في تطور غير مفاجئ، نقل أزيد من 200 عامل من عمال مناجم عوام معركتهم الاحتجاجية، يوم الأربعاء 12 دجنبر 2012، من موقع الإضراب المفتوح والاعتصام، الذي تجاوز الأسبوع، إلى تنظيم مسيرة على الأقدام، انطلقت من أغرم أوسار إلى نحو قلب مدينة مريرت، وبينما وصف المراقبون هذا التطور بالخطوة التي أربكت إدارة الشركة المنجمية تويسيت، سجلوا من خلاله كيف استطاع المتظاهرون الانفلات من «وصاية» إحدى النقابات المتحكمة في العمال، منذ عهد طويل، والتمرد خارج يدها حين بدت في رأيهم، حسب تصريحات متطابقة، تخدم سياسة الباطرونا أكثر ما تخدم الانتظارات العمالية والحريات النقابية، سيما من خلال التجاهل المكشوف الذي تعاملت به الشركة المنجمية مؤخرا إزاء إضراب العمال واعتصامهم الذي دام لأزيد من أسبوع. المسيرة العمالية التي تميزت بالسلمية، ارتفع صوتها بالتحاق العديد من المواطنين ومكونات المجتمع المدني بها، حيث صدحت فيها حناجر المتظاهرين بمجموعة من الشعارات الغاضبة التي نددوا من خلالها بمظاهر الاستغلال التي يعانون منها، وبتعنت إدارة الشركة واستخفافها بمطالبهم العادلة والمشروعة، وقد سارت هذه المسيرة، دون تدخل أمني كما كان محتملا، إلى إحدى الساحات المعروفة بالمدينة ، حيث اختتمت بكلمة لأحد ممثلي العمال الذي كشف عن الوضعية المأساوية التي يعانيها العمال، وعن مطالبهم وحقوقهم المهضومة، وانعدام شروط الصحة والسلامة والتأمين، بينما لم يفت صاحب الكلمة التعبير عن عزم العمال على مواصلة معاركهم الاحتجاجية إلى حين استرجاع مكتسباتهم التي تراجعت عنها الشركة المنجمية، والاستجابة لحقوقهم المنصوص عليها في القوانين الوطنية والإنسانية والمواثيق والأعراف الدولية. ويشار إلى أن المئات من عمال مناجم عوام، ضواحي مريرت، إقليمخنيفرة، قد دخلوا في إضراب مفتوح، منذ الأربعاء الماضي، خامس دجنبر 2012، بهدف إثارة انتباه الرأي العام لأوضاعهم المأساوية في ظل ما يصفونه ب «تعنت إدارة الشركة المنجمية»، ولمطالبهم المتمثلة أساسا في تحسين ظروف عملهم، وتلبية حقهم في المنح والتعويض عن الساعات الإضافية والسكن والتطبيب والعطل والأقدمية، وحقهم أيضا في إجراءات الوقاية من المخاطر والأمراض المهنية التي تهدد صحتهم وحياتهم، وفي العمل على تفعيل المقتضيات المنصوص عليها في المدونة، وتطبيق الحقوق الشغلية والامتيازات المكتسبة، إضافة إلى الشروط القانونية والإنسانية داخل المناجم المذكورة، وهي ثلاثة (عوام، إغرم أوسار، وسيدي أحمد واحمد)، ويبلغ عدد العمال بها أزيد من 500 عامل. كما تأتي «انتفاضة» العمال، حسب مصادر «الاتحاد الاشتراكي»، للتنديد بالوضعية القاسية التي يتم فيها استغلال العمال غير المرسمين، أو الذين يتم تشغيلهم بعقود عمل لا تحترم أدنى الشروط القانونية في إطار مقاولات بالمناولة. وأمام لغة الوعود والتسويفات والتطمينات التي لا تتوقف إدارة الشركة عن توزيعها عليهم من دون جدوى، شدد المحتجون على ضرورة حضور المدير العام للشركة المنجمية تويسيت من أجل التحاور، إلا أن هذا الأخير، حسب مصادر متطابقة، يكون قد تعامل مع مطلبهم بموقف الهروب إلى الأمام. وسبق ل»الاتحاد الاشتراكي» التذكير بما عرفته مناجم عوام، التابعة للشركة المنجمية تويسيت، من أحداث مميتة، ما بين نونبر وأكتوبر الماضيين، ذهب ضحيتها ثلاثة عمال في انتهاكات جسيمة لحق الإنسان في الحياة، وهم العامل سعيد الزمزمي، ويشتغل ب «مقاولة تيغانمين»، هذا الذي لقي حتفه في انهيار شحنة من الأتربة كان بصدد شحنها بباطن الأرض، وقبله العامل مصطفى فوغالي، الذي كان يشتغل قيد حياته لحساب «مقاولة كولد مين»، لقي مصرعه بسقوطه في نفق أرضي (بئر)، عمقه حوالي 60 مترا، حيث كان ينوي الصعود عبر أحد المصاعد المنجمية الصغيرة، أما العامل الثالث فكان هو العامل عصام الراجي الذي كان يشتغل لحساب «مقاولة سطار ميلتي ترافو» قبل أن يلقى حتفه إثر صعقة كهربائية أصابته بباطن الأرض. المسيرة العمالية التي انطلقت من «إغرم أوسار» عادت بأذهان الشارع العام إلى «يوم الجمعة الأسود»، 26 غشت من العام الماضي، حيث شهدت هذه المنطقة أحداثا خطيرة إثر تدخل أمني عنيف في اعتصام سلمي لعدد من النساء والشباب والمسنين من قرية سيدي أحمد واحمد، حيث تعرضوا للضرب والتنكيل والمطاردة، بينما اعتقل ستة أشخاص منهم، وقد استعملت فيها القوات العمومية الهراوات والقنابل المسيلة للدموع، ولم يكن المعتصمون يطالبون سوى بتشغيل أبناء المنطقة في المناجم، وترسيم العمال منهم، وتفعيل برنامج القرى المنجمية النموذجية مع توفير الماء الصالح للشرب للإنسان والماشية عوض تمادي الشركة المنجمية في امتصاص الثروات والخيرات المعدنية للمنطقة.