ماتيس في طنجة" رواية للكاتب الجزائري عبد القادر جميعي. وهو روائي في رصيده العديد من الروايات: تخييم، محطة الشمال، الأنف على الزجاج، لحظة نسيان. وهي روايات منشورة عند واحدة من أهم دور النشر الفرنسية. تحكي "ماتيس في طنجة"، وهي من الصنف البيوغرافي، عن زيارة ماتيس لطنجة سنة 1912 رفقة زوجته "إميلي"، تحت وابل من المطر، الذي سبق نور طنجة الذي سيجده ماتيس دون نظير. سيكتشف الفنان العبقري ألوان المدينة ومناظرها وسكانها الذين في أغلبيتهم مغاربة وإسبان ويهود. لكنه سيجد غيابا كبيرا للعنصر الأنثوي الذي يعتبره ضروريا لعمله الفني. وهذا العمل الأدبي هو عبارة عن رسالة طويلة، عنوانها الأصلي "زهرة في الشرفة"، وهو مقتبس عن لوحة لماتيس، وزهرة هي عاهرة في طنجة فرضت نفسها على الخيال الخلّاق... آخرون وجدوا لوحتك "زهرة في الشرفة" شفافة جدا وصافية حتى أنها أصبحت، في عيونهم المندهشة، لغزا، سرا خفيا مثل ذلك الملكوت المسيحي الفائق الجمال إلى درجة العنف. بلد قاس، يُضعف أحيانا، ومناظره أحيانا تشكل بالنسبة إليك "رسالة سماوية بلغة أرضية". كم كان عمر زهرة عندما تعرفت إليها، زهرة التي يدل اسمها على البياض والبراءة؟ اثنا عشرة، ثلاثة عشرة؟ شيء واحد مؤكد: إنها أصغر من بنتك مارغريت التي شكلت عدة نموذجا لك، والتي أنجبتها بعد زواجك الأول بالفنانة كارولين جوبلاند، المسماة "كاميل". أثناء غيابك، بقيت مارغريت في بيتك في "إسي-لي-مولينو" الذي اشتريته حديثا في 92، طريق كلامار. أما ولداك، جان و بيير، فأنت دائما تلعب دورك الحقيقي كرب أسرة، لقد تركتهما لجدتهما من الأم ولإحدى قريباتك. تريد بكل تأكيد، التعرف أكثر على المنطقة. على ظهر بغل رفقة أميلي، ذهبتما إلى تطوان، بعد أن قطعتما "بحرا من الأزهار" و "حقلا من العشب الخالص، البكر". قضيتما ثلاثة أيام في هذه المدينة العربية الأندلسية التي تبعد بستين كيلومترا عن طنجة، المدينة الدولية ذات الوجه المليء بالندوب، مثل وجه قرصان عجوز، بفعل حوادث الحياة. تطوان التي بنيت على ضفة المحيط الأطلسي الأكثر عصبية، الأكثر هيجانا من البحر الأبيض المتوسط، هي المدينة الوحيدة التي زرت في المغرب، المدينة المتأثرة بإسبانيا كثيرا. لقد جعلت منها حكومة الوصاية عاصمتها في شمال المغرب. هنا أيضا، وجدت الشوارع مزدهرة وآثارا جميلة مثل "قصر الخليفة" أو "زاوية سيدي علي بن بركة". لقد استعمرت إسبانيا وهران أيضا طيلة قرنين ونصف. جنودها سيُطردون، في البداية، من طرف الباي المسمى "بوشلاغم"، العثماني ذو الشاربين الطويلين، وفي النهاية بفضل زلزال رهيب سنة 1790. مثلما في طنجة، عدة لغات تُنطق حولك: العربية الدارجة، البربرية، العبرية، الفرنسية، الإنجليزية، الإيطالية ولغة بلاد ال"فاليسكيز" الذي أُطلق اسمه على مدينة المضيق. في زاوية زقاق أو في حفرة مكان ما، يمكنك أيضا الانتظار وسماع انبجاس أصوات الأطفال، من باب موارب من كُتّاب قرآني. في حجرة صغيرة تتنفس الغبار، والعرق والحبر المصنوع من صوف الخروف المحروق، إنهم يحفظون عن ظهر قلب آيات قرآنية، تحت سوط "الطالب"، وفوق الألواح المدهونة بالصلصال. لا أعرف هل تتكلم الإسبانية، جدي وولده، أي والدي، كانا يدبران حالهما في القشتالية. في وهران، كان يكفيني أن أرفع رأسي نحو جبهة البحر، من جهة هضبة "سان-ميشيل" حيث يوجد مطار "آس-سينيا" لرؤية "سانتا كروز'"، القلعة الحجرية ذات اللون الأمغر حيث ينام، منذ 1581، ميغيل دي سرفانتيس سافيدرا. لقد سجل مروره من هنا، بطريقته: بطله المجازف كيشوت صارع الأسود المهداة إلى المك من طرف حاكم المنطقة.