في خطوة تصعيدية خطيرة، واصل العشرات من عمال مناجم عوام بإقليمخنيفرة، منذ الاثنين 2 ماي 2016، دخولهم في اعتصام مفتوح تحت الأرض، وتحديدا بمنجمي «سيدي أحمد» و»إغرم أوسار»، على عمق حوالي 650 مترا، وكل ذلك يجري في سرية تامة وتضارب في المعطيات وسط حالة استنفار لم تشهد لها المناجم مثيلا منذ أواسط التسعينيات، حين خاض عدد من العمال اعتصاما مماثلا لعدة أسابيع بقعر المنجم، وليس من المستبعد أن ينفذ المعتصمون تهديدهم بالدخول في إضراب عن الطعام تحت الأرض، الأمر الذي يرفع من مسؤولية إدارة الشركة المنجمية على سلامة المعتصمين وحياتهم. وإلى حدود الساعة، لا يزال المعتصمون تحت الأرض في ظروف مأساوية، وقد تضاربت الآراء حول عددهم، فهناك من يتحدث عن أزيد من 70 عاملا، ومن يؤكد بلوغ عددهم 120 عاملا، كما جاء في مضمون رسالة نقابية موجهة لوزير الطاقة والمعادن وحصلت «الاتحاد الاشتراكي» على نسخة منها، حيث دخلوا «معركتهم الأرضية» بعد ساعات قليلة من مشاركتهم في احتفالات فاتح ماي، وتعميمهم لبيان إنذاري أعلنوا فيه عن تنديدهم بعدد من التجاوزات والانتهاكات التي تمارسها إدارة الشركة المنجمية «تويسيت» التي لم تكلف نفسها عناء التنازل عن تعنتها للتفاوض والتحاور حول ملفهم المطلبي. وفي خضم هذه الواقعة الرهيبة، لم يتخلف المراقبون عن قرع نواقيسهم للتأكيد على مأساوية حالة المعتصمين، وضرورة تدخل السلطات والجهات المسؤولة لاحتواء المأساة قبل تطورها إلى كارثة حقيقية، بالنظر إلى الأجواء الخانقة والظلمة الحالكة ودرجة الحرارة وانعدام التهوية وشروط الحياة الطبيعية، تحت سطح الأرض، رغم تسابق زملائهم لإمدادهم بالقوت والماء الشروب، وبين الفينة والأخرى ينقطع الاتصال بهم جراء ضعف التغطية الهاتفية وغياهب الأنفاق، على حد مصادر «الاتحاد الاشتراكي» التي تتابع تطورات الوضع عن كثب. وكانت السلطات المحلية قد فشلت في إقناع نقابة المعتصمين بعدم مواصلة «معركة تحت الأرض» التي انضم إليها عمال منجم «إغرم أوسار» أيضا، لتزداد الأزمة اشتدادا في خروج اجتماع طارئ للعمال بالإعلان الجماعي عن مواصلة النضال حتى ترجمة مطالبهم إلى حيز الواقع، وحث إدارة الشركة المنجمية للكف عن أساليب التضييق والترهيب، وعن العمل في تلك الظروف التي وصفها أحدهم برواية «جيرمينال» لكاتبها العالمي إميل زولا، من خلال عدم احترام هذه الشركة للمقتضيات المنصوص عليها في مدونة الشغل وقانون العمل بالمناجم والاتفاقيات الكونية. وعلمت «الاتحاد الاشتراكي»، من مصادر متطابقة، أن عامل إقليمخنيفرة، دخل على خط الأزمة، صباح الثلاثاء الماضي 3 ماي 2016،بحضور مدير الشركة المنجمية «تويست»، وبعض الإداريين والنقابيين، ومندوب التشغيل، إلى جانب ممثل عن العمال المعتصمين، حيث تم التداول في شأن الوضع الخطير الذي تعرفه مناجم عوام، وأصر عامل الإقليم على دعوة مختلف الأطراف إلى الحوار الفوري من أجل وضع حد للمشكل العالق، غير أن انتهاء اللقاء بالفشل عاد بالأمور إلى نقطة الصفر وحمل أسر المعتصمين إلى التحرك باتجاه معارك ومسيرات احتجاجية موازية، ما ينذر بتطورات لا أحد يتكهن بتفاعلاتها ونتائجها، علما أن الاعتصام قد ساهم في شل معظم أنشطة المناجم. وأكد العمال ،في بيان سبق اعتصامهم تحت الأرض، أن إدارة الشركة المنجمية تمارس عليهم ضغوطا قوية لإرغامهم على عدم الانضمام لأي نقابة، مقابل التوحد في نقابة معلومة موالية لها، مع إجبارهم على مواصلة العمل في الظروف القاسية التي تنعدم فيها شروط الكرامة الإنسانية، في حين ترفض إرجاع العمال الذين تعرضوا لحوادث شغل بالمناجم، مع تسجيل التحيز المفضوح لمندوب الطاقة والمعادن ومفتش الشغل بخنيفرة إلى جانب الباطرونا، ضدا على القوانين الوطنية والمواثيق الدولية، حسب البيان. وفي ذات السياق، لم يفت ذات البيان العمالي إدانة ما وصفه ب «التزوير الخطير للإمضاءات من طرف النقابة الموالية للإدارة، واستغلالها في تمرير ملف مطلبي بدون محتوى لأربع سنوات»، مع فضيحة «ترقية أحد المسؤولين النقابيين إلى درجة مكنته من الاستفادة من مبلغ 2000 درهم شهريا»، و»صرف منح من تحت الطاولة لآخرين من المنعم عليهم»، إلى غير ذلك من النقاط الواردة ضمن البيان النقابي. وإضافة إلى ذلك، يشكو المئات من العمال من الأوضاع المأساوية والحوادث المؤلمة والضغوط النفسية والمعنوية التي يشتغلون فيها، ومن انعدام الحقوق والشروط المعنية بالصحة والسلامة والتأمين الاجتماعي، واستفحال قرارات الطرد العشوائي والاستغلال البشع والتشغيل بالمناولة أو بالأجور المخجلة التي لا تتناسب وظروف الجشع الممنهج بالأشكال السافرة.