ماتيس في طنجة" رواية للكاتب الجزائري عبد القادر جميعي. وهو روائي في رصيده العديد من الروايات: تخييم، محطة الشمال، الأنف على الزجاج، لحظة نسيان. وهي روايات منشورة عند واحدة من أهم دور النشر الفرنسية. تحكي "ماتيس في طنجة"، وهي من الصنف البيوغرافي، عن زيارة ماتيس لطنجة سنة 1912 رفقة زوجته "إميلي"، تحت وابل من المطر، الذي سبق نور طنجة الذي سيجده ماتيس دون نظير. سيكتشف الفنان العبقري ألوان المدينة ومناظرها وسكانها الذين في أغلبيتهم مغاربة وإسبان ويهود. لكنه سيجد غيابا كبيرا للعنصر الأنثوي الذي يعتبره ضروريا لعمله الفني. وهذا العمل الأدبي هو عبارة عن رسالة طويلة، عنوانها الأصلي "زهرة في الشرفة"، وهو مقتبس عن لوحة لماتيس، وزهرة هي عاهرة في طنجة فرضت نفسها على الخيال الخلّاق... في أوقات فراغك، تلتقي جيمس ويلسون موريس، وهو رسام كندي يفضل الويسكي، كنت قد تعرفت عليه، السنة الماضية، في فندق "فيلا فرنسا" الذي يستقبل زبائن متنوعين. "كاموان"، الذي ينحدر من مرسيليا، والذي كان يعاني من الذُّباح، طيلة إقامته بطنجة، سيحكي لك قصة عاهرتين نزلتا، تحت وابل من المطر، في "مارتيغ" حيث يعيشان إلى اليوم. لم يكونا من "تير-نوف، فأبدى اهتماما وطلب منهما إن كانتا ترغبان في لعب دور النموذج. تحب أن تضحك لكنك كنت كئيبا شيئا ما لأن رفاقك في مدرسة الفنون الجميلة بباريس كانوا يحبون تسميتك "الطبيب"، بسبب بذلتك ونظارتك المستديرة الصغيرة ومزاجك الذي يبدو عصبيا، في حين أنك " فرح، وسعيد حتى". كان "برساي"، الذي قلت له هذا الاعتراف، متفقا معك. بل إنه أضاف بأنك أيضا رجل ساخر وطُلعة. الرغبة في الإبداع الثابتة في الروح، جعلتك، ذات صباح، المزاج رائق والخطوة واثقة، تغادر الغرفة 35. أردت مرة أخرى التيه في القصبة المليئة بالأطفال الذين يلعبون أو يعملون بين هذه الأزقة التي بلا أرصفة وأحيانا المتخاصمة مع الشمس. بعض اللوحات مكتوبة بلغتين. النوافذ ليست كثيرة، أو على الأقل لا تطل على هذه الساحات الداخلية ذات الضوء الخافت والأرض المبلّطة. الأصوات، خافتة، قوية أو متدحرجة مثل نرد على الطاولة، تلتقي بين الجدران. الأكثر غنى والأكثر حظّا تختبئ بين خيوط نشر الغسيل وأقفاص الكناري، في شجرة الليمون، والسفرجل أو داخل بئر مزيّن بالخزف الصيني. أتذكر أننا كنا نذهب مع جدي أحيانا للبحث عن الماء عند السيدة "فرونتوناك" التي كانت تقطن ب"فيلا السنونو"، في أقصى شارع "تارديو". ولبلوغ بئرها الموجود في حديقة صامتة، كنا نمر عبر مرئابها ذو الستار الحديدي المرفوع إلى النصف. سيارتها العتيقة ال"دوفين"، ذات اللون الأزرق الفاتح، التي لا تخرج إلا نادرا، تنام هناك بين صفوف من الأدوات، والأشياء المنزلية ومنضدة عمل مزدحمة بالصفائح الصغيرة وأوعية الصباغة. كان الماء القادم من "راس العين" وسدّ "بني بهديل"، ينقل في قنينات زجاجية كبيرة ويُباع في شوارع وهران من طرف سائقي العجلات. لم تجر تلك المياه في الحنفيات والينابيع العامة إلا في 1948، السنة التي ولدت فيها، بفضل "غابرييل لامبير"، عمدة وكشّاف الينابيع في بلده. بالجُبّة والقبعة الاستعمارية فوق الرأس، كان هذا القس الذي ترك الرهبانية، والمنحدر من "فيلوفرانش-سير-مار"، يثير السخرية محليا ووطنيا بقضاياه الأخلاقية، ومواقفه السياسية وحبه الجامح للمال. تُجّار متجولون، يعلنون عن حضورهم بقرع أجراسهم، كانوا يقدمون الماء، المعطر بأوراق الغار، في الأسواق وفي سوق الثوب في المدينةالجديدة التي توجد على بعد بضعة أمتار من المستشفى المركزي والسجن. ينتعلون صندلا من الجلد، ويرتدون لباسا تقليديا وقبعة كبيرة مزينة بخصلات خيوط ملونة، يضغطون على قرابهم المصنوعة من جلد التيس أو العنزة ذات شعر طويل يلمع، ويملأون الكؤوس النحاسية البرّاقة المعلقة على صدورهم بواسطة سيور من الجلد. لاشك أنك التقيت أمثالهم في طنجة.