ماتيس في طنجة" رواية للكاتب الجزائري عبد القادر جميعي. وهو روائي في رصيده العديد من الروايات: تخييم، محطة الشمال، الأنف على الزجاج، لحظة نسيان. وهي روايات منشورة عند واحدة من أهم دور النشر الفرنسية. تحكي "ماتيس في طنجة"، وهي من الصنف البيوغرافي، عن زيارة ماتيس لطنجة سنة 1912 رفقة زوجته "إميلي"، تحت وابل من المطر، الذي سبق نور طنجة الذي سيجده ماتيس دون نظير. سيكتشف الفنان العبقري ألوان المدينة ومناظرها وسكانها الذين في أغلبيتهم مغاربة وإسبان ويهود. لكنه سيجد غيابا كبيرا للعنصر الأنثوي الذي يعتبره ضروريا لعمله الفني. وهذا العمل الأدبي هو عبارة عن رسالة طويلة، عنوانها الأصلي "زهرة في الشرفة"، وهو مقتبس عن لوحة لماتيس، وزهرة هي عاهرة في طنجة فرضت نفسها على الخيال الخلّاق... مضيق جبل طارق هو بالضبط هنا، في متناول عينيك. إنه عبر هذا الممر الاستراتيجي تهاجر الطيور نحو شمس إفريقيا وتنزلق الدلافين ذات البطون الفضية باطمئنان من محيط إلى بحر. من مرحلة إلى أخرى، كانت طنجة فينيقية، قرطاجية، وندالية، بيزنطية ورومانية. من هنا مرّ الجنرال طارق بن زياد، الذي أُطلق اسمه على الممر، سنة 711 بجيوشه لغزو شبه الجزيرة الأيبيرية التي بقيت مسلمة طيلة سبعة قرون. خلافا لجدي، الذي لم يسافر إلا من أجل المجيء على متن كريولة ليستقر في وهران، سافرت أنت إلى عدة بلدان، رغم أنك تعتبر نفسك عاملا غير مهاجر لا يحب الرسم. لا تعرف من العالم الإسلامي إلى ذلك الوقت سوى الجزائر أو، وراء بريطانيا، لندن، أجاسيو، لا كوت دازير، كوليور، مدريد، الأندلس وموسكو، عندما قدمت في ماي سنة 1906 بفضل صديق لوادلك، وهو تاجر حبوب من مرسيليا الذي كان يتاجر مع هذا البلد. زرت أيضا معارض حول الفن الإسلامي تم تنظيمها في باريس، في جناح "مرسم" وفي ميونيخ حيث اكتشفت، رفقة "ماركيت"، المنمنمات الفارسية. شاب من الشمال غادر توا وظيفته ككاتب لمحام، ستتجه أولا إلى الجزائر العاصمة، التي تشبه في نظرك "باريس العفنة". ثم، بعد قسطنطينة وبتنة، وصلت إلى واحات بيسكرا رفقة نساء الجنوب، مثل نساء قبيلة "أولاد نيلس"، المشهورات برقصاتهن التي يحركن فيها بطونهن، وبشبقهن، الذي يُعتبر طبيعيا، مطلق العنان. في بطاقات البريد، بلون الشوكولاطة الصافي، يظهرن موشومات، السيجارة في الفم أو يدخن النرجيلة، صدورهن سمراء والابتسامة جذابة. لا شك أنهن يثرن الانفعال عند المرتزقة الذي يشعرون بحرارة الرمل، والموظفين المتوحدين، والعازبين ببشرتهم الشديدة البياض وممثلي التجارة القادمين من العاصمة، بحمالات سراويلهم وخُيالاتهم. وجدت أن البلد الذي ستقيم فيها خمسة عشر يوما هو "قطعة كبيرة"، أرض جميلة، لكنه حار جدا. كنت ترغب، مثلما في طنجة التي تتعرّق مطرا، "أن تفرّ دون أن تقوم بأي شيء"، كما كتبت لصديقك "أندري دوران" المجنون الآخر بالضوء والذي رسمت له بورتريها. لكن سفرك لم يكن سدى. فبعد لوحتك "جزائرية"، رسمت، وأنت في "كوليور"، لوحة "عري أزرق"، (تذكار من بيسكرا) التي حطّ النقد من قدرها. في شكاغو، أنجزت عنها عدة نسخ حُرقت سنة 1913، وبعنف سخر من اسمك طلبة الفن. هذا لم يثنك، سنة 1930، من العودة إلى أميركا بعد إقامة ثلاثة أشهر في "تاهيتي". النقد الفرنسي لم يدافع عنك أبدا. بلهجة ساخرة كتب "رولان دورجولاس، مؤلف "الصليب الخشبي"، والحائز على جائزة "فيمينا" عن "الحياة السعيدة" سنة 1919، والذي أصبح رئيسا لأكاديمية "غونكور"، كتب في مجلة "فانتازيو" عدد فاتح دجنبر 1910: " تلقى السيد هنري ماتيس المديح الأكثر مخالفة للعقل مع وقار خاص بدرويش(...) نحن لا نكنُّ أي ضغينة للسيد ماتيس ليرسم بطريقة المزينين المالغاش، مادامت المهنة جيدة؛ لكن شيئا واحدا يؤلمنا، هو أن نفكر في أن بعض الغرباء الساذجين يمكن أن يحكموا على الفن الفرنسي طبقا لهذه الأعمال الخبلة. إذا كان يوجد في العالم شخص تشيكوسلوفاكيا أو من البلقان عاجز جدا عن تصديق أن الموسيقى والرقص هما آخر كلمتنا في فننا، فإن السيد ماتيس هو المتهم بكل تأكيد.". و "دورجولاس"، الذي نمتن له، سنة 1940، بعبارة "أية حرب غريبة"، ختم قائلا، ودائما بأسلوب تفوح منه رائحة العنصرية:"السيد ماتيس يرسم كزنجي يتكلم مثل مجوسي».