ترجمة فعلية لكل المطالب المطروحة، وإعلانه عن المشروع المذكور الذي تعتبره ذات النقابة استجابة لعدة مطالب ستعود بالنتائج المثمرة على 680 عاملا منجميا، ترى مصادر من نقابة المعتصمين أن الشركة صاغت اتفاقية البروتوكول عبر إقصاء مكشوف لباقي الأطراف والمناديب، وتصر على ملف مطلبي لسنة واحدة كاختبار أولي، ومن خلال وجهات نظر العمال، لم يفت بعض العمال التعبير عن رأيهم بوصفهم لمشروع الشركة بأنه "كمين لاقتناص المتمردبن ضدها "و"اغتيال" الفعل النقابي الذي يعري معاناة العمال. وأمام منطق الصمت الذي يشوب الوضع المأساوي، وأسلوب غض الطرف الذي تعاملت به القنوات التلفزية المغربية، لجأ حشد من زوجات وأمهات العمال المعتصمين إلى حمل صرخاتهن إلى الشارع العام في مسيرة غاضبة صدحت فيها حناجرهن بمجموعة من الهتافات التي نددت بتخاذل السلطات المحلية والإقليمية إزاء حياة المعتصمين في أغوار الموت، وبما يجري من مظاهر الاستغلال والحيف وانعدام الحقوق والقوانين بالمناجم المذكورة، حيث تألم الكثيرون لحالة أطفال وهم يعبرون بعفوية وبراءة مطلقة عن مشاعرهم وحنينهم لآبائهم القابعين في أغوار الموت، مع تخوف الجميع من ارتقاء المعتصمبن بمعركتهم إلى تنفيذ تهديدهم بالدخول في إضراب عن الطعام. واستمرارا لاحتجاجهن، عادت زوجات وأمهات وأطفال المعتصمين إلى الدعوة لوقفة احتجاجية، يوم الأحد الماضي 8 ماي 2016، عبر تعميم نداء للسكان والفعاليات المحلية يطالب "بدعم ومؤازرة نضالات العمال المعتصمين، والتنديد بتماطل وتهرب إدارة الشركة المنجمية من إيجاد حل للمشاكل المطروحة، وتعاطيها اللامسؤول مع ملفهم بحوارات مغشوشة، مقابل عجز السلطات المحلية والإقليمية عن وضع حد لتجاوزات الشركة"، ولم يفت العديد من الإطارات والمكونات المجتمعية تلبية النداء بالإعلان عن تضامنها المطلق واللامشروط مع نضالات عمال مناجم عوام. خطوات وتحركات .. ولكن أمام فشل الحوارات الني شهدها مقر عمالة الإقليم، وصل ملف الوضع إلى مكتب وزير الطاقة والمعادن، عبدالقادر عمارة، الذي أعلن على حائطه الفايسبوكي، عن اجتماع ترأسه بمكتبه بحضور الكاتب العام للوزارة ومدير المعادن والهيدروكاربورات ومدير الموارد البشرية والشؤون العامة ونظم المعلومات والمستشار بالديوان المكلف بالمعادن، وخصص هذا الاجتماع لدراسة الوضع الحالي لمناجم عوام، ويعزى سبب الاحتجاج العمالي، على حد رأي الوزير عمارة، ل "رفضهم الاتفاق الموقع بين الشركة والنقابة الأكثر تمثيلية لهم طبقا لمقتضيات مدونة الشغل"، يضيف الوزير. وفي ذات السياق أفاد الوزير بأنه يتعاون مع السلطات المحلية على هذا الأساس، وعلى رأسها عامل الإقليم، حيث "أعطى تعليماته لإيجاد حل للأزمة في أقرب الآجال اعتبارا للحالة الطارئة للوضعية الإنسانية للمنجميين المعتصمين ولما للنشاط المنجمي من أهمية حيوية للمنطقة"، حسب قوله، ما أظهر للمراقبين النوايا المسبقة للعضو الحكومي بخصوص الأزمة، مؤكدا أنه طلب من الكاتب العام لوزارته "الاتصال بأطراف الحوار لتقريب وجهات النظر والعمل على إيجاد توافق يحفظ للجميع حقوقهم ويثبت التزاماتهم"، وأن "شركة تويست المعدنية شرعت في إنجاز مشروع هام للتنقيب المعدني سيمكن من تمديد أنشطة المنجم لبضع سنوات، وهذا يمثل فرصا للشغل هامة للساكنة ودافعا اقتصاديا لتنمية المنطقة"، يقول الوزير الذي كشف من خلال ذلك عن خارطة طريقه لحل الأزمة على منوال رأيه. تعليمات الوزير تلقتها السلطات الإقليمية بحذافيرها فواجهت بها ممثلي العمال المعتصمين ونقابتهم في اللقاء الذي جمعهم بمسؤول في الاستعلامات تحت سقف عمالة إقليمخنيفرة، يوم الاثنين 9 ماي 2016، حيث طلب منهم هذا المسؤول الالتزام بالمحضر/البروتوكول الموقع، يوم الخميس 28 أبريل 2016، بين الشركة المعدنية والنقابة الأكثر تمثيلية (ا. م. ش)، كبروتوكول ينص على ضمان