ماتيس في طنجة" رواية للكاتب الجزائري عبد القادر جميعي. وهو روائي في رصيده العديد من الروايات: تخييم، محطة الشمال، الأنف على الزجاج، لحظة نسيان. وهي روايات منشورة عند واحدة من أهم دور النشر الفرنسية. تحكي "ماتيس في طنجة"، وهي من الصنف البيوغرافي، عن زيارة ماتيس لطنجة سنة 1912 رفقة زوجته "إميلي"، تحت وابل من المطر، الذي سبق نور طنجة الذي سيجده ماتيس دون نظير. سيكتشف الفنان العبقري ألوان المدينة ومناظرها وسكانها الذين في أغلبيتهم مغاربة وإسبان ويهود. لكنه سيجد غيابا كبيرا للعنصر الأنثوي الذي يعتبره ضروريا لعمله الفني. وهذا العمل الأدبي هو عبارة عن رسالة طويلة، عنوانها الأصلي "زهرة في الشرفة"، وهو مقتبس عن لوحة لماتيس، وزهرة هي عاهرة في طنجة فرضت نفسها على الخيال الخلّاق... لكي تسلي نفسك في طنجة، التي كانت مستعمرة سابقا من طرف البرتغاليين والبريطانيين، جلبت معك كتبا و كمانا، وهي آلة تحبها كثيرا، مثل دولاكروا. ربما عزفت في مقصورتك أو فوق جسر "سار ريدجاني". لو لم تكن رساما، أمكنك، كما قلت للمصور الفوتوغرافي "برساي"، كسب عيشك من أن تصبح عازفا جوّالا. قبل الممارسة، في نهاية وجودك، استعملت المقص "لقطع الألوان الحية" على الورق المرسوم بالغواش، تحب أيضا اللّمس، الإحساس وتقطيع الأثواب. لأنه، بالنسبة إليك الأساليب، مثل الألوان، يجب أن "تحرك العمق الشهواني في الإنسان". لقد ندمت بدون شك عن عدم ذهابك إلى فاس، وهي مدينة حذرة ومرهفة. كنت ستلتقي، في فندق "جياف"، صُنّاع الزرابي والحائكين داخل معاملهم العتيقة ذات الظلال الواضحة حيث نجد دائما أباريق الشاي وجرار الماء العذب. بالقرب من هناك، كنت سترى أيضا واحدة من شرفات حي الدباغين، وعشرات البراميل ذات الروائح القوية معروضة كما لو في كوكب متعدد الألوان. لا تشبه تلك الموجودة في الشمال، منطقتك التي صُنّعت بسرعة وبقوة، حيث اللون المهيمن هو الأسود المنبعث من أدخنة المصانع. ذوقك هذا وخبرتك في مجال النسيج جاءا من والديك اللذان مارساه في فترة بباريس، والدك كان بائعا في دكان كبير وأمك، هيلواز، كانت صانعة قبعات. هما من، بإعطائك المثل، صنعا منك فنانا لا يكلُّ وشديد التدقيق في التفاصيل. "مثل والديّ، أسرعت إلى العمل، مدفوعا بشيء مجهول، بقوة أعتبرها اليوم غريبة في حياتي كرجل عادي"، كتبت في رسالة وجهتها في 18 نونبر من سنة 1952 إلى مدينتك الأم بمناسبة افتتاح المتحف الذي يحمل اسمك. ثلاثون سنة بعد ذلك، سيُنقل هذا الأخير، الذي أقيم في "فندق المدينة"، إلى القصر القديم "فينيلون" حيث يُعرض اليوم أكثر من 170 عملا من أعمالك. لا شيء كان يهيئك لتصبح رساما. لن تنسى أبدا أن "هيلواز" كانت هي أصل "طريقك الخاص". كانت فكرتها جيدة حين أهدتك، بعد عمليتك الجراحية نتيجة أزمات متكررة في القولون، علبة من الصباغة والصور الملونة. كنت في العشرين من عمرك وكنت تدرس القانون قبل أن تأخذ دروسا في الرسم في المدينة المجاورة، سانت-كانتان، حيث ولد، سنة 1704، رسام البورتريه الكبير "موريس كانتان دي لاتور" الذي أسس المدرسة الذي أخذت فيها دروسا في الرسم. من بين أغراض سفرك، توجد الحقيبة الصغيرة القديمة التي ترافقك في كل أسفارك. مليئة بالأقمشة، وبقطع من النُّجود، والسترات، والشّالات، والغندورات وبروكارات من الحرير. عندما رأيتها وراءك في صورة الغرفة 35، فكرت في صندوق جدتي العتيق المصنوع من الخشب المصبوغ والمزيّن بالنحاس. تحت غطائه السميك، كانت تخبئ حقائب خالاتي وأحذيتهن الموشّاة، وسراويلهن المخملية، وأحزمتهن العريضة، وفساتينهن المزركشة التي تلبسنها أحيانا للحضور إلى حفلات الزفاف، العزاء أو الختان.