إذا جرى تخصيص 1300 مليار دولار سنوياً لتخضير عشرة قطاعات رئيسية، ففي الإمكان التحول نحو عالم منخفض الكربون. ومن شأن التحول إلى «اقتصاد أخضر» أن يوفر نمواً اقتصادياً مستمراً يتجاوز سيناريو الوضع القائم، ويولد فرص عمل جديدة، ويخفض وتيرة الفقر، مع المحافظة على الموارد الطبيعية وتقليص انبعاثات غازات الدفيئة المسببة للاحتباس الحراري. هذه خلاصة تقرير لبرنامج الأممالمتحدة للبيئة (يونيب) بعنوان «نحو اقتصاد أخضر» يشمل الفترة 2011 2050. وهو يقارن بين سيناريو يستند إلى النموذج الاقتصادي الحالي وسيناريو أخضر، حيث يُستثمر نحو 2 في المائة من إجمالي الناتج الداخلي العالمي في عشرة قطاعات رئيسية هي: الطاقة والصناعة والزراعة والنقل والبناء، المياه والسياحة وصيد الأسماك والغابات وإدارة النفايات. وقد تم تقديمه خلال الاجتماع السادس والعشرين لمجلس إدارة «يونيب» والمنتدى الوزاري البيئي العالمي، الذي عقد في العاصمة الكينية نيروبي خلال الفترة من 21 إلى 24 فبراير 2011، بحضور مندوبين من 140 بلداً. ركزت النقاشات على مساهمة «يونيب» في عملية التحضير لمؤتمر الأممالمتحدة حول التنمية المستدامة «ريو +20»، الذي سيعقد في ريو دي جانيرو بالبرازيل سنة 2012، وعلى محورين رئيسيين هما «الاقتصاد الأخضر» و«الحوكمة البيئية الدولية». وسبق الاجتماع انعقاد المنتدى العالمي الثاني والعشرين للمجموعات الرئيسية والجهات المعنية في 19 و20 فبراير. التحول إلى اقتصاد أخضر الفوائد والتحديات المرتبطة بالتحول الى اقتصاد أخضر كانت محوراً أساسياً للمناقشات والمشاورات، التي وفرت فرصة لوزراء البيئة في العالم لاستكشاف احتياجات البلدان من ناحية الدعم وبناء القدرات للحكومات والصناعات بشأن اعتماد سياسات وأدوات اقتصادية جديدة، بما في ذلك تلك المتعلقة بأساليب الاستهلاك والإنتاج المستدامين. كما وفرت فرصة للتعلم من تجارب البلدان المختلفة في تصميم وتنفيذ سياسات لتخفيض الانبعاثات الكربونية ورفع كفاءة استخدام الموارد وتحقيق تنمية عادلة. وجرى دمج سياسات الاقتصاد الأخضر وأهدافه في الاستراتيجيات الوطنية لكثير من البلدان المتقدمة والنامية. هنا بعض المبادرات التي قدمت خلال الاجتماع: تتخذ البرازيل، وهي البلد المضيف لمؤتمر «ريو +20»، مبادرات متعددة على المستوى الوطني وعلى مستوى الولايات، ومنها مبادرة الاقتصاد الأخضر الشاملة التي أطلقتها ولاية ساوباولو وتضمنت مؤشرات لقياس التقدم في مجموعة من القطاعات والمناطق الاقتصادية الأساسية. وحددت الصين هدفاً لإنتاج 16 في المائة من طاقتها الأساسية من مصادر متجددة بحلول سنة2020. واشتملت خطتها الخمسية 2006 2010 على استثمار كبير في طاقة الرياح والطاقة الشمسية ومصادر متجددة أخرى، وتشمل خطة الفترة 2011 2015 مزيداً من الإجراءات المماثلة. ويروج الأردن حالياً لسياسات ومبادرات وبرامج متنوعة تهدف إلى تحقيق اقتصاد أخضر، مثل منتدى المدن الإيكولوجية ومؤتمر التمويل الايكولوجي ومشروع إعادة تأهيل سيل الزرقاء ومجموعة من الحوافز المالية لترويج الطاقات المتجددة وكفاءة الطاقة. وتضمن البرنامج التنفيذي للعام 2010 هدف تحويل البلاد إلى مركز إقليمي للخدمات والصناعات الخضراء. وتبنت كوريا الجنوبية استراتيجية وطنية وخطة خمسية لنمو اقتصادي خلال الفترة 2009 2013، مخصصة 2 في المئة من ناتجها المحلي الاجمالي للاستثمار في قطاعات خضراء عدة، مثل الطاقة المتجددة وكفاءة الطاقة والتكنولوجيا النظيفة والمياه. وحددت إسبانيا هدفاً لإنتاج 22,7 في المائة من الطاقة الاجمالية في البلاد، بما في ذلك 42,3 في المائة من الكهرباء، من مصادر متجددة بحلول سنة 2020. وهي تنفذ أيضاً برنامجاً شاملاً لإدارة الموارد المائية، يشتمل على استثمارات كبيرة تركز على تحسين كفاءة استعمال المياه. وقدم المنتدى العربي للبيئة والتنمية «أفد» برنامجه حول الاقتصاد العربي الأخضر، خلال جلسة خاصة عقدت في إطار المنتدى الوزاري البيئي العالمي. وشارك في الجلسة وزيرا البيئة الإماراتي راشد بن