شكلت القضايا المرتبطة بوضعية مدن شمال إفريقيا عموما، ووضعية مدن المغرب خصوصا، موضوعا للحوار والنقاش من طرف المؤتمرين حول الشروط العمرانية والبيئية والاقتصادية التي تمكن المواطن من الحياة الكريمة بالمدن، بعيدا عن الضغوطات النفسية والاجتماعية المرتبطة بالظروف المحيطة بالسكن والحياة داخل مدن لم تعر الاهتمام اللازم لاحتياجات الساكنة ومتطلباتها الآنية والمستقبلية على المستوى البيئي والعمراني، خصوصا مع التوسع الهائل للمدن على المستوى الأفقي والعمودي ومع ما رافق هذا التوسع من مشاكل عمرانية بيئية واقتصادية رغم أن المدن لا تحتل إلا 2 في المائة من مساحة الأرض التي يقطنها 50 في المائة من ساكنة الكوكب، لتصبح هذه النسبة 70 في المائة سنة 2050 ... ولتستنزف بالمقابل 75 في المائة من الطاقة المتوفرة كونيا . ويبقى هذا المؤتمر المنعقد أيام 9و10 يونيو 2014 فرصة أمام أصحاب القرار ومدبري الشأن المحلي والخبراء في مجال التكنولوجيا وعلم الاجتماع والسياسة لتعميق النقاش والحوار من أجل صياغة مقترحات جديدة وبديلة لتحويل المدن إلى مدن ذكية توفر للمواطن كل الخدمات الضرورية للحياة. وقد تم التطرق خلال هذا المؤتمر للمواضيع التالية: - المدن الذكية رافعة للاقتصاد المتين - دور التكنولوجيا للولوج إلى تعليم متميز - دور التكنولوجيا في التنمية المستدامة - المدن والتدبير الذكي للموارد. وقد تم التأكيد على أن تحقيق نموذج المدن الذكية عبر التخطيط الحضاري والاجتماعي ودمج الأنظمة الرقمية والتكنولوجيا، وتشجيع المنافسة الاقتصادية من خلال تدبير الموارد بشكل عقلاني واستثمار البنيات التحتية بالمدن والاستثمار الأمثل للإمكانات المتوفرة ، بالإضافة إلى ضرورة إشراك المواطنين في القضايا المرتبطة بالحكامة وبقيمها لضمان معيش أفضل لساكنتها. وقد جسد نموذج المدن الذكية مثل مدن شيكاغو سان فرانسيسكو بالولايات المتحدةالأمريكية واللتين استجابتا لملاحظات واقتراحات الساكنة على مستوى تحسين الظروف المحيطة بالعيش داخلهما، خصوصا بالجوانب المرتبطة بالمعاناة الناتجة عن عسر ركن السيارات والاختناق المروري، وما يترتب عنه من مضاعفات نفسية واجتماعية وبيئية وصحية مؤثرة على السلوكات الفردية والجماعية للساكنة، معتبرين أن توفير نظم إلكترونية تحدد سلفا المواقف والمرائب الشاغرة للسيارات بشوارع المدينة، مما سيسهم في تقليص الازدحام المروري، ويحد من انبعاثات الكربون في الجو. من جهة أخرى، ساهمت المبادرات الذكية خلال العقد الماضي ببعض المدن إلى تقليص معدل الجريمة بنسبة تصل إلى %20، وحسنت من طريقة استعمال الثروة المائية بنسبة بلغت %80 كما أنها قلصت من استهلاك الطاقة. وقد تم التأكيد على أنه لا يوجد نموذج واحد موحد للمدن الذكية، باعتبار أن الدول النامية لا تواجه نفس التحديات التي تواجهها الدول المتقدمة، وهو ما تم التأكيد عليه من طرف البنك الدولي في مقال صدر في مارس 2012 جاء فيه: أن احتياجات الدول النامية ترتكز بالأساس على توفير بنيات تحتية حديثة من طرق وتقنيات جديدة للري والتخطيط، وإرساء البني التحتية المناسبة للمدن، والاعتماد أكثر على الدراسات المستقبلية المحققة لمدن مؤهلة لضمان التنمية المستدامة. أما في ما يخص المغرب، ومن خلال 50 سنة الماضية، قامت المملكة بعدد من الإصلاحات السياسية والاجتماعية التي أسست لنمو اقتصادي واجتماعي مرتكز على سياسة اللامركزية الهادفة إلى تقوية وضع الأقاليم والجماعات المحلية، بغية تهيئيها لتلبية الاحتياجات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والبيئية لمجالها الترابي، وتشجيع المواطنين للمشاركة في تدبير الشأن المحلي، والولوج للتكنولوجيا الرقمية والذي يعتبر هدفاً أساسيا من خلال إرساء شراكات مختلفة مع العديد من المؤسسات البنكية لبلوغ هدف و طموح «المغرب الرقمي 2013». هذه التحولات السياسية والمؤسساتية ساهمت في تطوير الاقتصاد المغربي الذي يجذب بدوره الاستثمارات الأجنبية، ويسرع من وتيرة النمو الاجتماعي والمجالي . فالمغرب الآن بصدد التحضير لإصلاحات هامة تخص التخطيط الحضري والطاقة النظيفة والأمن المائي والتنمية الزراعية والنقل، للخروج بمبادرات ذكية من شأنها تطوير البلاد وجعلها قدوة لباقي دول شمال إفريقيا. وفي هذا الصدد أكد إدريس اعويشة رئيس جامعة الأخوين على ضرورة ملاءمة التكنولوجيا الحديثة لمتطلبات المواطنين، وتحويل الفضاء الحضاري بمدننا إلى بيئة أفضل مما سيساعد على تحقيق تنمية مستدامة تتخطى التعثر الحاصل على مستوى فعل وممارسة النخب السياسية التي يعهد لها بالتخطيط المجالي لمدننا، والتي يجب أن تطور أداءها وقراراتها لتحويل مدننا أو البعض منها إلى مدن ذكية مؤمنة لحياة أفضل لساكنتها.