سلم اجتماعي على مدى أربع سنوات إلى حين إنجاز المشروع المقرر إحداثه بمنجم إغرم أوسار، الأمر الذي رفضته نقابة المعتصمين (ا. ع. ش. م) وهي تصر على عدم "الصبر" أو "تجميد" ملفها المطلبي كل هذه المدة، وبه من النقاط ما لا يقبل التأجيل، وبينما يقبع المعتصمون في معركتهم تحت الأرض، تتحرك السلطات في كل الاتجاهات في محاولة لإيجاد صيغ لتقريب وجهات النظر بين العمال والنقابة والشركة المعدنية التي تشهر بين الفينة والأخرى تهديدها بإغلاق المناجم في محاولة منها لترهيب السلطات والعمال. وكم من مرة يتظاهر فيها مدير الشركة كمرحب بالحوار مع المعتصمين على شرط التشاور مع رؤسائه المباشرين، ليظل كلامه مجرد وسيلة لربح الوقت، وإلى حدود الساعة، لا يزال المعتصمون تحت الأرض في ظروف مأساوية، والرائج أن عددهم يناهز 70 عاملا، إضافة إلى عدد آخر من المضربين عن العمل، وقد دخلوا في "معركتهم الأرضية" بعد ساعات قليلة من مشاركتهم في احتفالات فاتح ماي، وتعميمهم لبيان إنذاري أعلنوا فيه عن تنديدهم بعدد من التجاوزات والانتهاكات التي تمارسها إدارة الشركة المنجمية "تويسيت"، ومن ذلك إرغامهم على عدم الانضمام لأية نقابة، مقابل التوحد في نقابة بعينها، مع إجبارهم على مواصلة العمل في الظروف القاسية التي تنعدم فيها شروط الكرامة الإنسانية، مع رفضها إرجاع العمال الذين تعرضوا لحوادث شغل بالمناجم، مع تسجيل التحيز المفضوح لمندوب الطاقة والمعادن ومفتش الشغل بخنيفرة إلى جانب الباطرونا. ظروف مأساوية علاوة على ذلك، يشكو المئات من العمال، في تصريحاتهم ل "الاتحاد الاشتراكي"، من الأوضاع المأساوية والحوادث المؤلمة والضغوط النفسية والمعنوية التي يشتغلون فيها، ومن انعدام الحقوق والشروط المعنية بالصحة والسلامة والتأمين الاجتماعي، واستفحال قرارات الطرد العشوائي والاستغلال البشع والتشغيل بالمناولة أو بالأجور الهزيلة التي لا تتناسب والمقتضيات المنصوص عليها في مدونة الشغل وقانون العمل بالمناجم والاتفاقيات الكونية. وكان بإمكان المسؤولين معالجة الملف المطلبي للمعتصمين بعيدا عن خيار "الهاجس الأمني"، مع التحقيق المحايد والشفاف في أسباب "الأزمة القائمة"، عوض الانحياز لما تحمله التقارير و"الإشعارات" المغلوطة التي تطلقها إدارة الإنتاج بالشركة المنجمية المستفيدة من مناجم عوام منذ عام 1996، وتستغل ثلاثة مواقع إنتاجية ( جبل عوام، إغرم أوسار وسيدي احمد)، وهناك ترتيبات لفتح منجم رابع، حيث يتم استخراج الأطنان من معدن الرصاص والزنك والفضة، ومعادن أخرى بما فيها الذهب، حسبما هو متداول بشدة، ولا نصيب لأهالي المنطقة من ذلك سوى الغبار والحيف والقمع، وكانت الشركة المنجمية قد لجأت في تحايل على القانون، إلى استقدام مقاولات معينة ومنحها المناولة في نفس الأشغال التي تزاولها بالرغم من عدم سماح القانون بالمناولة في الإنتاج. ومن جهة أخرى، تحدث لنا العديد من السكان عن مآسي المنطقة ونموها في خضم العطش والتلوث والغبار وجفاف الآبار والعيون، والأضرار الصحية والبيئية والمياه الملوثة، بسبب أعمال حفر الأنفاق المنجمية، والمواد المتفجرة التي تستعمل في حفر هذه الأنفاق، علاوة على المواد الكيماوية التي يتم بها غسل المعادن، وتأثير ذلك على الغطاء النباتي والمساحات الزراعية والدواب والمواشي التي تعتبر من المصادر الأساسية والاقتصادية لحياة السكان. ويشار إلى أن المنطقة لم تنس كذلك أحداث 26 غشت 2011، التي تعرضت فيها العديد من النساء والشباب والمسنين من قرية سيدي أحمد واحمد للضرب والتنكيل والمطاردة والاعتقالات، حين كان الضحايا يعتصمون في تجمع سلمي للمطالبة بتشغيل أبناء المنطقة في المناجم، وترسيم العمال منهم، وتفعيل برنامج القرى المنجمية النموذجية مع توفير الماء الصالح للشرب للإنسان والماشية، وبناء المسالك وإحداث مستوصف ومدرسة لائقين.