فهد، والعراقي سركون صليو، والمدير الإقليمي لبرنامج الأممالمتحدة للبيئة حبيب الهبر، إلى جانب وفود عربية وأجنبية. وتهدف مبادرة «أفد» إلى التحول من «الاقتصاد الافتراضي» القائم على المضاربات والعمولات واستنزاف الموارد، إلى الاقتصاد الحقيقي القائم على الإنتاج وتوفير فرص العمل. كما وجه المنتدى مذكرة حث فيها الوزراء على الاستفادة من وجود رئاسة عربية للمجموعة الآسيوية للإسراع في اختيار مندوبيها للجنة الانتقالية التي أقرتها قمة كانكون. الحوكمة البيئية الدولية أجمع المشاركون على ضرورة إعادة النظر في كيفية التصدي للتحديات المشتركة التي يواجهها المجتمع الدولي ولا يمكن حلها من قبل دولة بمفردها، بل تحتاج الى عمل جماعي وملتزم. كما تداولوا التصحيحات المطلوبة لاصلاح المنظومة الدولية. وتمت مقاربة موضوع الحوكمة من منظورين حاسمين. الأول، أن المؤسسات المعنية بالبيئة مجزأة وأضعف كثيراً من المؤسسات المعنية بالقضايا الاقتصادية والاجتماعية. والثاني، أن هذه التجزئة خلقت ضعفاً في تخطيط وتطبيق مبادرات التنمية المستدامة بسبب تضارب جداول الأعمال وعدم تكاملها. ساهمت السلع والخدمات المستمدة من البيئة بمكاسب صافية جوهرية في التنمية الاقتصادية والرفاه الاجتماعي. وتعتمد القطاعات الاقتصادية والاجتماعية مباشرة على الرأسمال الطبيعي وخدمات التنوع البيولوجي والنظم الإيكولوجية، بما في ذلك الزراعة ومصائد الأسماك والغابات والصحة والطاقة والنقل والصناعة. على سبيل المثال، فان نحو 25 في المائة من إجمالي مبيعات القطاع الصيدلاني (نحو 650 بليون دولار في السنة) تُستمد من موارد وراثية. وتولد السياحة البيئية فرص عمل بقيمة نحو 200 مليار دولار في السنة. ويقدر أن الفشل في وقف خسارة التنوع البيولوجي على اليابسة قد يكلف 500 مليار دولار سنوياً ابتداء من العام 2010. وتشير التقييمات أيضاً إلى أن من الممكن عكس اتجاه تدهور البيئة خلال السنوات الأربعين المقبلة، لكن التغييرات المطلوبة في السياسات والممارسات ليست قيد التنفيذ حالياً. وتتأثر السياسة البيئية كثيراً بالتخطيط والنشاط الاقتصاديين. لذلك، من الأولويات السياسية الرئيسية للاستدامة البيئية تحسين الحوكمة البيئية الدولية، وتقوية الهيكليات والمؤسسات الحالية في الميادين الاقتصادية والاجتماعية والبيئية على المستويات الدولية والإقليمية والوطنية، لضمان التماسك وتوحيد السياسات والحد من التداخل وتقوية التنفيذ والمساءلة. اختتمت اجتماعات مجلس إدارة برنامج الأممالمتحدة للبيئة والمنتدى الوزاري البيئي العالمي بالاتفاق على مقررات أبرزها استقطاب تمويل إضافي للتحول إلى الاقتصاد الأخضر، وتفعيل دور «يونيب» عن طريق العمل لتحويله من برنامج تابع للأمانة العامة للأمم المتحدة إلى منظمة دولية متخصصة. وجاء في ملخص المناقشات التي رأستها روزا أغيلار ريفيرو، وزيرة الشؤون البيئية والريفية والبحرية في إسبانيا، التي جرى انتخابها رئيسة لمجلس إدارة «يونيب»، أن على الدول الذهاب أبعد من انتقاد النقائص والتركيز على أجندة إصلاحية حقيقية في الطريق إلى «ريو +20». في انعكاس للأوضاع المأزومة في المنطقة، كانت المشاركة العربية في المنتدى الوزاري العالمي ضعيفة، فانحصرت في وزيرين ووكيلي وزارة وثلاثة مدراء لهيئات ومجالس بيئية، إلى جانب مكتب الجامعة العربية والسفراء المعتمدين في نيروبي. وكان بارزاً غياب وزراء مصر، والجزائر، والمغرب، وتونس، وسورية والأردن، وهم اعتادوا حضور هذا الاجتماع سنوياً. أما لبنان فيمكن اعتباره الغائب الدائم عن هذه الاجتماعات. وظهر من تقرير جرى توزيعه عن المساهمات في صندوق البيئة الذي يديره «يونيب» ضعف التقديمات العربية، التي اقتصرت على تونس (17,000 دولار) والمغرب (12,000 دولار) والجزائر (10,000 دولار)، إضافة إلى تعهد لم يدفع بعد من الكويت بقيمة 200,000 دولار، بينما لم تساهم الدول العربية الأخرى بشيء على الاطلاق. ويقارن هذا بمساهمات من دول فقيرة وغنية، في مقدمتها هولندا، التي قدمت 13 مليون دولار لعام 2010.